وزير الخارجية الدكتور شائع الزنداني يطلع نظيره الباكستاني على آخر مستجدات جهود إنهاء حرب اليمن    أخيرًا... فتيات عدن ينعمن بالأمان بعد سقوط "ملك الظلام" الإلكتروني    حوثيون يرقصون على جثث الأحياء: قمع دموي لمطالبة الموظفين اليمنيين برواتبهم!    "سيتم اقتلاعهم من جذورهم": اكاديمي سعودي يُؤكّد اقتراب نهاية المليشيا الحوثية في اليمن والعثور على بديل لهم لحكم صنعاء    في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الإرياني: استهداف ممنهج وغير مسبوق للصحافة من قبل مليشيا الحوثي    شعب حضرموت يتوج بطلاً وتضامن حضرموت للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    وكلاء وزارة الشؤون الاجتماعية "أبوسهيل والصماتي" يشاركان في انعقاد منتدى التتسيق لشركاء العمل الإنساني    عيدروس الزبيدي يصل عدن رفقة قيادات عسكرية بارزة.. والمجلس الانتقالي: غدا يوم تاريخي!    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    د. صدام عبدالله: إعلان عدن التاريخي شعلة أمل انارت دورب شعب الجنوب    فالكاو يقترب من مزاملة ميسي في إنتر ميامي    برشلونة قد يهبط للمستوى الثاني اوروبيا والخطر قادم من ليفركوزن    الكشف عن كارثة وشيكة في اليمن    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة أمين مكتب الحزب بوادي حضرموت «باشغيوان»    خادمة صاحب الزمان.. زفاف يثير عاصفة من الجدل (الحوثيون يُحيون عنصرية أجدادهم)    بعد منع الامارات استخدام أراضيها: الولايات المتحدة تنقل أصولها الجوية إلى قطر وجيبوتي    ميلاد تكتل جديد في عدن ما اشبه الليله بالبارحة    45 مليون دولار شهريا يسرقها "معين عبدالملك".. لماذا لم يحقق مجلس القيادة فيها    مارب.. وقفة تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيوني    البنتاجون: القوات الروسية تتمركز في نفس القاعدة الامريكية في النيجر    كارثة وشيكة ستجتاح اليمن خلال شهرين.. تحذيرات عاجلة لمنظمة أممية    وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    الخميني والتصوف    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    دورتموند يفوز على سان جيرمان بذهاب نصف نهائي أبطال أوروبا    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخبير الاقتصادي الدكتور محمد السعيدي ل «الجمهورية»:
النظام الاتحادي هو الأفضل إذا تم تطبيقه بالشكل الأمثل
نشر في الجمهورية يوم 22 - 03 - 2014

في ظل الجدل المحتدم بين المثقفين والمهتمين بالشأن السياسي حول مدى ملاءمة النظام الفيدرالي الذي أقرته مخرجات مؤتمر الوطني كشكل لنظام الدولة القادم، وفي ظل التخوفات التي يثيرها البعض حول ذلك أجرى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد أحمد السعيدي رئيس مركز دراسات النهضة, عضو اللجنة التحضيرية للهيئة الوطنية الشعبية لمساندة الحوار الوطني, عدداً من البحوث والدراسات حول هذا الموضوع خلص فيها إلى أن النظام الاتحادي أو الفيدرالي هو الأفضل للحالة اليمنية، لبناء الدولة التي لطالما عانت وتدهورت من جراء النظام المركزي، والتهام المركز لمقدرات وموارد البلد والعبث بها على حساب حرمان الأطراف من التنمية.. التقت (الجمهورية) الدكتور السعيدي وناقشت معه خلاصة أبحاثه المرتبطة بالنظام الفيدرالي وعلاقته بالنهوض الحضاري.. إليكم نص اللقاء:
بداية من خلال الدراسات والبحوث التي قدمتها حول النظام الفيدرالي ومدى ملاءمته في الحالة اليمنية، هل يمكن اطلاعنا على أهم نتائج هذه البحوث؟
أولاً لا يخفى على أحد اللغط الذي يدور حول الفيدرالية وتصويرها من قبل البعض بأنها إضرار بالبلاد على عكس حقيقتها، إذ لازلنا نسمع العديد من الأصوات التي تبدي تخوفها أو عدم ارتياحها أو شكها بالحكم الاتحادي (الفيدرالي ) باعتباره مجرد تقليد غير ضروري لدول غربية، فضلاً عما قد يترتب عليه من عواقب ليس أقلها احتمال أن يكون مقدمة للتفتت والتشرذم بحسب تصور البعض، رغم كثرة ما طرح من تحليلات مؤيده لهذا النظام وبالنسبة لي فإن الفيدرالية كانت محور بحثين أنجزتهما وقد كنت ممن ساهم بدراسة بعنوان ((شكل الدولة ونظام الحكم)) قدمتها لمؤتمر الحوار في بداية أعماله، وقد توصلت فيها إلى نتيجة مؤداها أن النظام الاتحادي يعد النظام الأفضل إذا تم تطبيقه بالشكل الأمثل. واعتمدت في ذلك على دراسات لي سابقة عن الحضارة البشرية. كما اقترحت فيها تطبيق النظام الرئاسي باعتباره الأمثل في حالة اليمن.
ومع استمرار احتدام النقاش للتشكيك في هذا النظام عدت لدراسة الموضوع من جديد معتمداً هذه المرة على المصادر الإسلامية، فقادني البحث إلى نتيجة مفادها أن الدولة الإسلامية ذاتها قد أسسها سيد خلق الله نبي الهدى محمد(صلى الله عليه وسلم) في شكل دولة اتحادية (فيدرالية).
كيف توصلت إلى هذه النتيجة أو بالأدق ما هي الأسس التي بنيت عليها هذه النتيجة؟
الأسس التي اعتمدت عليها مبنية على معطيات كثيرة أشار إليها عدد من العلماء والمفكرين والمؤلفين، فمثلاً الأستاذ الدكتور حسين مؤنسي أحد أعظم علماء الحضارة الإسلامية في معرض تحليله للمبادئ التي تضمنها دستور المدينة المنورة (النواة الأولى للدولة الإسلامية)الذي خطه سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) يستنتج في كتاب له بعنوان((عالم الإسلام)) أن نظام الحكم في المدينة المنورة اتحادي أو ما يسمى في مصطلح اليوم فيدرالي. بمعنى أنه يتكون من وحدات كل وحدة منها مستقلة في إدارة شئونها الداخلية، أما الاتحاد بينها فيكون في مسائل الدين وحمايته ونشره وتطبيق شريعته ومبادئه الأخلاقية، وكذا في شئون الدفاع والحرب والسلم، أي العلاقات الخارجية.. فبحسب الدكتور مؤنس أن نواة الأمة الإسلامية تتكون من تسع وحدات، واحدة منها اجتماعية وهم المهاجرون، والثمان الباقية وحدات قبلية من أهل المدينة ما بين أوس وخزرج وغيرهم وكل وحدة من هذه الوحدات تدخل الجماعة بنظامها الداخلي الخاص بها (على ربعتهم ) وهم يقومون بمسئولياتهم وإدارة شئونهم الاقتصادية والاجتماعية متعاونين فيما بينهم . وأساس التنظيم الداخلي لكل وحدة هو العرف الجاري والعدل والمساواة بين أفرادها. إذ وقع خلاف بين نفر من أعضاء الجماعة ولم يستطيعوا الوصول إلى حل أو اتفاق فلابد لهم من أن يعرضوا الأمر على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ليقضي فيه بأمر الله. والمادة (61)من دستور المدينة تقول إنه إذا وقع بين أهل هذه الصحيفة حدث أو شجار خطير فإن الفصل فيه يكون لمحمد (صلى الله عليه وسلم ) أي لرئيس الجماعة ، وهذه المادة خطوة بعد المادة (28)الواردة في الجزء الأول فهي تحدد التزام أفراد الجماعة بعرض القضايا الهامة ونقط الخلاف التي يخشى أن تؤدى إلى ضرر للجماعة كلها على رئيس الجماعة (رئيس الدولة تحديداً دقيقاً).. كما أكد الدستور أن الأمة وحدة متماسكة وهي في مجموعها مسئولة عن الأمن الداخلي، فلابد لها من محاسبة كل معتد أو مفسد من بين أعضائها، ولو كان ولد واحد منهم وأن سلم الأمة كلها واحد فلا يعقد مسلم أو قبيلة داخلة في الأمة سلماً منفرداً في حالة حرب ولا يتم السلم إلا بناء على اتفاق المسلمين وإن دخل المسلمون حرباً أو وقع عليهم اعتداء وأصيب بعضهم، فإن الأمة كلها تتعاون في تحمل التبعات وتعويض الخسائر. وقد وعدت المجموعات اليهودية التي بقيت في المدينة أمة مع المسلمين، أي جزء من الأمة ولكنهم يحتفظون بدينهم حيث نصت المادة (30) من دستور المدينة على أن «لليهود دينهم وللمسلمين دينهم» وذلك يقرر مبدأ الحرية الدينية داخل الجماعة بأوضح صورة.
في أبحاث لك حول الحضارات أشرت إلى أن الحضارات اليمنية القديمة أيضا قامت على أسس نظام حكم اتحادي، هل لك توضيح ذلك؟
نعم لو تعمق المتخصصون في دراسة تاريخ الحضارة اليمنية القديمة لوجدوا فيها أصل أو الجذور الأولى للنظام الاتحادي فما وصلنا من أخبار تدل على أن اليمن كانت مكونة من مخاليف يرأس كلاً منها قيل وكل مخلاف مكون من عدة قبل ومناطق، وكان هناك مجلس يتكون على الأغلب من الأقيال وكبار رجالات الدولة والحكماء درج علماء التاريخ والفقه على اعتباره مجرد مجلس للشورى في أخف وأبسط معانيها.. فالمنطق يقتضي أن المجلس هذا له دلالة تتخطى ما درج على اعتباره مجرد جهاز استشاري فهو يختص بأمور أكبر بكثير من مجرد إبداء رأي وتقديم مشورة ويتجاوزها إلى اختصاصات تشريعية (حق إصدار القوانين بمنطق العصر ) بل ربما قضائية أيضاً. فالخالق جل وعلا بقدرته في محكم كتابه قد ذكر الشورى في مواطنها ((وأمرهم شورى بينهم )) ولكنه جل وعلا عندما ذكر قوم سبأ استخدم تعبيراً هو بالتأكيد يعلو بمراتب على مفهوم الشورى ألا وهو الفتوى. حيث قال في محكم آياته (( قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ماكنت قاطعة أمراً حتى تشهدون )). وفي نفس السورة آيات أخرى تعزز ما وصلنا إليه من استنتاج, منها ((اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون )) إذاً فالخالق جل وعلا استخدم تعبير فألقه إليهم ولم يقل فألقه إليها . وهذا تأكيد آخر من المولى جل وعلا أننا أمام دولة يتخذ فيها القرار بشكل جماعي مخالف تماماً لغيرها من ممالك القهر والتسلط والاستبداد والتي يكون زمام الأمر في قبضة الحاكم الفرد. ففي حالة كهذه الأخير التعبير يختلف ويكون موجهاً للحاكم الفرد الذي يملك لوحده القرار وتصبح صيغة الأمر (اذهب إلى فرعون ) وليس إليهم.
وسواء كان قصب السبق لأجدادنا المسلمين أم لأجدادنا الأوائل بناة الحضارة قبل ظهور الإسلام، فالنتيجة لا تخرج عن كون نظام الحكم الفيدرالي أو الاتحادي هو نبتة بيئتنا الذي نشأ فيها، وبالتالي فهو حق أصيل لنا وللأجيال القادمة، وليس صحيحاً أنه غرسة غربية عن بيئتنا غير مجربة تم استيرادها من الغرب لغرض تفتيت المفتت، وسنكون أقدر من غيرنا على استلهام أو تمثل قيمها و مرتكزاتها.
في دراسة قدمتها لمؤتمر الحوار في بداية أعماله تطرقت إلى الحضارة الأوروبية الحديثة شارحاً بإسهاب عوامل ومراحل وصولها إلى ازدهارها الحالي، ألا ترى أن ما تناولته يختلف تماما عن ظروفنا وواقعنا فضلاً عن ابتعاده عن تخصصك الاقتصادي البحت؟
أولا أقول صحيح أن تخصصي هو في الاقتصاد لكن الاقتصاد يهتم بالحضارة كون الازدهار الاقتصادي يرتبط دوما بازدهار الحضارة التي بدورها لا ينفك ازدهارها وانهيارها عن عوامل سياسية تقودها إلى ذلك.. وما كان يشغل بالي هو معرفة دورة حياة الحضارات ولماذا تنهار الحضارات وتنتهي وتموت بعد ازدهار ونمو ؟ ولماذا شكلت الحضارة الأوروبية الغربية استثناء حتى الآن، ففي نتائج دراسة سابقة لي أعددتها لاختبار نظرية شيخوخة الحضارات أو حتمية وصولها إلى مرحلة الانهيار بعد مرورها بمراحل الطفولة ثم الشباب وانتهاء بمرحلة الشيخوخة التي تنتهي بالهلاك الحتمي. أو دورة العمران بين البداوة والحضارة كما أسماها أعظم علماء الاجتماع السياسي في نهاية العصور الوسطى(ابن خلدون). فقد وجدت أن الأقدار قد هيأت للمجتمع الأوروبي ظروفاً غير اعتيادية للوصول إلى حضارة مميزة أو استثنائية مرت بثلاث مراحل رئيسة.. وبالتدقيق في تلك المراحل قد نجد الظروف التي مرت بها التحولات الأوروبية تعتبر أقسى وأصعب من الظروف التي نواجهها لإنجاح التغيير وإحداث التحولات المطلوبة للانتقال إلى نظام الحكم الجماعي التشاركي الناجح المتمثل في النظام الفيدرالي..
هل يمكنك إجمال تلك المراحل ومقاربتها مع ما نصبو إليه من تحول وتغيير؟
طبعا المرحلة الأولى هي مرحلة التأسيس وتشمل واقع ما قبل الحضارة الأوروبية حيث كانت الدول تبنى على أساس حاكم أو قائد فرد، يستمد قوته من عصبية قبلية أو عرقية أو دينية ثم يأخذ يتوسع في البلدان أو الأراضي المجاورة إلى أقصى ما يمكنه. وتستمر الدولة بالتوسع أو المحافظة على تماسكها أو قوتها من بعده لجيل أو جيلين أو أكثر ما دام هناك من يرثون الحكم أو يستولون عليه ممن يتمتعون أو يمتلكون نفس عناصر القيادة أو الجبروت، وتسندهم القوة العسكرية التي تمكنهم من فرض إرادتهم واستعباد الشعوب التي تقع تحت سلطتهم.. وعادة ما أتسم نظام الحكم آنذاك بالاستبداد والقهر في ظل نظام شديد المركزية، لا تحده إلا عوامل الجغرافيا، وخاصة على الشعوب التي تم التوسع إليها باحتلالها. وقد يصل الأمر حد تأليه الحاكم الفرد، وبالتالي فقد كان الحاكم الفرد هو عماد قوة الدولة وحاميها ومصدر جاذبيتها والضمان لاستمرارها. فإذا حصل أي خلل أو ضعف لرأس الدولة تهاوت وسقطت.
ثم جاءت المرحلة الثانية وهي مرحلة الانطلاق التي تغيرت فيها الظروف وظهرت الإقطاعيات وتوفرت شروط موضوعية لبروز الكنيسة كقوة دينية ودنيوية، صارت جزءاً أصيلاً من النظام الإقطاعي لتصبح السلطة محصلة توازن ثلاث قوى رئيسة، هي الملك والكنيسة والإقطاع وهو ما جعل من النظام اللامركزي في إدارة الدولة حقيقة ثابتة وواقع معاش. عمل على الارتقاء من نظام الحكم الفردي العقيم إلى نظام جماعي في الحكم أو لامركزي أحدث انعطافاً تاريخياً أنعكس إيجاباً على المجتمع وشكل ما يمكن اعتبارها حاضنة أو رافعة للنمو والتطور في مراحله الأولى، إذ أفضى التوازن بين السلطات الإقطاعية أو المحلية وسلطة الملك والكنيسة إلى قيام الدول على نظام مؤسسي ظل ينمو ويرتقي مع ارتقاء تلك الدول في سلم الحضارة وأفضى هذا النظام المؤسسي إلى وضع حدود لصلاحيات الملك.
ثم جاءت المرحلة الثالثة وهي مرحلة الارتقاء التي تميزت بإطلاق العنان للعقل البشري ليعطي أفضل ما استودع الخالق فيه من طاقات إبداعية خلاقة في كافة المجالات وعلى كل الأصعدة والانتهاء التدريجي من رواسب النظام الإقطاعي والكنسي واجتثاثها بكل جذورها ومظاهرها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية والثقافية.. وتم ترسيخ جذور نظام ديمقراطي مؤسسي لا مركزي بشكل متفاوت وكذا ترسيخ سيادة القانون واحترام الدستور واستقلال القضاء، وإرساء حكم دستوري يستمد الحاكم شرعيته بالانتخاب الحر المباشر، وإرساء حرية العمل الحزبي وحرية الإعلام.
هل ترى أن بلادنا تمتلك من المقومات والعوامل الموضوعية ما يمكنها من خوض التجربة الفيدرالية بنجاح؟
نعم لدينا من المقومات والعوامل التي تضمن نجاح النظام الفيدرالي, وذلك لأن ما أوصلنا إلى حافة الانهيار والتدهور هو موضوع الحكم المركزي وتضخم المركز على حساب الأطراف مما أعاق حركة التطور والنمو وأصبحت كل إمكانيات الدولة توظف لصالح المركز الذي صار يستنزف الموارد ويتضخم دون أن يقدم شيئاً، وعلى سبيل المثال لا الحصر أن حكومتنا المركزية تمثل أضعاف حكومة الولايات المتحدة.. والتالي فإن الحكم الفيدرالي سيعمل على توزيع السلطات وتفريغ المركز من التضخم اللامحمود وضمان تنمية الأقاليم التي ستتنافس على البناء والتطوير.
لكن البعض يخشى أن يتحول النظام الفيدرالي من حل لمشكلة إلى مشكلة أعظم؟
لا أعتقد أن ذلك سيحدث لأن الفيدرالية هي أفضل حل للمشكلات التي واجهناها ونواجهها، ولو نظرت الأن إلى توزيع الميزانية ستجد أن معظمها تصرف في صنعاء.. إذا دع الناس يديروا شؤونهم بأنفسهم ويتحملوا مسؤولية أنفسهم بأنفسهم.. وإذا نحن سنظل نتخوف من عودة الماضي وجلسنا نتردد من المضي قدما إلى الأمام فلن ننجز شيئاً.. فالإجماع الذي حصل عليه المشروع الوطني الفيدرالي يؤكد أننا سائرون في الطريق الصحيح, والنبي (ص) يقول: لا تجتمع أمتي على ضلالة.. إذا ليس من المعقول أن يكون إجماعنا على ضلالة.. وأنا عبر صحيفتكم أوجه رسالة إلى زعماء الأحزاب أن الماضي لا يمكن إعادة إنتاجه ولا يمكن العودة إلى حكم الشعب بالقهر.. الآن الوضع تغير والشعب تغير والماضي لن يعود.
لكن التخوفات من تفكك البلد في ظل الفيدرالية لها ما يبررها خصوصا وأن دول اتحادية كانت عظمى وتعرضت للتفكك والانهيار وأقرب مثال لذلك الاتحاد السوفيتي؟
الاتحاد السوفيتي كان يشمل قوميات متعددة ومختلفة وغير متجانسة.. لكن نحن قومية واحدة.. وأعتقد أن هذا النظام هو الأفضل وهو ليس حلاً للقضية الجنوبية فقط بل حلا للقضية اليمنية برمتها.
كلمة أخيرة...؟
ما دمنا بصدد العودة إلى تطبيق النظام الاتحادي الذي كان أجدادنا السباقين لتطبيقه أو كانوا أصحاب الفضل في ابتكاره فمن المنطقي أن تستخدم ذات المسميات التي استخدمها أجدادنا وذلك بأن يتكون اليمن الاتحادي من ستة مخاليف بدلاً من استخدام الأقاليم ويكون المخلاف مكوناً من محافظات تتكون كل محافظة من نواح بدلاً من مديريات وبهذا أناشد فخامة الأخ الرئيس أن يأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، كما أناشد فخامته أن يولي اهتماماً خاصاً لأن تكون الدولة الاتحادية رشيقة بقدر الإمكان فلا يسمح بترهل الدولة باستمرار ثقافة الإرضاء والمحاصصة والنفعية بالإسراف في خلق وظائف غير ذات قيمة في هياكل الدولة سواء على المستوى المركزي أو على مستوى الأقاليم. كما أتمنى من فخامة الرئيس وأعضاء لجنة الدستور أن لا يغيروا اسم الجمهورية عن الاسم الذى ألفناه منذ قيام الوحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.