تشتهر محافظة تعز بالكثير من المنتجات التي تتميز بها والتي بقيت حكراً عليها، ومنها الجبن الذي فاقت شهرته المحيط الإقليمي ليصل إلى بريطانيا وأمريكا.. يحمله المغتربون معهم في مهاجرهم حيثما رحلوا ويقدمونه هدايا لأعزائهم في بلاد المهجر، وظل منتجو الأجبان يحافظون على جودة هذه الصناعة وسمعتها إلى وقت قريب رغم الإمكانيات المتواضعة فظلت هذه الصناعة بوسائلها التقليدية التي لم تصلها التكنولوجيا ولم تلتفت إليها الدولة إلا من مشروع يتيم مات قبل أن يرى النور .. هذه الصناعة أضحت اليوم مهددة بالانقراض نتيجة الغش الذي بدأ يتسلل إلى هذه الصناعة وأصبح من الصعب تمييز جودة هذه من تلك إلا من أصحاب الخبرة فيها ..في هذا الاستطلاع نسلط الضوء على هذا المنتج والمناطق التي تشتهر بإنتاج الجبن وأهم القضايا التي تهدد جودته وسمعته وكيفية تطوير هذا المنتج. أسعار تتباين يقول شائف احمد البشاري الذي يمارس بيع الجبن بعد والده في سوق الشنيني بمدينة تعز منذ أكثر من أربعين عاماً: هناك الكثير من المناطق التي تشتهر بصناعة الجبن مثل مقبنة والصيعر والضباب، مضيفاً في حديثه عن أنواع الجبن وجودته “ أفضل أنواع الجبن العوشَقي، والقمعري، والعوب، والعرفي، والقاحزي، والهاملي، وتعود تسميات هذه الأنواع نسبة إلى المنطقة التي يأتي منها، وتعتمد الجودة على نسبة الملح في الجبن، فالجبن الحالي أفضل أنواع الجبن مثل العوب، وهو مخصص للأكل طازجاً ولا يعمر كثيراً كما هو الحال في الجبن المملح الذي يعمر طويلاً نتيجة زيادة كمية الملح إليه، إضافة إلى عملية التعقيم بواسطة (الكبى الذي يعطي نكهة ومذاقاً خاصاً بحسب أنواع الأشجار، وعن كيفية معرفة الجبن المغشوش من الطبيعي يقول البشاري: عادة الجبن يصنع من حليب الماعز، أو الأبقار وغير ذلك لا يصلح، والقضية أمانة بين الرعوي المصنع وبين التاجر والمشتري، و الزبون لا يستطيع التفريق بين الجبن المغشوش والغير مغشوش إلا من كانت له خبرة ومعرفة. وعن أسعار الجبن ونوعية الزبائن وحركة البيع قال إن الأسعار تختلف بسبب الجودة وبحسب حجم الواحدة، والنظافة، وهي تتراوح بين (3000 - 2000) ريال بالنسبة للعوشقي درجة أولى، وفيما يتعلق بالزبائن فهم من كل مكان وبخاصة المسافرين المغتربين في الخارج والذين يأخذون كميات كبيرة هدايا لأصحابهم، بعضهم في الخليج وبعضهم إلى بريطانيا والى السعودية ومصر والأردن، وأيضاً على مستوى الداخل هناك حركة وتختلف من فصل إلى آخر وبخاصة حين زيادة الطلب على الجبن في المناسبات كالأعياد وشهر رمضان خاصة. وعن عملية التسويق أوضح البشاري أن هناك سوق كبير في منطقة البرح بمقبنة سوق بحر العريش، فكل صناع الجبن يأتون إلى هذا السوق أربعة أيام في الأسبوع، والتجار يأخذون حاجتهم من السوق ومن ثم إلى مختلف المناطق. إضافة إلى أسواق هجدة والنجيبة. وعن أهم المشاكل التي يواجهونها في عملية بيع وشراء وتخزين الجبن أوضح أن لا مشاكل، ماعدا أن بعض الريفيين يأتون ببضاعتهم غير نظيفة ما يضطرهم لغسلها بالماء حتى تظهر بالمظهر الذي يعجب العميل. على قارعة الطريق وحول كيفية صناعة الجبن والتعقيم تحدثنا مع السيدة عيشة أحمد من منطقة الصيعر حيث تقول: طريقة التصنيع تعتمد على حليب الغنم أو البقر ثم نضيف إليه (فح ) معدة الجدي البازي الذي لم يأكل حشائش، بعد ذلك نقوم بتقليبه حتى يتجمد داخل (عزفة) ونتركه لمدة يوم أو يومين حسب الكمية، بعد ذلك نقوم ببيعه. وعن عملية البيع والتسويق قالت: أنا أقوم بنفسي ببيع بضاعتي حيث أبيعه في مدينة تعز هنا على قارعة الطريق، ولا احصل على أي دعم من أحد، وأتنقل من سيارة إلى سيارة إلى هنا.. وعن استخدامها للحليب البودرة في صناعة الجبن قالت: هذا لا يصلح أبداً ولم نستخدم هذا الحليب. لبن الإبل لا يصلح ويشاطرها الرأي أحمد عبده غالب - أحد صناع الجبن من منطقة شمير حيث يقول: حليب البودرة لا يصلح أبداً وحتى لبن الإبل لا يصلح، فنحن نعتمد على حليب الماعز والأبقار، وعن أسعار البيع يقول إن الأسعار من (700-500) ريال للحجم الصغير. وعن المشاكل التي يواجهونها يقول: نحن نعتمد على أنفسنا في كل شيء إضافة إلى أننا ندفع أجور أرضية هنا في السوق المركزي بمدينة تعز. سريعة التلف سميرة الخليدي - رئيسة قسم الإرشاد الزراعي بإدارة تنمية المرأة الريفية - مدربة في الصناعات الغذائية تحدثت عن الأمراض التي يمكن تنتقل إلى الإنسان عن طريق الجبن الغير نظيف بالقول: الجبن من المنتجات سريعة التلف والفساد وبيئة صالحة لتكاثر البكتيريا، ولذلك هناك أمراض تصيب الحيوان تنتقل إلى الحليب ومن ثم إلى المستهلك مثل البروسيلا، وهي تؤدي لإجهاض النساء الحوامل في حالة شرب الحليب الغير مغلي، أيضاً هناك أمراض تصيب الحيوانات تؤثر على إنتاج الجبن مثل الحمى والتهاب الضرع للحيوانات المنتجة، وكلها تؤثر على الجبن وعلى جودته فتسبب التخثر وعلى ظهور الشروخ وتعطيل عملية التصنيع. وعن أهم المشاكل المرتبطة بصناعة الجبن أوضحت الخليدي أن هناك العديد من المشاكل في مقدمتها طريقة التصنيع فهي بدائية جداً، إضافة إلى عدم توفر النظافة الشخصية، ونظافة الأواني، وطرق التخزين الذي ينبغي أن تكون التهوية فيها متوفرة بعيداً عن الحشرات، وكذا عملية التسويق التي تتم بالمكشوف في الأسواق أو البيع مباشرة على الطرقات، عدم وجود ثلاجات لحفظ الجبن في الأرياف، بُعد المراكز البيطرية عن القرى، وشحة الإمكانيات لدى المنتجين لشراء العلاجات البيطرية. وعما إذا كان التدخين يغني عن التعقيم أوضحت إن التدخين أو ما يسمى (بالكبى) يعطي الجبن نكهته المميزة ويطيل من فترة الصلاحية وتجليد السطح وحفظ الرطوبة، حيث أن الدخان يحتوي على أكثر من (300) مركب كيميائي تؤدي إلى قتل أو تثبيط أو تأخير نمو الميكروبات المسببة للفساد، مشيرةً إلى أن الغش موجود وأصبح يمارس دون رقابة ويكمن في استخدام الألبان البودرة المستوردة والخوف أن تكون منتهية الصلاحية. أخيراً.. نوجهها دعوة للجهات المختصة الالتفات إلى هذه الصناعة باعتبارها أحد الموارد الاقتصادية وباعتبارها من المنتجات التي تشتهر بها بالمحافظة والعمل على تطويرها وإدخال التقنيات الحديثة في صناعتها.