الأصل في إنشاء السجون هو القيام بما يجب لإعادة التأهيل المسلكي والإصلاح القيمي للسجناء بهدف تمكينهم مجدداً من الاندماج الجمعي, وأن يصبحوا أعضاء فاعلين ونافعين في محيطهم الأسري والاجتماعي وعلى مستوى الأوطان.. لكن بالنظر إلى ما هو موجود في السجون داخل اليمن, فقد أخذت هذه الأماكن بالشق العقابي, أكثر منه عدم الاهتمام بعنصر التأهيل .. مؤشرات رقمية وفقاً لتصريحات مسؤولين بمصلحة السجون يتجاوز عدد السجناء في أرجاء البلد 14 ألف سجين بحلول العام 2014م, والأغلبية الساحقة منهم من الفئة الشابة بعمر ما بين 18 إلى 35 عاماً بنسبة 92% من إجمالي السجناء؛ في حين تشير إحصائية رسمية صادرة عن المصلحة إلى أن عدد السجناء بحلول العام الفائت 2013م يزيد عن 12 ألف سجين في السجون المركزية, والمفرج عنهم قرابة 7 آلاف سجين, في حين كان العدد أقل خلال 2012 بوجود 11 ألف سجين منهم 10423 من الذكور و 116 إناث بالإضافة إلى 540 سجيناً من جنسيات أجنبية منهم 513 ذكوراً وكذا 31 سجيناً من جنسيات عربية منهم 18 من الذكور.. الإحصائية أكدت في تصنيفها لحالات السجناء, وجود 4540 سجيناً محكوم عليهم, ونحو 3326 سجيناً رهن المحاكمة، إضافة إلى وجود 169 نزيلاً في مصحات نفسية و 347 من المرحّلين. صنّفت الإحصائية الصادرة عن مصلحة السجون بحلول 2013 حالة نزلاء السجون إلى فئات وفقاً للمستوى العلمي, حيث أظهرت ارتفاع نسبة الأميين بعدد 2034 سجيناً, أما المتعلمون لمستوى المرحلة الأساسية عددهم 1364, والمرحلة الثانوية 788, جامعيين 185, والدراسات العليا لعدد 41 سجيناً. يبلغ عدد السجناء القاصرين القابعين بأقسام الأحداث في السجون, وفقاً لإحصاءات 2013 حوالي: 565 حدثاً , بينهم 29 فتاة وفقاً لتصريحات مسؤولين بمصلحة السجون, فإن سجون البلاد تفتقر إلى كثير من المقومات, حيث تصيب الأمراض المعدية بما نسبته 20 % من السجناء؛ ويؤكد المسؤولون أن حالات السجن المرصودة بحلول 2014م أدت إلى تهتّك وتفكّك أكثر من7 آلاف أسرة, حيث المعاناة غالباً ناتجة عن كون عائلي، هذه الأسر موجودون خلف القضبان. مصلحة السجون التابعة لوزارة الداخلية هي الجهة المشرفة على السجون اليمنية, وتتنوّع السجون بدءاً في السجون المركزية وهي الأكبر وتوجد في نطاق عواصمالمحافظات ثم السجون في المديريات والتوقيفات «الاحتياطية» التابعة للمناطق الأمنية وأقسام الشرطة؛ ووفقاً لطابع السجون, فهناك السجون العادية للمحكومين بقضايا جنائية, والسجون ذات الطبيعة المتعلقة بدوافع الحفاظ على الأمن القومي, وبين هذه وتلك هناك السجون غير القانونية المتبوعة لنافذين ومشائخ, وتمارس فيها سلطة الأشخاص بعيداً عن سلطة الدولة والقانون. إشكالات حقوقية تعترف الداخلية بالحالة السيئة للسجون , وقد وردت على لسان الرئيس السابق لمصلحة السجون، اللواء محمد الزلب تصريحات وصف فيها السجون في بلادنا ب «القبور» بسبب افتقارها لأبسط المقومات الإنسانية, مضيفاً أن بيئة السجون ساعدت على انتشار الأمراض المعدية. وقد رصدت هذا العام وقوع حالتي انتحار في سجني إب وذمار المركزيين, بما فسّره المهتمون والحقوقيون ب «حالة اليأس المتسربة للسجناء، الظروف الأسرية الصعبة والضغوط المعيشية والتي أدت إلى حدوث حالات الانتحار داخل السجون».. وتظل الجهود التي تبذلها المصلحة ومنظمات حقوقية ودولية لتحسين بيئة السجون محدودة للغاية؛ ويؤكد المختصون أن السجون فضلاً عن كونها أماكن تعاني انعدام النظافة والازدحام وتفشي الأمراض المعدية الخطيرة, حتى أن 20% من السجناء في البلاد يتعرضون للإصابة بتلك الأمراض بسبب رداءة العناية الصحية. ويشير حقوقيون: «مشاكل السجناء تبدأ بعمليات القبض عليهم والتي تتم بأوامر غير قضائية, كما يمكن اعتبار عدم وجود محامٍ مع السجين أثناء التحقيقات في أقسام الشرطة, وعرضه على النيابة خلال 24 ساعة بأنه يمثّل إهداراً للشريعة والقانون. وعلى أية حال ترصد التقارير جوانب سلبية في التعامل مع السجناء ومدى ملاءمة الأماكن التي يتم زجّهم بها للنواحي الإنسانية المتعارف عليها وبحسب دراسة أجرتها منظمة التعاون اليمنية عن السجون, خلصت إلى القول: «لمسنا أن السجناء يتم احتجازهم وحشرهم بأعداد كبيرة في غرف وأماكن رديئة التهوية وضيقة تصعب بها الحركة والخصوصية». رؤية شرعية و في محاولة لاستشراف إجابات, سألنا الأستاذ الدكتور صالح الضبياني المحاضربعلوم الفقه والشريعة الإسلامية بكلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء؛ عن نظرة الإسلام إلى السجون والسجناء من حيث الحقوق والواجبات فأجاب: «لابد من التأكيد أن السجن ليس مجرد عقوبة وإنما الغاية يراد بها إصلاح السجين وتقويمه ليصبح نافعاً للمجتمع, لذلك لا ينبغي أن تُصادر حقوقه الأخرى, حق الكرامة الإنسانية وحق الحرية الشخصية التي يمارسها في إطار المسموح والمتاح داخل السجن؛ وللسجين حقوق الزيارة والسؤال عنه ومتابعة أحواله والعمل على توعيته وتأهيله وتعليمه, كل الحقوق التي تمكّنه من أن يصبح إنساناً صالحاً في المجتمع؛ وله الحق في تعليمه الدين وتوعيته بالمبادئ والأسس والتعاليم الدينية, أما بالنسبة لما يجب على السجين فهو الالتزام بنظام السجن وتقييد الحرية وفقاً لقوانين السجن وألا يتخذ من السجن وسيلة لإيذاء الآخرين ومصادرة حقوقهم, وعليه أن يعتبر أن وجوده في السجن مرحلة ابتلي بها بحيث يهيئ نفسه ما بعد خروجه من السجن, كما أن عليه العمل على تسليم أي حقوق عليه للآخرين وإيصالها لأصحابها.. والأدلة على حقوق السجين كثيرة, ومعلوم أن الإسلام دين الرحمة والتكافل وقد أمر بالإحسان وفعل الخير ومساعدة السجين, كما أن ممارسة التعذيب وانتزاع الاعترافات من السجين بالقوة وتحت التهديد أمر يرفضه الشرع تماماً. وعن أوضاع السجون والسجناء في بلادنا تحدث الضبياني قائلاً: «لا تزال السجون في اليمن لم تأخذ حقها من الاهتمام و الرعاية, وهي للأسف قد تكون سبباً لزيادة الميل للجريمة, وأقول: إنه لابد وأن يُعاد النظر في السجون سواءً من حيث المظهر أو من حيث الاهتمام بتأهيل وتدريب شريحة السجناء والاهتمام بها بشكل أفضل. مختصون: تأهيل السجناء وتحسين وضع السجون قضية هامة: في هذا السياق يؤكد مسؤولون بمصلحة السجون أن العام 2013م شهد إنشاء مطابخ بكل سجن مركزي وتحسين نوعية الغذاء و بموازنة 30 مليون ريال, كما تم تزويد السجون بأدوية خصص لها 40 مليون ريال, وتم رفع المخصصات المالية السنوية المرصودة للسجون بزيادة 300 %. وفي سياق آخر يقول مدير عام التخطيط بمصلحة السجون، عبدالسلام صالح: إن الوزارة رصدت عشرات الملايين خلال 2013م بهدف تحسين وضعية مباني السجون وترميمها وتحسين خدمات المياه و الصرف الصحي. وفي الشق الآخر من المعادلة, وهو المتعلق بقضايا تأهيل السجناء ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع يقول مسؤولون بمركز التدريب في مصلحة السجون: إن محو الصورة النمطية في الأذهان عن السجون كأماكن للتعذيب والعقاب مازال يحتاج إلى وقت وتضافر جهد لتطوير عملية التأهيل للسجناء, في هذا السياق، يؤكد مدير عام المركز التدريبي بمصلحة السجون الدكتور محمد العاقل أن إدراك العاملين في السجون بأهمية التأهيل في مجال معاملة السجناء يكتسب أهمية لدى المصلحة في ضوء ما تتناقل وسائل الإعلام عن حالات الإخلال في التعامل مع نزلاء السجون, و يضيف «افتتحنا خلال 2013 المركز التدريبي بمصلحة السجون لتجاوز مشكلة ضعف تعامل القائمين على السجون مع السجناء وتم استقدام خبراء ومدربين قاموا بعقد دورات متلاحقة وصل عددها إلى 6 دورات خلال 2013م وذلك في مجالات القانون وحقوق الإنسان وفنون التعامل مع السجناء ومهارات التواصل, وقد استفاد منها قرابة 300 دارس من العاملين في السجون ولدينا خطة لتطوير المفاهيم الحقوقية وفنون التواصل والتعامل مع السجناء بشكل أكبر خلال الفترات القادمة. المختصون في مصلحة السجون يشيرون إلى التزام المصلحة بعملية التأهيل والإصلاح للسجناء, في هذا الصدد يؤكدون أن عملية التأهيل تشمل برامج توعية وتعليم و جوانب مهنية, حيث تم تخريج دفع عديدة من السجناء في مجالات حفظ القرآن الكريم, وإنشاء مكتبات بالسجون والتأهيل على تعلم القراءة, وفي الجانب المهني يتم التأهيل بمهن النجارة والخياطة (للذكور و الإناث) إضافة إلى تفعيل المسابقات الرياضية والثقافية بالسجون. سجون النساء ليست هناك إحصاءات دقيقة حول عدد النساء السجينات في اليمن, لكن العامل الإنساني دفع وسائل إعلام ومنظمات حقوقية لمناقشة مشاكل النساء في السجون التي يتواجدن بها, ووفقاً للتقارير فإن معظم قضايا إيداع النساء السجون تندرج ضمن الناحية الجنائية, وتعاني بيئة سجون النساء في بلادنا من قصور حقيقي في قضايا التأهيل للسجينات, وعدم وجود برامج فاعلة في جوانب الصحة النفسية والسلوكية التي تدعم إعادة إدماج السجينات في المجتمع, فيما تشير تقارير صحفية إلى تواضع حالة سجون النساء من حيث الخدمات ومستوى التأهيل والإدماج المجتمعي, ولهذه الأسباب تحاول جهات خيرية تقديم مساعدات لإصلاحيات النساء وبخاصة في جانب التأهيل الإرشادي والتعليمي والمهني, لكنها لاتصل إلى المستويات المطلوبة.. وفي إصلاحية النساء بأمانة العاصمة تظهر حالات لفتيات ونساء بعضهن دفعتهن الظروف للانغماس في الجريمة, تقول إحداهن وهي في منتصف العقد الثاني من العمر إنها اتهمت بسرقة منزل كانت تعمل فيه بالأجرة, وبحرقة تضيف: «كان لدى الأسرة التي عملت في منزلها سائق, وقد خطط لجريمة السرقة واستدرجني للقيام بها, لكن الأمر انكشف ووجدت نفسي في السجن في حين نجا ذلك السائق بفعلته».. ويعتقد مدير عام الإدارة العامة للمباحث، العميد مطهر علي ناجي, وهو شغل سابقاً مديراً عاماً للسجن المركزي بصنعاء أن هناك مسببات عديدة وراء ارتياد النساء للسجون, وفي حالات يتم استغلالهن واستدراجهن للجرائم كما في ظاهرة هروب الفتيات والتي شهدت عام 2013 حدوث 91 حالة فرار لفتيات في نطاق أمانة العاصمة فقط, وقد تم ضبط 86 حالة, منهن 11 حالة فقط تم إحالتها إلى الجهات القضائية بما يعني إمكانية تحصيلهن أحكاماً بالسجن. ويؤكد ناجي أن تحجيم القضايا المؤدية إلى انزلاق النساء وخاصة الفتيات خلف قضبان السجون يمكن أن يقلل من حالات السجن لهن وأن ذلك يتطلب بداية تماسك الأسرة والمتابعة من أولياء الأمور للفتيات والحذر من تأثير وسائل الاتصال الحديثة، كالجوال والإنترنت والدردشة والفيسبوك على الفتيات، حيث أضحت هذه الوسائل أحد الأسباب الهامة للانحراف والوصول بالفتيات إلى السجون, مضيفاً أن مواجهة هذه الظواهر تعتبر مسؤولية مجتمعية.