في مديرية ريفية 18كم غرب مدينة تعز يتمركز أشهر بائعي الجبن الذين يتوارثون صناعته أجيالا متتالية ويصدرونه إلى عديد محافظات وبأسعار عالية مشكلين نوعا مميزاً من إنعاش اقتصادهم المعيشي والاستثماري.. لم تكن “ مقبنة “في يوم ما مملكة تجارية بصناعة الأجبان مملكة الدنمارك وجبنة “ اللورباك” .. فأجبان مديرية مقبنة وصلت إلى أمريكاوبريطانيا وفرنسا والصين وإلى السعودية والإامارات والكويت والبحرينوقطر والأردن وسوريا وجيبوتي واثيوبيا، ولكن وصولها إلى تلك الدول كان على شكل هدايا للأحبة من أقارب وأصدقاء. مقبنة مملكة الجبن تعد مناطق العراف والعوشقة, الأقحوز، البرقة, البرح, الجمعة, المقيصع , الصعيرة, الكمب, و هجدة والواقعة في مديريتي مقبنة وموزع – محافظة تعز من أشهر المناطق إنتاجا للأجبان. ويتوافد الزبائن إلى مواقع ومناطق صناعة الجبن أو إلى محلات بيعها في الأسواق الشعبية لشراء الأجبان فمنهم من يشتريها لغرض الاستهلاك المحلي وآخرون يشترونها هدايا يقدمونها في المناسبات أو إرسالها إلى أهاليهم وأقاربهم في عدد من المحافظات مثل صنعاء وعدن وذمار والحديدة وحضرموت وإب أو إلى الدول المجاورة, السعودية, قطر، البحرين، الإمارات وكذلك إلى بريطانياوأمريكا. زيادة الانتاج ^..علي قاسم – أحد رعاة الأغنام المشهورين بصناعة الأجبان في منطقة العراف بمديرية مقبنة قال عن أسعار الأجبان إنها تنخفض في فصل الصيف لأسباب عدة منها خصوبة المرعى جراء هطول الأمطار ما يؤدي ذلك إلى توافر المرعى بشكل أوفر مما ينعكس ذلك في إدرار ألبان المواشي ويؤدي إلى زيادة الِإنتاج للأجبان, بعكس فصل الشتاء حيث يحل الجفاف وشحة الماء والمرعى فيقل حينها الإنتاج؛ ونتيجة لذلك ينخفض العرض في الأسواق مقابل زيادة في الطلب الأمر الذي يؤدي إلى زيادة مرتفعة في أسعار الأجبان وتتفاوت أسعار الجبنة الواحدة باختلاف أحجامها من 400- 1000- 2000- 3000- 4000ريال. اشتراطات تسويق الأجبان ^.. عبدالله الشميري – بائع الأجبان في سوق الشنيني بتعز، قال: هناك نوعيات من الأجبان ذات أحجام كبيرة نشتريها من عملاء منتجين بأسعار متفاوتة مابين 1500- 2000-3000 ريال. ويضيف الشميري إنه يتعامل مع أشخاص (عملاء)معروفين وبطريقة رسمية وتكون لهذه المعاملة اشتراطات منها الجودة والنظافة ونوعية الأحجام وتوفير طلباته أسبوعياً. ^.. وبحسب خبرته في بيع الجبن في سوق الشنيني بمدينة تعز يؤكد “محمد سلطان” أن إقبال المستهلكين على منتوج الأجبان “الغنمي “أكثر ..وقال إن هناك أصنافا متعددة معروضة في السوق، كما شاهدناها، فمنها الجبن الغنمي وهو المفضل في السوق فيما الجبن البقري تقل نسبة إقبال المستهلكين لشرائه. وتتفاوت الأسعار من سوق إلى آخر ولأسباب متعددة؛ لعل منها الجودة والنظافة وطراوة الجبن ..ويضيف: إن أعلى سعر لديه يصل إلى 2000 ريال للجبنة الواحدة وأقلها 500 ريال. ^.. زيد أحمد المداري – أحد بائعي الأجبان في سوق “البرح “يؤكد أن الأجبان المسوقة من منطقة العراف تعد من أفضل الأجبان في السوق حيث يعد من ألبان الأغنام، فضلا عن كونه طازجا أي حديث الإنتاج ويحظى بإقبال كبير من قبل المستهلكين وتنفد كمياته بشكل أكبر وأسرع من السوق ولم تتعد فترة بقائه في الأسواق 3- 5 أيام. بينما الجبن العوشقي فيحتل المرتبة الثانية وتسوق كمياته بشكل أكبر وتحتمل البقاء والاحتفاظ بها لأشهر عديدة وبخاصة في المناطق الباردة. ^.. ويستقبل زيد “سوابع الجبن “ أسبوعياً من رعاة الأغنام من منطقتي العراف والعوشقة وحصر هاتين المنطقتين لشهرتهما في صناعة الأجبان. ويوضح زيد أن “سوابع الجبن” هي مجموع ما يعده “المجبن “ صانع الجبن خلال أسبوع كامل وحين تسويقه يتم وضعه في صحن يتسع لعدد سبع حبات ويسمى حينها “ سابع “ فهناك من يسوق في الأسبوع 4- 5 سوابع وربما أكثر ويرتبط ذلك بمقدار ما تنتجه الأغنام من الألبان وبعدد ما يمتلكه من المواشي. شهرة العوشقي ^.. يبدو أن زيد متعصب لأجبان منطقة العراف, كما يقول مطيع الظرافي وهو الآخر بائع أجبان في سوق البرح , ويذهب مطيع إلى القول إن الجبن العوشقي هو المشهور على مستوى الوطن, وبحسب نوعيته هناك الجبن البقري يكون سعره وجودته أقل مقارنة بالجبن الغنمي والذي يعد الأكثر جودةً ومبيعا وبأسعار مرتفعة .. ويضيف مطيع: إن أكثر مبيعاته تذهب إلى دول الجوار حيث يتعامل مع الزبائن من المسافرين إلى السعودية وغيرها من دول الخليج. ^ وتعد أيام الأعياد والمناسبات الأكثر مبيعا للأجبان ..ياسر غالب – متسوق ويرتاد سوق البرح أكثر الأيام حيث تصل الأجبان بشكل يومي من مختلف مناطق مديريتي مقبنة و موزع, ويتحدد السوق الرسمي للجبن العوشقي بيومي “ السبت والأحد “ من كل أسبوع. أما أجبان منطقة العراف فيتحدد سوقه الرسمي أيام “ الإثنين والخميس والجمعة “ بشكل منتظم . تحضير سحاوق الجبن ^.. في مدينة تعز ومراكز مديرياتها المختلفة، وبخاصة في الأسواق يعمل كثير من الشباب في إعداد السحاوق الممزوج بالجبن البلدي والذي يعد أحد مكونات الوجبات الشعبية، وكذلك في المخابز الشعبية في عدد من المحافظات حيث تتطلب وجبة السمك “ حنيد “ ضرورة إعداد سحاوق الجبن كمقوم رئيس للوجبة. محلات إعداد سحاوق الجبن مشهورة في باب موسى حيث يرتادها أناس كثر معظمهم من طبقة العمال والكادحين والفقراء، وكذلك لا يخلو المكان أيضا من المقاوتة والطلاب ورجال أمن ومثقفين وبائعات الخبز والقات في الأماكن المجاورة لباب موسى .. بينما الطبقات الأخرى من المسئولين ورجال الأعمال والتجار والنخب المختلفة فيرتادون مطاعم “ المخبازة “ في المركزي وسط مدينة تعز . تزاحم الزبائن *..فالتوافد على الأمكنة إما لشحة الحالة النقدية عند البعض “ودافع الخورة” لهذه الوجبة عند البعض الآخر. وفي المحل المجاور لقسم شرطة باب موسى يزدحم عشاق السحاوق بالتدافع وعلى” جميل “ البائع الأنيق كما يسميه الزبائن وحينها يردد البعض “محمد أحمد..هات المطايب “وعلى طريقة لحن زامل شعبي وتردد هكذا باستمرار في أوقات الظهر عند تدافع الزبائن على المحل. المرأة المنتجة ^ ..لاتخلو الأسواق الشعبية من النساء البائعات لمنتجاتهن من الجبن والبيض والسمن وغيرها من منتجات الأسر الريفية ومن الباب الكبير بمدينة تعز حيث تنزوي “ مريم “ بائعة الجبن في إحدى الأرصفة، وإلى جانبها ابنتها “ فاطمة “ 12سنة .. مريم اختارت ذلك الرصيف لبيع “ سابع “الجبن الذي تظل تجمعه طيلة السبع الأيام للأسبوع ومن ثم تسوقه الى مدنية تعز في بعض الأحيان؛ لأنه مرغوب فيه لجودته. فالإقبال على منتجاتها من الأجبان من قبل المستهلكين حسب قولها لأنه طري أولاً حيث لايتعدى عمر أجبانها الأسبوع .. أما الجانب الآخر؛ لأنها تعد أحيانا من ألبان الأغنام باعتباره المفضل, وتبيع القرص الواحد ب “ 500 – 1000 ريال. “ مريم “تقيم في إحدى قرى شمير بمديرية مقبنة والتي تبعد “18”كم عن مدينة تعز تعيل خمسة أفراد هم قوام أسرتها .. هذا الدور الذي تقوم به هذه المرأة يؤكد مدى قدرة المرأة وبخاصة الريفية على العمل وتحديها لقهر الظروف الصعبة، ومقاومة الفقر وعدم الاستسلام للظروف تحيط بها كما بدت لنا معالمها من خلال وجهها الأسمر الشاحب وكفيها الخشنتين. تمتلك مريم عشرة أغنام تحتلبها كل يوم وهي الثروة الوحيدة التي تمتلكها. جبن “نص خمدة” يعرض في السوق نوعان من الجبن فمنه “ العوب “ وهوالأبيض الطري ولم يتعرض لعملية “ الكبي “على الدخان كما أكدت لنا مريم وهو بطبيعة الحال لايحتمل البقاء أكثر وسريعا ما يتعرض للتلف إذا لم يحرص البائع بالمحافظة عليه من الانكسار.. أما النوع الآخر فهو الجبن المكبي بدخان أعواد العلب “ السدر “ نظراً لرائحته الحلوة التي تعطي للجبن لونا آخر وهو الاصفرار .. وتكون أقراصه قد جفت وتماسكت أكثر. تحضير الجبن .. الحلقة الأصعب عن طريقة تحضير الجبن شرحت لنا “ عائشة الراعي “ هذه العملية بعجالة حيث تحتلب الأغنام المدرة باللبن، ومن ثم تقوم بعملية توزيعه على أوان عديدة تسمى “ صنية” أو مطيبة ويضاف إليها قطرات من “ الفحل “ المأخوذ من رضيع الأغنام بعد ذبحه ويظل لمدة ربع ساعة, ومن ثم تبدأ عملية التفاعل ويترسب اللبن، ومن ثم تبدأ عملية وضعها في أوان أخرى حتى اليوم الثاني وبعدها توضع في “ غرفة “مصنوعة من “ سعف النخيل تساعد على تجفيف الأجبان من الرطوبة .. وتعرض وجهيها لغرض التجفيف يضاف إليها الملح كمادة حافظة .. بعدها تجرى عملية الكبي للأجبان على دخان الحطب المعد من شجرة السدر "العلب". لم تستقر عائشة على سوق محدد في المديرية فمعظم منتجاتها تباع على سكان القرى المجاورة لها في منطقة العفيرة بمقبنة. وتضيف: إن فترة تجفيف الجبن تستغرق أسبوعا أو أقل وأشارت إلى أن الكبي بدخان أعواد شجرة السدر يمنح الأجبان ريحة طيبة وهي المناسبة للكبي دون غيرها. مؤكدة أن النساء الريفيات وبالتحديد اللاتي لديهن أبقار ويعددن منها الحقين يستخدمن دخان أعواد هذه الشجرة في كبي “ جعاف “الحقين قبل أن يسكبن اللبن في “ الجعفة “ ويقمن بتنظيفها وكبيها، ومن ثم سكب اللبن وتجرى هذه العملية حتى تعطي للحقين طعمه المميز .. ودون القيام بهذه العملية يتغير طعمه، وكذلك الحال بالنسبة للأجبان، كما أوضحت لنا الحاجة “ عائشة “حيث تمتلك أكثر من 150 رأ سا من الأغنام, وتؤكد أنها غير مستقرة في إقامتها حيث تنتقل من منطقة إلى أخرى بحثا عن الماء والمرعى. بانتظار معمل صناعة الأجبان حسن عبده بجاش – عضوسابق في المجلس المحلي بمديرية مقبنة، قال: إن كثيرا من مناطق المديرية تشتهر بصناعة الأجبان وبطريقة بدائية. وأشار حسن إلى أن فريقا بحثيا من منظمة ديا الفرنسية سبق أن قام بالنزول الميداني إلى عدد من مناطق المديرية وأعد الفريق البحثي دراسة بحثية تتعلق بصناعة الأجبان وهدف من ذلك تقديم دراسة تطويرية لتلك الصناعة، كما أوصت الدراسة بضرورة دعم العاملين في تلك المناطق لمامن شأنه تطويرصناعة الأجبان من خلال إنشاء معمل حديث لصناعتها. مسئولة في منظمة ديا الفرنسية سبق أن أكدت لنا أن الدراسة أعدت وقدمت لبرنامج الدعم الأوروبي للتنمية في اليمن وطرح حينها المشروع في وزارة الزراعة، وهي المعنية بالتعاون مع برنامج الدعم الأوروبي للتنمية في اليمن. وأضافت: إن المنظمة أعدت الدراسة وأوصت بضرورة تطوير هذه الصناعة من خلال إنشاء معمل حديث مزود بكافة الأجهزة, وأشارت إلى أن إمكانية المنظمة لاتسمح لها بإنشاء هذا المعمل؛ كونه بحاجة إلى تكلفة أكثر ولهذا أحيلت الدراسة للجهات الحكومية , وزارة الزراعة وبرنامج الدعم الأوروبي للتنمية في اليمن.