باستثناء الجبن البلدي لم يعد هناك حرف محلية تقليدية, إلا وتدخل المواد المستوردة في مكوناتها, لذلك يعتبر الجبن البلدي هو آخر الصناعات الغذائية الشعبية التي صمدت في وجه المنافسة الشديدة التي تواجهها الحرف التقليدية من مثيلاتها المستوردة؛ كونه منتجا يعتمد على مواد طبيعية خالصة, يتم إعدادها وفق طرق متوارثة, ولكل نوع من هذا الجبن أسرار صناعة محتكرة، جعلته عصياً على المنافسة والتقليد. السلعة المناسبة في المكان المناسب في واجهة مدخل سوق الشنيني وهو أقدم الأسواق الشعبية بمدينة تعز, تنتصب أرفف بائعي الجبن البلدي, والتي تمتزج مع روح المكان العتيق, راسمة لوحة فنية تلقائية, كثيراً ما تشد السياح الذين يقبلون على تصويرها ، ثم لايلبثون أن يقعوا في غرام الشكل الذي جذبهم بعد تذوقه. أنواعه متعددة يتخذ الجبن البلدي شكل أقراص دائرية متعددة الألوان الأبيض, والأسود والبني, وتتنوع مذاقاته بتنوع أشكاله المتعددة، فهناك المالح، وهناك الحلو, وهناك ما هو رطب سهل الابتلاع, وهناك ما هو صلب. أما أنواع الجبن البلدي فهي كثيرة منها العوشقي, وعرفي، جبن قاحزي, وقمعري، وجبن العوب، وتتراوح أسعاره من200 إلى 3000 ريال للجبنة الواحدة. أقدم المكونات من عالم الروائح الزائل بقيت رائحة الجبن البلدي مسافرة عبر الأجيال, فلايزال الجبن البلدي ينتج بنفس الطريقة التي كان ينتج بها منذ القدم, دون أن يطرأ عليها أي تحديث أو تطوير لمواكبة العصر, فلا تزال المواد التي يتكون منها الجبن هي ذاتها معتمدة على ماتجود به ضروع الماشية من اللبن، وأمعاء صغار المواشي التي تستخدم لعملية التخثر وتصالب اللبن حتى يتحول إلى جبن. عابرة للأزمنة ويقول بشير شايف وهو أحد العاملين في بيع الجبن البلدي: إن صناعة الجبن حرفة متوارثة، و لكل نوع من أنواع الجبن طريقة إعداد خاصة تختلف عن بقية الأنواع , ويتم توارث هذه الطرق من جيل إلى آخر عند صناع الجبن. تقاليد عريقة كما أن الأدوات المستخدمة في تصنيع الجبن البلدي, لاتزال هي نفس الأدوات البدائية وهي أيضاً أدوات من المشغولات الحرفية المحلية, وتتكون أدوات تحضير الجبن من (الطاوة) وهي وعاء يجري فيها طحن جزء صغير من أمعاء رضعي الماشية, ثم يتم صب حليب الأغنام أو الأبقار عليها، وبعد أن يتجمد الحليب يتم نقله إلى (العزفة) وهي وعاء من القش, والتي يتم تعليقها في الهواء حتى يجف الجبن تماماً, والخطوة الأخيرة تتمثل بتعريض الجبن لدخان أنواع معينة من الحطب, مثل عيدان الذرة الشامية وبعد ذلك يصبح الجبن جاهزا. أسرار التميز إلا أن ذلك ليس كل شيء في عملية صناعة الجبن البلدي, فهناك بعض الأسرار الخاصة التي يحتفظ بها صناع الجبن البلدي كأسرار مهنة, فرغم أن الجبن البلدي ينتج في أماكن كثيرة من اليمن, إلا أن هناك مناطق محددة في محافظة تعز اشتهرت بحرفة صناعة الجبن دون أن يتمكن من منافستها أحد. التفرد أفضل وقبل عامين تقريباً أخفقت مبادرة تبنتها منظمة ديا الفرنسية بإنشاء مشروع يهدف إلى توحيد وتطوير صناعة الجبن البلدي, وسبب عدم تنفيذ المشروع يرجع بحسب عبدالجبار الشعبي وهو أحد بائعي الجبن (إلى أن لكل صانع جبن طريقته التي يمتاز بها عن مصنعي الجبن الآخرين).