مع نهاية العام الدراسي وفرحة أطفالنا بنهاية السنة الدراسية واِستعادة حريتهم في اللعب واللهو كيفما شاءوا، وسعادة الآباء والأمهات بإنجاز سنة دراسية وانتقال أبنائهم إلى السنة التالية، وارتياحهم أيضاً من متطلبات المدارس ومتابعتهم بالمذاكرة ..الخ، هكذا يبدو المشهد للوهلة الأولى إذا ما نظرنا إليه دون إمعان، ولكنه يصبح مغايرا تماما عندما نتشاركه مع الأمهات والآباء في كافة المدن اليمنية تقريباً.. في عدن بدأ صيف ساخن بمشكلات الأطفال في الشوارع.. أكملوا الاختبارات وتفرغوا لجلب الهموم والمتاعب لكل الآباء والأمهات، بدأ الصيف وبدأت أيادي الأمهات ترتفع بالدعاء “ يا رب خارجنا من هذه الإجازة وعديها على خير “!! بيوتنا ضيقة، وشوارعنا مزدحمة بالسيارات، والباعة المتجولين، والحارات حفريات ليس لها نهاية، ونحن لم نعد نطيق حتى أنفسنا، فكيف سنكون مع أبنائنا في ظل فراغهم القاتل وانشغالنا بهموم الحياة؟!! صدى الكلمات منذ اليوم الأول تنكسر فرحة الأطفال وتتحول ضحكاتهم إلى بكاء؛ وهذه الفرحة يتغلب عليها الاسى والحزن وسرعان ما يوقظهم واقعهم المرير حينما يشرعون بالتجمع في الحارات و اللعب بالكرة فلا يجدون المساحة التي تستوعب حركتهم ولا يجدون فضاءً حراً لإطلاق صرخاتهم وهم يلعبون، وتشاهدهم وهم يتفرقون من جديد عائدين كل إلى منزله، وعلامات الغضب تختلط بعلامات الاستفهام ومئات التعجب!! لتكون في الأخير غيمة من الألم والحزن تكسو وجوههم وتظل تلاحقهم صدى الكلمات التي أجبرتهم على التشتت وهم يعودون إلى بيوتهم في غرف المنازل وفي ظل صيف وانقطاعات متكررة للكهرباء يجعل منها شبيهة بالأفران .. وما تزال صدى الكلمات تترد على مسامعهم “ ممنوع اللعب هنا , يا عيال روحوا بيوتكم , متلعبوش جنب السيارة...” والسبب الأطفال!! أغلب أطفال مدينة عدن وخاصة في الأماكن الشعبية تمتلئ بهم الحارات والشوارع، فهي المتنفس الوحيد الذي يلجأون إليه، وهو المستوعب الوحيد لهم في ظل غياب المتنزهات والحدائق العامة والتي غالباً ما تكون بعيدة عن التجمعات السكنية!!! فيضطر هؤلاء الأطفال إلى تكييف ظروفهم وإمكانياتهم بتسخير الشارع وأتربته وأحجاره كأدوات للعب في الصيف الطويل. وعلى الأسر أن توسع قلوبها، وتطول بالها، وتكبر عقولها، حتى تستطيع أن تستوعب مشاكل الأطفال خلال هذه الفترة ماذا وإلا ستمتلئ الدنيا صراخاً وعراكا بين الآباء والأمهات والجيران وستمتلئ الشرط بشكاوى ليس لها أول من آخر والسبب...الأطفال !! مخدرات وإذا ما حاولنا الاقتراب من الآباء والأمهات للتعرف على حقيقة استراحتهم في إجازة الصيف لوجدنا أن كلاً منهما يعبر عن مشاعر مختلفة عن الآخر، مع أنها تلتقي في بعض منها وقد اختلطت في مجملها بين فرحة نجاح الأبناء في سنة دراسية وصعود درجة جديدة في مستقبلهم الدراسي، وبين الإحساس بالألم والخوف, لا يخلو من مشاعر الغضب، فتحس بالألم الشديد من الشعور بالعجز في مساعدة الأبناء للحفاظ على استمرارية فرحتهم، وتهيئة الظروف المناسبة لهم لممارسة هواياتهم في اللعب والنشاطات الرياضية المختلفة لعدم توفر الأندية الرياضية المناسبة والقريبة من مناطق سكنهم، ولا يخفون قلقهم وتخوفهم من السماح للأطفال بالخروج إلى الشارع في ظل ظروف أمنية يغلب عليها الانفلات في كل مكان و إلى درجة غير معهودة على الإطلاق، ومع انتشار ظواهر جديدة اقل ما يقال عنها بشعة من انتشار مخدرات وحبوب وحشيش, والغريب انه وحتى اليوم لا يوجد اعتراف رسمي بهذه الظواهر رغم تفشيها في كل المحافظات تقريبا , ذلك أن الاعتراف والإعلان عن تفشي مثل هذه الظواهر يجب أن يصاحبه في المقابل حملات رسمية وشعبية سواء بالتحذير من مخاطرها، أو من خلال مكافحتها ومنع انتشارها بل إننا نكاد لانسمع عن وجود إدارة حقيقية تختص في مكافحة مثل هدة الظواهر كما هو سائد في بلدان العالم الأخرى. لا متنفسات لا حدائق وما يثير الغضب لدى الأبوين معاً هو غياب المتنفسات والنوادي الرياضية في التجمعات السكنية التي يمكن أن تحتضن الأطفال والشباب إليها وإنقاذهم من الوقوع في شراك عصابات الإجرام؛ ليسهل عليها اصطيادهم أو وقوعهم فريسة سهلة في شباكها، حيث يؤكد اغلبهم أن مدينة عدن بالذات وأثناء طفولتهم وكما يتذكرون قد شهدت اختلافا كبيرا في مختلف أوضاعها، فبالرغم من غياب المخاطر التي تهدد أبناءهم اليوم، إلا أن المتنفسات والحدائق كانت تغطي العديد من التجمعات السكنية التي عاشوا فيها وفي أسوأ الأحوال، وهذا في التوسعات السكنية الحديثة، وكانت توجد المساحات الفارغة التي تركت أثناء تخطيط المدينة وان لم تستكمل تنفيذ مشاريع الحدائق عليها, إلا أنها كانت تلبي احتياجات الأطفال والشباب من خلال استخدامها كملاعب لكرة القدم مثلاً، بالإضافة إلى وجود حدائق في الأحياء المجاورة والتي تعتبر قريبة جدا بالمقارنة بما هو حاصل اليوم. ختاماً الصيف لا يعني للأسر اليمنية - باستثناء بعضها - سوى تغير المناخ، وقدوم هذا «الضيف» الساخن «الثقيل» يؤرقهم، لما يحمله من أعباء يصنعها بقاء أطفالهم فترات أطول في المنزل، ما يعني ارتفاع وتيرة المشاكل وزيادة المشاحنات بين الأخوة المتقاربة أعمارهم، في معظم الأحيان، وحتى بين الكبار والصغار، فالتوتّر يصيب كل أفراد الأسرة، والجيران أيضاً. وعليه، تبقى الأسرة أمام خيارات محدودة، تؤدي كلها إلى إخراج الأبناء من المنزل وتدفع الفاتورة من أعصابها وعلاقتها مع الجيران، أو تدفع بعض الأسر والفقيرة منها أبناءهم إلى العمل في الأرصفة، وبيع كل ما خف وزنه وسهل الحصول على ماله، أو يدفعونهم إلى المراكز الدينية لتلقي علوم القرآن وحفظه...و إلى أن تلقى الأسر خياراً رابعاً ترضى عنه وأطفالها ننتظر ونتأمل أن تهتم السلطة بالأطفال وتوفير وسائل يقضون خلالها فترة الإجازة الصيفية في نشاطات من شأنها تنمية مداركهم ومواهبهم بما يعود عليهم بالنفع، ونتمنى ألّا يطول انتظارنا..!!