دقّت المدارس أجراسها إيذاناً بعودة محمودة لتلاميذها بعد أن هجروها بعض الوقت، يتسابق الصغار على اقتناء مستلزمات العودة التي تبدأ بحقيبة جديدة وأنيقة تتسع لرغبة الطفولة اللا محدودة في امتلاك ما يشبع فراغهم من الدفاتر والأقلام والألوان وزمزميات المياه وغيرها، ثم تأتي هبة المدرسة المتمثلة في مجموعة الكتب، وإذا ما بقي من فراغ في الحقيبة ملئ بالأطعمة الخفيفة والعصائر، وفي كل صباح يأبى التلاميذ إلا أن يحملوا كامل أمتعتهم على ظهورهم، وتدفعهم أسرهم بفرحة نحو المدرسة دون أن يكتشفوا المخاطر الكبيرة التي تخفيها الحقيبة المدرسية لأولادهم، لطالما اشتكى التلاميذ من آلام مختلفة وصداع ولا يتوقعون أن تكون حقائبهم هي المتسببة فيها؛ وربما عجز الكبار عن إيجاد تفسير لها.. الثقل الضار والوزن المثالي والحقيقة تكشف أن السبب وراء تلك الآلام هو الوزن الثقيل للحقيبة، حيث أكدت التجارب الطبية أن غالبة التلاميذ يحملون ما معدّله ثلث وزنهم من الكتب والدفاتر داخل الحقيبة، وربما نصف وزنهم بسبب لهفتهم وولعهم بالمدرسة والكتب الجديدة، وقد يستمرّون في حملها طيلة ساعات الدراسة؛ وهذا يشكّل بحسب أخصائي العظام الدكتور غالب الفقيه مخاطر كبيرة على استقامة عموده الفقري، كما تسبب بروزاً في القفص الصدري بنسب تختلف من طفل إلى آخر حسب الثقل وقوة تحمُّل العظم. ويؤكد الدكتور الفقيه نشوء مضاعفات أخرى مثل ضعف اللياقة البدنية للطفل ومحدودية قدرته الفيزيائية على العمل وحمل الأثقال وتأثر الأعصاب، إلى جانب مشاكل أخرى في التنفس، وأظهرت دراسة طبية أميركية أن التغيّرات الصحية في وضع الجسم تتعاظم إذا كان وزن الحقيبة يزيد عن 10 % إلى 15 % من وزن جسم التلميذ، وأن آلام الظهر تتضاعف خلال فترة المراهقة بنسبة 50 %، بسبب حمل المراهقين حقائب مدرسية مليئة بالكتب. الطرق الخاطئة لحمل الحقيبة إن المتأمل لملامح الأطفال ساعة توجّههم إلى المدرسة صباحاً يكتشف تناقضاً كبيراً مع مرور الوقت، ففي بداية العام تلهيهم فرحتهم بالمدرسة عن التفكير في وزن الحقيبة، ثم يظهر عليهم العبوس والتعب مع تكرار حملها، لتشكّل همّاً يتوجب عليهم الاستمرار في حمله ذهاباً وإياباً بشكل يومي على امتداد عدة أشهر، وأكبر دليل على ذلك هو سعادتهم خلال أيام الامتحانات والعطل حين لا يتوجّب منهم حمل حقائبهم. هم الأوزان الكبيرة للحقائب المدرسية أصبح مصدر قلق واهتمام بعدما كشفت دراسات علمية تسببها للأطفال الصغار بآلام في الرقبة والكتفين وتقوّس العمود الفقري فضلاً عن أن حملها على كتف واحدة يومياً يؤدي بحسب الدكتور غالب الفقيه إلى بروز في الجهة الأخرى للصدر بحيث تبرز الترقوة بالقرب من لوح الصدر، ثم يمتد الضرر إلى استقامة العمود الفقري حتى يتكون انحناء مع مرور الوقت يشوّه قوام الطفل، كما لا يستبعد حدوث آلام مزمنة وانزلاقات غضروفية وربما الإصابة مستقبلاً بترقُّق العظام. عناء ومخاطر قد تدوم دائماً ما يضطر التلاميذ في الصفوف الدراسية الأولى إلى قطع عدة كيلومترات كل صباح في اتجاه المدرسة؛ هذا في المدن، أما في الأرياف فإن الأمر أشد بالنظر إلى صعوبة التضاريس وقسوتها، فتراهم يحملون الحقيبة على ظهورهم أحياناً ثم على جنوبهم وربما اضطروا إلى حملها على الرأس، وربما لزم الأمر محطات توقف للاستراحة قليلاً، وحين يصلون إلى الصف يلقونها بصورة تعكس مقدار العناء الذي يجدونه في حملها، والحق كل الحق معهم؛ فالكبار لا يدركون مقدار الجهد العضلي الذي يحتاجه الطفل لحمل حقيبة مليئة بالكتب والتي قد تجعل العضلات تعمل بشكل أكثر قسوة ما يؤدّي إلى إصابتها بالتوتر والإجهاد. وترى لجنة سلامة المنتج للمستهلك الأميركية أن مشكلة الحقيبة الثقيلة تعد مسألة بحجم الوباء ومصدراً مرضياً قد يسبب تلفاً يدوم مدى الحياة بعد أن سجّلت آلاف الإصابات في غرف طوارئ الولاياتالمتحدة، بينما في الدول النامية والفقيرة فإن التشخيصات الطبية دائماً ما تعزي بشكل خاطئ تلك الآلام والإصابات إلى مسببات أخرى. حلول ومسؤولية مشتركة الكثيرون من التربويين يشيرون بأصابع الاتهام إلى جدول الحصص كأحد المسببات، ويرون فيه أيضاً أهم الحلول لهذه المشكلة، حيث يؤكد الأستاذ محمد القعيش ضرورة مراعاة الجانب الصحي للطفل عند وضع جدول الحصص، كما يراعى الجانب التعليمي بحيث ينظّم مقدار الكتب التي يتوجب على الطالب حملها لليوم الدراسي. وبقدر صواب هذا القول؛ إلا أن الكثيرين يؤكدون اقتصاره على الصفوف المتقدمة؛ في حين يتم تجاهل العمل به في الصفوف الدراسية الأولى وهي الفئة الأهم والأكثر عرضة للمخاطر مقارنة بأعمارهم وأجسادهم الصغيرة. وبحسب مسؤولة الصحة المدرسية في مدارس النهروان الأستاذة أماني البعداني؛ فإن الصغار لا يستوعبون معنى جدول الحصص وقد ينسونه أو يفقدونه، كما أن الصغار جداً منهم لا يجيدون القراءة والكتابة؛ وهذا يجعلهم يحملون كل الكتب، والأخطر أن بعض الآباء يحاولون حل مشكلة الجدول ونسيان التلاميذ بعض الكتب فيفرضون على أبنائهم حمل كل كتبهم حتى يختار منها المعلم ما يشاء، الأمر الذي دفع بالمعلمين إلى إلزام التلاميذ أخذ نسخة من الجدول وإلصاقها بدفتر المتابعة حتى يستطيع أي من أقاربه تنقية الكتب اللازمة ليومه الدراسي فقط. المسؤولية مشتركة إن معاناة الحقيبة الثقيلة تلقي بظلالها على صحة الطلاب ككل، والحقيقة أن المسؤولية مشتركة لمواجهة هذه المشكلة تبدأ من دور الأسرة في تعليم الأبناء الأسس الصحيحة لحمل الحقيبة وما يتعلّق بوزنها المثالي، وتوعيتهم بما يترتب على مخالفة هذه التعليمات من مخاطر صحية، إلى جانب عدم السماح لهم بحملها لمسافات طويلة واختيار الحقيبة المناسبة ومراقبة محتواها باستمرار. وفي موازاة دور الأهل يبرز دور المدرسة في توجيه التلاميذ إلى اختيار الكتب اللازم حملها وتحديد البرنامج الجيد لاختيارها، كما يجب على إدارة المدرسة أن تقوم بدور الرقابة للتأكد من مدى الالتزام والتقيُّد بالبرنامج الدراسي والقياس المتكرّر لوزن الحقائب. ويشدّد الأطباء على أن تعمد المدارس إلى تنفيذ برامج توعية وورش تدريب للطلبة حول كيفية حمل الحقيبة المدرسية بطريقة صحيحة، وينصح أخصائي الصحة العامة الدكتور منصور التاج بضرورة اتباع التلاميذ الإرشادات الصحية في سبيل مساعدتهم على تجنُّب الإصابة بأي آلام والمتمثلة بالالتزام بالوزن الصحي للحقيبة وحملها على الكتفين لتوزّع الوزن تلقائياً على الجسم، كما ينصح الأهل بانتقاء الحقائب ذات الحمالات المحشوة حتى لا تضغط الحقيبة على عصب الأكتاف وتتسبب في تنميل اليدين.