صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوارات والمفاوضات السياسية في اليمن 1944 2014م
نشر في الجمهورية يوم 14 - 10 - 2014

لم يشهد قطر عربي في التاريخ المعاصر مثلما شهده اليمن من حوارات ومفاوضات سياسية خاصة طيلة العقود السبعة الماضية... كان آخرها مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي يعد في تقدير الباحث وكاتب هذه الدراسة أطول عملية حوار سياسي في المنطقة العربية إن لم تكن في التاريخ السياسي العالمي المعاصر.
وعندما نتساءل لماذا حرص المجتمع الدولي وألقى بكل ثقله لضرورة نجاح هذه العملية السياسية؟
فإن أول ما يجب أن نعرفه أو نتذكره هو تاريخ الحوارات والمفاوضات السياسية في اليمن، وكيف أن نتائج معظم تلك الحوارات كانت تنتهي بالانقلابات عليها.
ونظراً لأن تلك الحوارات بدأت قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر وانطلقت معظمها بعدهما مباشرة وكانت ذات صلة بهما فقد حرصنا أن تكون هذه المادة التنويرية التوعوية ضمن ملفات صحيفة الجمهورية الخاصة بأعياد الثورتين السبتمبرية والاكتوبرية لهذا العام.
أعدها الباحث والكاتب: منصور السروري
أولاً: الحوارات والمناقشات السياسية من 1944م حتى قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، ونقصد بها تلك الحوارات والمناقشات السياسية المبكرة التي شهدتها مدينة عدن منذ أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي تبلورت مظاهرها في نشوء عدد من الجمعيات والأندية الثقافية والنقابات العمالية والأحزاب السياسية.
وسيجد كل من يعيد قراءة تاريخ اليمن المعاصر خصوصاً منذ منتصف العقد الرابع من القرن المنصرم إلى ما قبل قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر أن خلاصة حوارات اليمنيين بدأت وأخذت تسير وتتطور على النحو التالي:
أ الحوارات والنقاشات المبكرة بين الأحرار اليمنيين
في الأربعينيات وبعد عدد من الحوارات والمناقشات السياسية بين أول الأحرار اليمنيين الفارين من بطش الإمام في الشمال إلى عدن كان على رأسهم شيخ الأحرار عبد الله على الحكيمي، والزعيم الروحي لحركة الأحرار اليمنية أحمد محمد نعمان (الأب)، وأبو الأحرار محمد محمود الزبيري، والأديب الشهيد زيد الموشكي، والشيخ مطيع عبد الله دماج وغيرهم كان من نتائج تلك الحوارات:
((انعقد في نهاية 1944م في عدن مؤتمر للمعارضين اليمنيين أقر فيه تأسيس أول منظمة سياسية الأحرار اليمنيين))1.
وكان جوهر المطالب التي تبلورت من حواراتهم يتلخص في مضامين الرسائل الموجهة للإمام، وهي المطالبة بدولة حقيقية تقوم بواجباتها ووظائفها الأساسية كأية دول أخرى تجاه شعبها غير أن السلطات البريطانية أوقفت نشاطه بطلب من الإمام نفسه.
بعد الحرب العالمية الثانية رفعت بريطانيا الأحكام العرقية في مستعمرة عدن فقام النعمان والزبيري بتأسيس الجمعية اليمانية الكبرى ((وهي حزب معارض للإمام يحيى حميد الدين إمام المملكة المتوكلية اليمنية أنشئ في 1946 كامتداد لحزب الأحرار الذي كانت بريطانيا قد حضرته)).
حصلت الجمعية على امتياز لإصدار صحيفة “صوت اليمن” في يناير 1946م ووضعت برنامجاً لنشر الوعي الثقافي والوطني عن طريق المحاضرات والصحيفة، وكانت مطالب الجمعية التي أفضت إليها حوارات الأحرار تتلخص في ((قيام مجلس نيابي من أبناء الشعب، قيام حكومة مسئولة أمام المجلس النيابي، الفصل بين أعمال السيادة في الأسرة الحاكمة المتمثلة في سيوف الإسلام، وبين السلطة التنفيذية))2 وهي أهداف لا تزال في حقيقة جوهرها قائمة حتى هذا التاريخ مع فارق بسيط هو اختلاف مسميات النظام السياسي من ملكي إلى جمهوري.
وتطورت الجمعية فيما بعد ليصير أسمها (الاتحاد اليمني) حيث صارت مطالبها وأهدافها غير منحصرة على قضايا الشعب اليمني في الشمال فحسب وإنما صارت شاملة لقضاياه في الجنوب والشمال على حد سواء.
لقد كان من أبرز نتائج حوارات تلك النواة المبكرة للأحرار اليمنيين هي في انتقال تأثيرها إلى بقية النخب الجنوبية المتناثرة في عدن فبدأت تتحاور فيما بينها نتج عنها ظهور عدد من الجمعيات والأندية والأحزاب حد تأكيد الشهيد محمد أحمد (النعمان الابن) (( وطبيعي هنا أن إعلان مولد حزب الأحرار اليمني هو مبدأ التفكير السياسي في اليمن، ولكني أحدد ذلك بأنه أول تجمع شعبي منظم، وكان له الفضل في إثارة التفكير السياسي عند المستنيرين والعامة من صغار التجار والعمال والفلاحين حول أوضاعهم التي يحيونها، ومهما يقل القائلون إن حركة حزب الأحرار اليمني كانت منحصرة في معالجة الأوضاع في شمال قطرنا إلا أنه من غير الممكن إنكار أثر هذه الحركة في تحريك الوعي السياسي عند مفكرينا في جنوب اليمن، وحملهم على مقاومة أوضاعهم السياسية بما يشكوه أحرار الشمال، ومن جهة أخرى فقد كان الإجماع منعقداً عند كل المستنيرين يومها بأن خلاص الشمال من محنته هو سبيل خلاص الجنوب، ويستوي في هذا تفكير أبناء مدينة عدن كآل لقمان وخليفة أو أبناء الإمارات إمارات جنوب اليمن كالسيد محمد علي الجفري، والسيد سالم الصافي، والسيد شيخان الحبشي حيث كان كل هؤلاء يساندون حركة حزب الأحرار اليمنيين ويشتركون مع القادة الشماليين في شن الحملات على الأوضاع في الشمال ولهم جهود كبيرة يشكرون عليها ولا يصح إغفالها أو غمطها مهما طرأ على المواقف من تبدلات مؤسفة))3.
إن القصد من الفقرة الأخيرة” مهما طرأ على المواقف من تبدلات مؤسفة” هو توجه نخبة من أبناء الجنوب بقيادة الجفري وآخرين معه إلى حوارات نتج عنها تأسيس أُطر سياسية جنوبية بتبنيها لدعوات ضيقة سنأتي عليها لاحقاً.
ب الحوارات والمفاوضات بين النخب الجنوبية
تؤكد معطيات الوقائع التاريخية أنه في حين أخذت حوارات الشماليين تتطور سواء من حيث البنية التنظيمية والفكرية كانت الحوارات والمناقشات السياسية بين النخب الجنوبية تتجه إلى دعوات تباينت بين التصريح والتبطين لفصل قضايا الجنوب عن قضايا الشمال.
في حين تأسست “الجمعية الإسلامية الكبرى” عام 1949م وكان أحد أهدافها: توحيد جميع مسلمي جنوب الجزيرة العربية عبر دعوات متطرفة لتيارات جنوبية كرد فعل للجمعية بإعلانها فصل مدينة عدن عن اليمن جنوباً وشمالاً كالجمعية العدنية التي رفعت شعار” عدن للعدنيين”.
وبسبب أهداف هذه الجمعية وشعارها الضيق كان من الطبيعي أن تمنى بالفشل الذي على إثره جرت حوارات عديدة بين ((الشبان المثقفين من خريجي جامعات ومدارس البلدان العربية، وكذلك مدارس عدن والمحميات الذين كانوا أساساً من أبناء العائلات البرجوازية والإقطاعية اليمنية الجنوبية في عدن ولحج، وحضرموت والعوالق والفضلي))4.
أفضت تلك الحوارات عام 1951م إلى تأسيس حزب (رابطة أبناء الجنوب العربي) الذي أتت أهدافه أكثر من مثالية حيث أعلنت الرابطة أن هدفها الرئيس هو ((إنشاء دولة موحدة ذات سيادة في كل جنوب الجزيرة العربية بما فيه مسقط وعمان، وأعلنت رفضها القاطع للانقسام والانفصالية والقبلية والعائلية والطائفية والمذهبية))5
غير أن انتشار الرابطة الذي تجاوز صداه اليمن إلى خارجها سرعان ما تراجع بسبب الصراعات بين أقطابها ومكوناتها حول بعض المواقف التي أفصحت حقيقة عن ((أن تبني قادة الرابطة لفكرة الوحدة العربية لم يكن سوى نوع من الديماغوجية التي تخفي وراءها نزعة انفصالية تسعى لقيام دولة يمنية جنوبية مستقلة تحت قيادة الرابطة من ناحية، ومن ناحية أخرى تخشى الوحدة بحكم الطبيعة الطائفية الزيدية للسلطة في اليمن الشمالي))6.
والغريب أن هذا الاستنتاج على الرغم من أنه استنتاج صحيح لحقيقة نوايا وأبعاد مشروع الرابطة في قيام دولة جنوبية مستقلة عن اليمن غير أن المعطيات اليوم على أرض الواقع بشأن مستقبل الوحدة اليمنية، يكاد يتجه ناحية المضامين التي طرحتها الرابطة منذ أكثر من نصف قرن بل لا يستبعد الباحث هنا من أن يكون ذلك الطرح القديم هو الخيار الذي لا مناص منه لتقرير مصير الوحدة اليمنية خصوصاً بعد أن صارت الرؤى والتوصيفات التي كانت الرابطة تطرحها ثقافة في الوعي الجمعي الجنوبي.
ولا أدل على ذلك من إعلان شيخان الحبشي الأمين العام للرابطة قبل نصف قرن:
“إن الرابطة تؤيد فكرة توحيد القطرين الجنوب العربي، واليمن، لا على أساس أن الجنوب تابع وخاضع لليمن، أو بعضاً منه، أو أن عرب الجنوب ينتسبون إلى العرق اليمني، بل على أساس قطرين عربيين متجاورين، بل لا تقر الرابطة نظرياً المبدأ القائل بأنه يجب على الجنوب أن يتوحد مع اليمن أولاً وقبل كل شيء مهما كان النظام القائم في اليمن”7.
واليوم صار المزاج الشعبي العام الغالب في أكثر المحافظات الجنوبية لا يرى في وعيه الثقافي الجنوب جزءاً من اليمن، لأن في وعيه الشمال هو وحده كل اليمن، أما الجنوب فهو جنوب للعرب، وعلى هذا الأساس تتسع باضطراد حركته الشعبية مطالبة بفك الارتباط عن الشمال واستعادة دولة الجنوب.
وفي ضوء هذا الوعي والحراك المتسعين للشارع الجنوبي، واستناداً للطرح القديم للرابطة في تأييد فكرة التوحيد على أساس وحدة قطرين يرى الباحث أن مستقبل الوحدة اليمنية هو رهنٌ لهذه المعطيات.
وصحيح أن الرابطة انفرط كيانها كما أشرنا لذلك سابقاً بيد أن العناصر التي كانت تنضوي فيها ما لبثت أن خاضت حوارات مختلفة وعديدة كان من نتائجها تلك الحوارات التي أدت إلى تأسيس النقابات العمالية في عدن التي تكون منها حزب “ الجبهة الوطنية المتحدة” وتأسيس أولى الخلايا السرية اليسارية، مروراً بتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب، وحزب الشعب الديمقراطي.
واتسمت الحوارات التي تأسست من خلالها تلك التيارات السياسية والنقابية على رغم تنوعاتها الأيديولوجية بتغليب ثقافة الوحدة اليمنية في الوجدان الشعبي بكافة أطيافه وساعد على تعميقها أكثر سيادة شعارات الوحدة العربية والحرية والانعتاق العربي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ناهيك عن تأسيس فروع سرية لتلك الأحزاب والنقابات في شمال الوطن.
وكان من أبرز ِآثار حوارات حركة الأحرار في الشمال، والتيارات السياسية في الجنوب الوصول إلى داخل جيش النظام الملكي في الشمال والاتحادي في الجنوب فتأسس تنظيم سري هو “ تنظيم الضباط الأحرار” الذي قاد ثورة 26 سبتمبر، والتحقت معظم التيارات السياسية في عدن وكثير من الضباط السريين في جيش الاتحاد بركب الثورة السبتمبرية كان لهم الأثر الكبير في حمايتها من السقوط بيد الملكيين.
كما هيأ الواقع الجديد لثورة سبتمبر ظروفا مناسبة لحوارات بين مختلف الفصائل الجنوبية كان من نتائجها اصطفاف أكثر من عشر أحزاب وتنظيمات وتشكيلات جنوبية نضالية في إطار “الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل” التي فجرت بدورها ثورة أكتوبر عام 1963م.
لتبدأ جولات جديدة من الحوارات في اليمن مختلفة كثيراُ من حيث أنها لم تعد تتم بين تيارات سياسية أو جمعيات ونقابات فحسب وإنما إلى جانب ذلك حوارات بين (جمهوري، ملكي) في الشمال، وشمالي جنوبي.
ثانياً: الحوارات السياسية والمفاوضات بين اليمنيين من 1962 1990
سيلاحظ كل قارئ لتاريخ اليمن المعاصر أن مظاهر ومضامين الحوارات والمفاوضات السياسية التي تلت قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر تختلف كثيراً عن تلك التي سبقتهما، سواء من حيث اختلاف وتصادم مصالح الأطراف المتحاورة، ومن حيث الأسباب الحقيقة التي وقفت خلف فشل الأطراف المتحاورة في كل من الشمال والجنوب في معظم الحوارات المختلفة التي تمت بعد الثورتين.
بيد أن أخطر تلك الأسباب هي (الأسباب الخارجية) وأقصد بها الحرب الباردة بين محوري اليسار واليمين حيث أدى تنافسهما على استقطاب الأنظمة الحاكمة وحركاتها الثورية والثورية المضادة إلى صراعات عربية عربية كالخلافات السياسية داخل الأيديولوجية القومية نحو (خلافات الناصريين القوميين مع بعثيي سوريا والعراق والعكس) من جهة أولى، و (خلافات هؤلاء مع الإسلاميين ، والاشتراكيين والعكس) من جهة ثانية، وصولاً إلى خلافات سياسية بين الأيديولوجيات القومية العربية (أنظمة الحكم الجمهورية العربية الجديدة) مع الأنظمة الملكية، وهكذا دواليك دواليك.
وتلك الأسباب الخارجية ما كان لها أن تؤثر تأثيراُ سلبياً على الذين تولوا زمام إدارة المشروعين الجديد للدولة في حال كان (الجمهوريون الذين تسلموا نظام الحكم) على قدر كاف من الوعي والتجربة السياسيين إذ نسوا ما ينبغي عليهم أن يقوموا به من أجل ثورة التغيير، وغلب عليهم منطق المصلحة الذاتية على المصلحة الوطنية التي تقتضي نقل أهداف الثورة من إطارها الفكري أو النظري إلى مشاريع عملية حقيقة.
نسوا تلك الأهداف وشروط تطبيقها فانصرفوا فرادى وجماعات وأحزاب يتلقون الخطط والتعليمات والتوجيهات من القاهرة، ودمشق أو بغداد، والرياض، وبيروت، أو موسكو وواشنطن بما يجب عليهم تنفيذه حرفياً ليمكنوا من إدارة المشروع الجمهوري؟!
ووفقاً لهذه المراكز سيجد أي باحث في مدونة التاريخ المعاصر أن أغلب أهم الحوارات التي تمت في اليمن بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر حتى عام 1990م تمظهرت على نحو علني كالتالي:
أ حوارات القوى الثورية الجديدة
على إثر قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 وخوفاً من سقوط الثورة هبت عناصر قيادية من (حركة القوميين العرب) تخوض حوارات مع مجموعة الشباب والطلاب والعمال والقوى الثورية الجديدة في مدينة تعز بعد شهر من قيام الثورة نتج عن تلك الحوارات تأسيس أول حزب سياسي يمني بعد ثورة سبتمبر أطلق عليه المؤتمر الشعبي العام للقوى الوطنية هدفه حشد القوى الوطنية والشرائح الاجتماعية المختلفة من أجل حراسة وحماية الثورة والجمهورية غير أنه صُودر قبل إكمال سنته الأولى وكان السبب أنه وجد ((تأييداً كبيراً من أبناء الشعب وحصل على إمكانات من التجار الوطنيين))8 هذا أولاً والسبب الآخر ((الخلاف العدائي الذي كان محتداً بين حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب، السائد في ظل الصراع السياسي بين الزعيم جمال عبد الناصر وحزب البعث))9 حيث أقدم الأخير بالإيعاز لرئيس للجمهورية “السلال” أن الحزب يمارس أعمالاً تغذي الطائفية بين الناس ما حدا به إلى إغلاقه.
وحسناً أن هذا الدليل المادي كافياً لتأكيد ما أشرت إليه سلفاً من أن أسباب فشل كل الحوارات أو عدم العمل بمخرجات أية حوارات هو تأثر الداخل بصرعات الخارج حيث انتقل الصراع بين نظامي عبد الناصر والبعث إلى داخل دولة ولدت تواً ولم تمتلك بعد مقوماتها الأساسية لا كدولة ولا كشعب.
ب حوارات الجمهوريين المنشقين/ القوى التقليدية (10) فيما بينها (مؤتمر عمران)
قد يطول المقال إذا ما خضت في تفاصيل مضامين وأبعاد ووقائع حوارات الجمهوريين المنشقين/ القوى التقليدية فيما بينها لهذا سأركز فقط على ما يتصل بموضوع هذا الفصل.
إن الفارق في حوارات القوى الثورية الجديدة والقوى التقليدية هو أن الأولى بدأت حواراتها بين عناصر قيادية تنتمي لقوى سياسية جديدة كحركة القوميين العرب، والتيار الناصري الذي لم يكن قد صار حزباً، وعدد من الشرائح العمالية نتجت حواراتهم البسيطة عن تأسيس أول حزب بعد الثورة هو (المؤتمر الشعبي العام للقوى الوطنية) في تعز تم حظره ومصادرته كما أشرت سلفاً.
أما الثانية القوى التقليدية: فقد جاءت حواراتها كأول حوارات أعقبت الثورة أعلنت انشقاقها عن السلطة الواقعة تحت سيطرة القيادة المصرية ودعاها (الزبيري) إلى مؤتمر (عمران) في 2 سبتمبر 1963للوقوف ضدها.
فقد صار هنالك طرفان ((طرف مؤيد لتصرفات المسئولين المصريين ونفوذهم السياسي في اليمن، وطرف يدعو إلى ضرورة التنسيق مع القيادة المصرية في الجانب العسكري، والتشاور في الجوانب السياسية مع الحفاظ على استقلال القرار اليمني خاصة أن القيادة المصرية كانت تجمد أي قرارات سياسية لا ترضى عنها، وتكرر هذا كثيراً، وكان ذلك من الأسباب الداعية إلى انعقاد مؤتمر عمران الذي دعا إليه الطرف المتضرر من تدخل القيادة المصرية في الشئون الداخلية))11.
ويقصد بالطرف المتضرر من تدخل القيادة المصرية، وعند انعقاد المؤتمر الذي استمر يومين وغلب فيه (التشدد على النقاشات والحوارات) بحسب شهادة الشيخ سنان خرج مؤتمر عمران بعدد من القرارات رحبت بها السلطة الطرف المؤيد لتصرفات قيادة الوجود المصري في اليمن غير أنها لم تنفذها البتة.
وكان من نتائج حوارات المؤتمر ظهور حزب الله الذي قاد معارضة ضد الرئيس السلال تجلى هدفه الظاهر ب((إحلال السلام بإيقاف الحرب الطاحنة وتحقيق المصالحة الوطنية بين أبناء اليمن، أما الهدف الخفي فهو الدعوة إلى قيام دولة اليمن الإسلامية، وتطبيق الشريعة تطبيقاً علمياً))12.
ثمة حوارات أخرى تمت بين القوى التقليدية سنأتي عليها في سياق حوارات الجمهورين مع الملكيين.
ج حوارات ومفاوضات الجمهوريين مع الملكيين
بدأت فكرة حوارات الجمهوريين سواء المنشقين (أي القوى التقليدية) أو الجمهوريين مع الملكيين تأخذ مسارات عملية نتيجة عوامل منها: تأخر حسم حروب الثورة مع الملكيين لصالح الجمهورية، اضطر إزاءها تمديد فترة بقاء الجيش المصري في اليمن نجم عنه استمرار تدخل القيادة المصرية في شئون الدولة.
وبسبب هذه العوامل أخذت القوى التقليدية المعارضة للسلال تارة تتحاور فيما بينها وتارة أخرى تدعو القبائل إلى عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية خصوصاً بعد استشهاد أبو الأحرار الشاعر الشهيد محمد محمود الزبيري يوم 1أبريل/ نيسان 1965م في منطقة برط، والذي كان قد اتخذ موقفاً مزدوجاً يقوم على حث القبائل على رفض تدخل القيادة المصرية في شئون اليمن ، ورفض تدخل السعودية في دعم البدر وبدأ يسعى إلى دعوة كل اليمنيين لعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية وقد نتج عن اغتياله اتساع جبهة اصطفاف (الجمهوريين المنشقين) أو القوى التقليدية ضد الرئيس السلال، وقامت هذه القوى بحوارات متوالية فيما بينها تارة ومع الملكيين تارة أخرى تمحورت في المؤتمرات التالية:
1 مفاوضات مؤتمر أركويت السرية
هو أول مؤتمر سري ينعقد بين الجمهوريين والملكيين انعقد في مدينة (أركويت بالسودان13) في 2 نوفمبر 1964م أعلن فيه المتحاورين ((وقفاً لإطلاق النار يسري مفعوله الساعة الواحدة من ظهر يوم الاثنين 8 نوفمبر، وفي 2 و3 نوفمبر، تناقش 9 مندوبين من الطرفين ومعهم ملاحظين مصري وسعودي حول شروط الاتفاق. وتم الاتفاق على عقد مؤتمر موسع يحضره شيوخ القبائل في 23 نوفمبر، وكان المؤتمر بالنسبة للملكيين نواة مجلس نواب سيقوم بتعيين لجنة تنفيذية مؤقتة تتكون من اثنين من كل طرف، بالإضافة إلى شخص محايد، لحكم البلاد مؤقتاً تمهيداً لأجراء استفتاء عام لتحديد طبيعة نظام الحكم ملكي أم جمهوري. وتقرر تنحية السلال والبدر من أي مناصب رسمية))14
غير أن المواجهات بين القوات الملكية والجمهورية اندلعت ثانية في اليمن فقامت القوات المصرية أثناء الحوار القائم في أركويت بالقصف على بعض المواقع الملكية يوم 4 نوفمبر، ما أدى إلى تأجيل المؤتمر الموسع إلى يوم 30 نوفمبر ومن ثم إلى أجل غير مسمى. وظل الجانبان الجمهوري والملكي يتبادلان الاتهامات لعدم الحضور))15.
2 حوارات مؤتمر السلام بخمر
هو أول مؤتمر موسع وعلني يتحاور فيه الجمهوريون مع الملكييون انعقد من (2 5مايو 1965).
فقد دعا الأستاذ النعمان رئيس الحكومة حينها عبر إذاعة صنعاء ((القبائل من جميع الفصائل إلى المصالحة الوطنية))16 وجاء في دعوته ((أنه سيقابلهم في خمر... شمال صنعاء لتحقيق “السلام من أجل شعب اليمن” وقال إنه سيرأس وفد الجمهوريين في المؤتمر وأن السلال سيبقى في صنعاء كيما يقتنع البدر بحضور المؤتمر))17
غير أن البدر لم يحضر أو من قادته الكبار، ولم يحضر سوى مشايخ القبائل الكبار المؤيدين للملكيين.
وتمخضت الحوارات التي استمرت أربعة أيام بالقرارات التالية:
((أولاً: تشكيل هيئة دائمة للسلام الوطني وتتولى الاتصال بشتى الطرق والوسائل ببقية القبائل المغرر بها سواء بالاتصال المباشر أو المراسل، للتوصل معهم إلى التفاهم الأخوي التام الذي يؤدي إلى إقرار السلام والوئام ووحدة الكلمة كما تتولى تقديم الاقتراحات اللازمة لتساعدهم على نجاح مهمتهم.
وتتألف الهيئة من تسعة أعضاء خمسة من المشاريع وأربعة من العلماء.
ثانياً: يمنح مؤتمر السلام الثقة للوزارة القائمة
ثالثاً: يؤكد المؤتمر على رئيس الوزراء الالتزام بالبرنامج الذي أعلنه رئيس الوزراء مع الاهتمام بما يلي:
أ العمل بمختلف السبل والوسائل لإنهاء حالة الحرب وإقرار السلام.
ب- تنظيم يحدد العلاقات مع الشقيقة الكبرى الجمهورية العربية المتحدة على هدى قرارات المؤتمر وروحه.
ج- السعي لإيقاف حالة التوتر في العلاقة مع الجيران.
د-إنشاء الجيش الوطني ودعم قوى الأمن.
ه- تنمية ودعم الاقتصاد الوطني.
و- العمل على تصحيح الأوضاع في جميع الأجهزة والدوائر الحكومية باختيار الأكفاء المخلصين ذوي النزاهة والاستقامة
رابعاً: يؤكد المؤتمر ضرورة المبادرة بإرسال وفود إلى الدول العربية جميعا من أجل التعاون على إنهاء حالة الحرب وإقرار السلام.
خامساً : قرر المؤتمر تنفيذ المطالب الأساسية التي وضعها شهيدنا العظيم أبو الأحرار الأستاذ محمد محمود الزبيري ورفاقه المستقيلون في 2 ديسمبر 1964 وهذه هي المطالب الأساسية التي يجب أن تقوم الدولة على أساسها وهي (تعديل الدستور، إقامة مجلس جمهوري، تأليف مجلس الشورى، إعلان قيام تنظيم شعبي شامل، تكوين جيش وطني قومي، تأليف مجلس دفاع وطني، تشكيل محكمة شرعية تتولى محاكمة العابثين بأموال الدولة ومقدرات الشعب).
سادساً : تكوين لجنة متابعة تنفيذ قرارات المؤتمر تتولى المهام الآتية ( مراقبة الحكومة والتعامل معها لتنفيذ قرارات المؤتمر العمل على اتخاذ خطوات كفيلة بانتخاب مجلس الشورى في أسرع وقت ممكن لا يتعدى ثلاثة أشهر مزاولة اختصاصات مجلس الشورى المنصوص عليها في الدستور المعدل).
سابعاً: يحي المؤتمر نضال الجنوب اليمني في سبيل الحرية والخلاص من أغلال الاستعمار ويهيب بالمنظمات الشعبية والقوى الوطنية لتوحيد كلمتها وضم صفوفها.
ثامناً: يشكر المؤتمرون باسم الشعب اليمني الجمهورية العربية المتحدة على ما قدمته من عون للثورة اليمنية ولشعب الجمهورية العربية اليمنية. ويقدسون الدماء الزكية وأرواح الشهداء الطاهرة التي حققت المعاني السامية للأخوة العربية.
تاسعاً: يرحب المؤتمر في تقدير وامتنان بالقرار الأخوي الذي أصدره المؤتمر الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة، وذلك بالسعي لإقرار السلام في اليمن)).
وبارك عبد الناصر هذا المؤتمر الذي وعد فيه نعمان الملكيين بانسحاب القوات المصرية فقالت إذاعة القاهرة أن المؤتمر هو “فجر عهد جديد”، وقال السلال أن المحادثات كانت “ناجحة”، ومن جانب الملكيين قال البدر “أنه من الضروري إنهاء الحرب التي دمرت وطننا الحبيب بالمفاوضات السلمية بين اليمنيين”.
وبعد أن شرع السلال والحكومة في تنفيذ بعض بنود تلك القرارات كانت الأمور تسير باتجاهات متناقضة ففي أوائل يونيو أعلن النعمان ((أن القوات المصرية ستغادر اليمن وسيحل محلها قوات جمهورية ملكية مشتركة. عارض الناصريون الاتفاق. وبعد أن سافر نعمان للقاهرة للاحتجاج لدى عبد الناصر، قام السلال بسجن سبعة وزراء مدنيين في إدارة نعمان فاستقال نعمان وكان تعليقه على الأمر “من الواضح أن السلال ورفاقه يريدون الحرب لا السلام”. وعين السلال حكومة جديدة من 13 عسكريا ومدنيين)).
وفي غمار هذه التناقضات صارت العلاقة بين القوى التقليدية والسلال تتأزم أكثر فأكثر وتتجه ناحية الانسداد التام خصوصاً بعد أن عقدت تلك القوى مؤتمراً خاصاً بها بعد مؤتمر السلام في خمر هو مؤتمر (المشايخ في الحدا) يوم 8 يوليو 1967م والذي حث فيه الشيخ الأحمر المشايخ الاتجاه إلى السعودية حسب ما جاء في مذكرات الشيخ سنان أبو لحوم.
3 حوارات مؤتمر الطائف
توالت الحوارات بين القوى التقليدية التي لجأت إلى السعودية مع الملكيين إلى التحاور أشهرها حوار القوى التقليدية مع الملكيين و(( حضره أكثر من مائتي شخصية يمنية مثلت كبار المشايخ الإقطاعيين والسياسيين المحترفين والذي انشقوا من الصف الجمهوري وأيدوا قيام الدولة الإسلامية لتكون بديلاً عن النظام الجمهوري)) انبثق عنها ما يعرف بوثيقة الطائف المعلنة في 12 أغسطس/أب 1965م التي ((أكدت أنه لا مخرج من مأساة اليمن إلا بالمرور بفترة انتقالية تبنى على الأسس التالية:
1 إقامة دولة اليمن تحت اسم (الدولة اليمنية الإسلامية)، وتقوم على أحكام الشريعة الإسلامية الغراء وتسير أعمال هذه الدولة بصورة مؤقتة.
أ مجلس دولة يقوم باختصاصات رئيس الدولة، ويتألف من سبعة إلى ثمانية أعضاء تمثل فيه جميع الفئات اليمنية.
ب مجلس وزاري يقوم باختصاصات السلطة التنفيذية يتألف من 18 24 تمثل العناصر الواعية من مختلف الفئات اليمنية.
ج مجلس شورى يشرف على أعمال مجلس الوزراء ويتألف من ثمانين عضواً تمثل فيه جميع الفئات اليمنية.
2 مهمة هذه الأجهزة المؤقتة هي:
أ توطيد الأمن الداخلي والإشراف على سحب القوات المسلحة للجمهورية العربية المتحدة.
ب التهيئة لإجراء استفتاء عام في اليمن ينبثق عنه تقرير النظام الأساسي للحكم)).
حيث قدرت السلطات السعودية حينذاك في ضوء الطروحات التي لمستها من القوى التقليدية خلال حواراتها مع الملكيين أن مسالة عودة بيت حميد الدين لحكم اليمن لم تعد ممكنة وإنما باتت فوق المستحيلة ، ووجدت في القوى التقليدية البديل الأفضل عن الملكيين لها لمنع أية تطورات من شأنها أن تؤثر على مستقبلها السياسي في الحكم، واستنتاج كهذا جاء مما ورد في شهادة الشيخ سنان أبو لحوم ((أن الملك فيصل قال للملكيين” استبعدوا بيت حميد الدين وعودتهم إلى اليمن غير واردة)).
وعلى إثر لقاء جده عاد المشايخ إلى اليمن غير أنهم ما لبثوا أن عقدوا مؤتمراً بينهم اتفقوا فيه على أن يبقى موقفهم معارضاً وأن يكون موقفهم مع الجانب الملكي لترجيح كفة الجمهوريين عند انعقاد مؤتمر حرض حد شهادة الشيخ سنان أبو لحوم.
وفي ((13سبتمبر 1965 اجتمع المشايخ والسياسيين/ أو القوى التقليدية الجمهوريين المنشقين في (ضبر خيره سنحان) وأسفر حوارهم عن استمرار المعارضة ضد السلال، واتفقوا على أن يكون الذين حضروا مؤتمر الطائف مع الجانب الملكي... لترجيح كفة الجمهوريين عند انعقاد مؤتمر حرض)) بحسب شهادة الشيخ سنان.
وانعقد مؤتمر الجند يوم 21 أكتوبر 1965 بحضور الطرفين (الجمهوريين الأصليين والتقليديين ) ورغم رفض الطرف الثاني حضور الرئيس السلال غير أنه أصر على الحضور ولما وجد صوتها هو الغالب انسحب من المؤتمر التحاوري المنعقد لانتخاب ممثلين للوفد الجمهوري الذي سيمثل الجمهوريين في مؤتمر حرض.
حوارات مؤتمر حرض
دشن الجمهوريون والملكيون أكبر حوار بينهما يوم 23 نوفمبر 1965 بمنطقة حرض برعاية مصر والسعودية واستمر الحوار بين الجانبين لمدة شهر كامل دونما أن يصلوا إلى نتيجة بسبب تصلب موقف الملكيين بعدم الاعتراف بشرعية الثورة والجمهورية.
كانت أول نقطة وضعت للحوار والنقاش هي اسم الدولة المؤقتة التي من المفروض أن تقوم حتى موعد الاستفتاء العام، وأراد كل جانب فرض الدولة التي يريدها، ونظراً لدخول شهر رمضان حينذاك تم تأجيل المؤتمر إلى ما بعد رمضان.
كان الهدف من مؤتمر الحوار بحرض هو تجميع الأطراف المعنية المتقاتلة باليمن كوسيلة لحل مشاكلها عن طريق وضع اليمن على عتبة مرحلة انتقالية تستمر فترة زمنية لا تقل عن ستة شهور ولا تزيد عن سنة تتم بعدها انتخابات حرة واستفتاء شعبي يتحدد بموجبه طبيعة نظام الحكم الذي يرتضيه الشعب اليمني لنفسه دون تدخل أجنبي.
غير أن إصرار الجانب الملكي على تأسيس دولة إسلامية، وتمسك الجمهوريون بالنظام الجمهوري الجديد واستعدادهم للقبول بأية صيغة أخرى بشرط أن تكون في نطاق النظام الجمهوري واستبعاد أسرة حميد الدين أدى إلى فشل مؤتمر الحوار بين الطرفين.
مؤتمر خدار
لم تتوقف القوى التقليدية بعد فشل مؤتمر حرض وأخذت تتحرك وتتواصل فيما بينها وحددت يوم 15 أغسطس 1966م موعداً لانعقاد مؤتمر خدار الذي حضره بحد سنان أبو لحوم جميع المشايخ وبعض المسئولين والضباط خرج تحاورهم بعدد (( من القرارات منها نقل الحكومة وكثير من الهيئات إلى تعز ، ويترك للسلال والمصريين تحمل المسئولية في مواجهة المعارك في المناطق الشمالية لأن بقاء الجميع في صنعاء في ظل توجهات السلال والمصريين سيفتح معركة في صنعاء بين الجمهوريين أي بين الجمهورين الثوريين ويمثلهم السلال والواقفين معه والجمهوريين المنشقين ويمثلهم القوى التقليدية المكونة من المشايخ وبعض الضباط والبعثيين ومعنى ذلك التسليم للملكيين....... والجدير بالذكر أن المشايخ الجمهوريين انقسموا إلى فريقين منهم المعارضين للتدخل الخارجي من أي نوع، ولحكم السلال وعودة بيت حميد الدين، والفريق الثاني مؤيد للوجود المصري وحكم السلال)).
كانت الأوضاع بعد انتهاء مؤتمر حرض بالفشل تزداد سوءاً وتأزماً على نحو خاص باليمن وبصفة عامة في المنطقة العربية. هزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل في يونيو 1966 دفع بمصر إلى سحب قواتها من اليمن، وتمكن الجمهوريون المنشقين من الإطاحة بالسلال في 5 نوفمبر من نفس العام.
إزاء هذا الضعف الذي باته موقف الجمهوريين (( اتخذ الملكيون قراراً يقضي برفض الحوار مع الجمهوريين واستعادة سلطة الإمام بالطريقة المسلحة)) فانتهزوا فرصة الضعف حيث (( قامت قوات الملكيين البالغ عددها (50,000) مقاتل من رجال القبائل، 8,000 جندي مدرب إلى جانب مئات المرتزقة الأجانب بإطباق حصار حول العاصمة صنعاء في 28 نوفمبر 1967 استمر إلى 7 فبراير 1968ولم يبق من جانب جيش الجمهورية سوى4000 فرد وقف إلى جانبهم كل الشرفاء اليمنيين الذين أعلنوا عن تأسيس حركة المقاومة الشعبية من الطلاب والعمال والقوى الثورية السبتمبرية والاكتوبرية، والتجار والمشايخ الجمهوريين وحتى النساء شاركن بدور فاعل نحو العاملات في مصنع الغزل والنسيج وخلف الجميع وقفت مصر والصين واليمن الجنوبي المستقلة مواقفاً دعماً قوياً ، لتنتصر إرادة الجمهوريين في معركة السبعين على إرادة الملكيين انتصاراً ترتب عليه اعتراف بقية بلدان العالم بالنظام الجمهوري)). .
المصالحة بين الجمهوريين والملكيين
لم تأخذ المصالحة بين الجمهوريين والملكيين شكل الحوارات السياسية التي اتسمت بها حوارات ما قبل حصار صنعاء، وإنما اتسمت بطابع المفاوضات السياسية غير المباشرة.
ونقصد بالمفاوضات غير المباشرة أن معظمها كانت تتم بين (أطراف من القوى التقليدية) مع السلطات السعودية.
ويعزى السبب في ذلك إلى المتغيرات التي تلت حصار السبعين يوماً على صنعاء خلقت واقعاً أكثر فوضوية وتيهاناً، وصراعاً جديداً.
فبعد انتصار الجمهوريين الوطنيين على الملكيين في ملحمة السبعين يوماً أصبح موقف المنتصرين مع الملكيين هو الرافض الكامل لأي حوار سيفضي معهم المصالحة.
بيد أن القوى التقليدية التي وجدت أن المنتصرين (الضباط الصغار والمكونات المختلفة للمقاومة الشعبية) يمثلون خطراً على نفوذها دفع بها إلى إشعال فتيل الطائفية والمناطقية لدى الطرف القريب منها وعلى رأسه (الفريق العمري، وكبار الضباط المنحدرين من قبائلها)، وليست أحداث 12 مارس 1968 في ميناء الحديدة بين القائد الأعلى للقوات المسلحة (العمري) ورئيس هيئة الأركان (عبد الرقيب عبدالوهاب) إلا انموذجاً للاصطفاف التحالفي الذي نشأ بين (العمري والقوى التقليدية).
ولذلك لم تجر وفق منطق الانتصار الأمور على النحو الذي تتعزز فيه مواقع القوى المنتصرة (الضباط الصغار والمكونات المختلفة للمقاومة الشعبية)، وإنما جرت الأمور على نحو مضاد حيث تعززت مواقع قوى (الجمهوريين المحافظين) الذين آلت إليهم الأمور بفعل ما تمتلكه من إمكانيات مالية كبيرة ، وبفعل الدعاية التي مورست ضد المنتصرين من أنهم يستهدفون محاربة الدين والعادات والأخلاق والقيم ........ الخ، وساعد عليها الجهل والتخلف الاجتماعيين السائدين كما أشارت إلى ذلك الكثير من الأدبيات التاريخية.
وكان من نتائج ذلك الواقع:
اندلاع مواجهات عنيفة عُرفت بأحداث (أغسطس 1968) الدامية في العاصمة صنعاء ترتب عليها استئثار الجمهوريين المحافظين بالسلطات وإقصاء(المنتصرين) من السلطة بطرق مختلفة ك (النفي، والاعتقالات، والقتل، والمطاردات، وإيداعهم السجون، وفصلهم من وظائفهم).
الذهاب إلى التحاور والمصالحة مع الملكيين ابتداءً من ((23 مارس 1970 حيث انعقد مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في السعودية وحضره لأول مرة وفد من حكومة الجمهورية العربية اليمنية كان على رأسه رئيس الوزراء (محسن العيني) الذي قاد عددا من المفاوضات مع السلطات الملكيين توصلت في 23 مايو أيار عام 1970 إلى اعتراف الملكيين بالنظام الجمهوري كحقيقة لا جدال حولها، وفي يوليو من نفس العام إلى تطبيع العلاقات مع السعودية التي أعلنت اعترافها رسمياً بالجمهورية العربية اليمنية)).
وبهذا نكون هنا قد استعرضنا الواقع السياسي الذي عاشته البلاد وطبيعة الحوارات والمفاوضات السياسية التي شهدتها اليمن منذ قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر حتى عام منتصف عام 1970.
د مفاوضات وحوارات توحيد فصائل الحركات الوطنية السياسية
من أبرز مظاهر الحوارات التي شهدتها اليمن تلك الحوارات السرية والعلنية لمختلف الفصائل والتيارات الوطنية بعد قيامي ثورة سبتمبر وأكتوبر هي تلك الحوارات التي أفضت إلى تأسيس ثلاثة تيارات سياسية هي التي أدارت نظام الحكم في شطري اليمن اثنتان في شطره الجنوبي، والتيار الثالث في شطره الشمالي مع فارق كبير هو أن التيارات التي كانت في الشطر الجنوبي هي من قاد الثورة الاكتوبرية، وأسس الدولة وسلطاتها على عكس التيار في الشمال فإن السلطة هي من أسسته، وسأكتفي لمزيد من التوضيح في هذا الجانب بنموذجين فقط باعتبارهما النموذجين اللذين كانا معلنين فقط قبل قيام دولة الوحدة من ناحية أولى، ومن ناحية ثانية انزوت داخليهما كافة القوى السياسية وذلك على النحو التالي:
1 مفاوضات وحوارات تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني إن تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني لم يأت في ليلة وضحاها فقد ولدت ونمت فصائله الأولى منذ خمسينيات القرن المنصرم في سياق التطور الطبيعي للحركة الوطنية في الشمال والجنوب معاً واتسمت مختلف مراحل التأسيس للفصائل المكونة للحزب الاشتراكي اليمني بالحوارات والمفاوضات السياسية التي أخذت تتطور خاصة على مدى ال (15) سنة الممتدة منذ عام 1963 حتى 1978على النحو التالي:
1/ 1: على مستوى الجنوب اليمني
نستطيع القول أن الحوارات والمفاوضات والنقاشات السياسية التي أفضت إلى تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني تمظهرت تاريخياً كالتالي:
1/ 1/ 1: مفاوضات تأسيس الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل:
على إثر عدد من الحوارات ((قام فرع حركة القوميين العرب في اليمن الشمالية بدعوة الجنوبيين المتواجدين في صنعاء(الذين ساهموا في الدفاع عن الثورة) إلى مؤتمر شعبي عام)) عقد في ((دار السعادة بصنعاء يوم 24 شباط/ فبراير 1963م حضره أكثر من (1000) شخص بهدف تجميع القوى الوطنية الجنوبية المختلفة في جبهة موحدة تؤدي دوراً ليس فقط الدفاع عن ثورة أيلول، وإنما أيضاً مواجهة الاستعمار البريطاني في الجنوب الذي يقوم بدعم قوى الثورة المضادة، استقر رأي المتحاورين على إعداد مشروع ميثاق لجبهة واحدة أطلق عليها جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل، وتم انتخاب لجنة تحضيرية مكونة من 11 عضواً برئاسة قحطان الشعبي)).
وقد تكونت الجبهة من ((ستة مكونات سياسية وعسكرية واجتماعية هي (حركة القوميين العرب والجبهة الوطنية، المنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل، جمعية الإصلاح اليافعي، التشكيل السري للضباط الأحرار, تشكيل القبائل ) وفي 19 أغسطس من نفس العام أخذت اسمها النهائي(الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل) وفي أقل من شهرين سقط في ردفان أحد قيادات مكوناتها هو تشكيل القبائل الشيخ غالب بن راجح لبوزة شهيداً و بسقوطه أعلن تاريخ اندلاع ثورة الجنوب 14اكتوبر، ومع نهاية هذا العام كانت قد انضمت فصائل أخرى للجبهة القومية ليصل قوامها إلى (13) فصيل مثلت جميعها طليعة العمل الكفاحي المسلح لاستقلال الجنوب, والجذر الأقوى لنبتة الحزب الاشتراكي اليمني فيما بعد)).
إلا أنّ ((الجبهة، التي حظيت بدعم القيادة المصرية وحركة القوميين العرب، لم تحظَ بدعم بعض القيادات اليمنية في صنعاء عكس حزب الشعب الاشتراكي والمؤتمر العمالي، مما جعلها لا تحقق نجاحات كبيرة في نشاطاتها ولم يفتح لها مكتب، بينما حصل حزب الشعب الاشتراكي الذي يقوده عبد الله الأصنج على مكتب لممارسة نشاطه في قاع العلفي حالياً)).
1/ 1 / 2: حوارات توحيد “التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية” في الجنوب
خاض تيار (الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل جبهة القومية) الذي تسلم من بريطانيا الحكم في عدن يوم 30 نوفمبر1967، على مدى بضع سنوات عشرات الحوارات مع كل من حزبي (اتحاد الشعب الديمقراطي الذي يرأسه عبد الله با ذيب)، و(الطليعة الشعبية فرع الجنوب التي يرأسها أنيس حسن يحي) تكللت الحوارات فيما بينها إلى عقد مؤتمر لتوحيد القوى الثلاث في 11-12/ 10/1975م تحت شعار “على طريق بناء الحزب الطليعي من طراز جديد”، كان من نتائج مؤتمرها التحاوري توحيدها تحت مسمى جديد هو “التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية”.
واستمرت الحوارات السياسية مدة ثلاثة سنوات في الجنوب اليمني توصلت إلى عقد أول مؤتمر للفترة (11-15/ 10 / 1978م) في مدينة عدن تحت شعار (لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية، وتنفيذ الخطة الخمسية، وتحقيق الوحدة اليمنية) وبذلك حل الحزب الاشتراكي اليمني محل التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية.
1/ 2: على مستوى الشمال اليمني
بدأت في الشمال اليمني حوارات تبلورت عن تأسيس مجموعة أحزاب سرية جديدة ذات طابع يساري وقد تمثلت الأسباب الرئيسة التي دفعت إلى تأسيسها في:
أن القوى الجمهورية المنشقة والتقليدية تمكنت من الإطاحة بأول رئيس جمهوري في انقلاب (5نوفمبر1967).
أن القوى الجمهورية المنشقة والتقليدية استخدمت أدهى الأساليب التأمرية في تفجير أحداث أغسطس 1968ضد الصف الجمهوري الثوري الذي انتصر على الملكيين وفك حصار السبعين يوماً ، وكان رافضاً أية حوارات مع الملكيين خصوصاً بعد إلحاقه الهزيمة بهم، عكس الجمهوريين المنشقين الذين وجدوا أنفسهم تحت توجيهات السعودية بضرورة الحوار والمصالحة مع الملكيين، وبسبب الموقفين المتباينين لعبت تفاصيل كثيرة مناطقية ومذهبية وطائفية وأيديولوجية في الاصطدام والمواجهات المعروفة بأحداث أغسطس انتصر فيها الجمهوريين المنشقين(التقليدين) على الجمهوريين الثوريين المنتصرين في حصار السبعين كان من نتائجه أن تنوعت طرق التخلص من المنتصرين بين الإقصاء والاعتقالات وإيداعهم السجون ونفيهم، ومضايقتهم في وظائفهم المدنية أو العسكرية.
أن حركة القوميين العرب في بيروت عندما قامت بحل مكونها السياسي على إثر الهزيمة القاسية أمام إسرائيل المشهورة بحرب الأيام الستة أو نكسة 1967 نجم عنها أن قامت حركة القوميين العرب بحل مكونها في بيروت وتأسيس مكونات جديدة كامتدادات لها في نفس العام فتأسست في فلسطين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وفي النصف الثاني من العام التالي صار فرع حركة القوميين في شمال اليمن أمام واقع جديد فرض عليه أن يعيد تأطير كيانه في إطار سياسي جديد.
في ضوء الأسباب جرت سلسلة من النقاشات بين قيادة أعضاء فرع حركة القوميين العرب في شمال اليمن خلصت إلى قطع (صلتها الفكرية والتنظيمية بحركة القوميين العرب (الأم)، ففي الفترة من 24 إلى 26 يونيو 1968م, جرت أعمال المؤتمر الاستثنائي لحركة القوميين العرب اليمنية في مدينة جبلة، وأقر المؤتمر تأسيس الحزب الديمقراطي الثوري اليمني، وأنه لن يكون لهذا الحزب أي علاقات أو صلات تنظيمية بحركة القوميين العرب وقيادتها المركزية) ، كما اتفق على ضرورة عقد مؤتمر آخر للإعلان عن الحزب، وهو ما تم إذ(أجتمع ما يزيد عن (70) شخصية وطنية من نخب سياسية ونقابية وعسكرية معظمهم من حركة القوميين العرب فرع الشمال في قرية حارات بالأعبوس بمحافظة تعز أفضت حواراتهم ونقاشاتهم إلى الإعلان يوم 28يوليو 1968م عن تأسيس الحزب الديمقراطي الثوري اليمني)، ومن أهم ما جاء في المؤتمر إقراره للبرنامج السياسي للحزب القائم على أسس ومبادئ الاشتراكية العلمية، وسعيه لتوحيد أداة الثورة في الجنوب والشمال كمقدمة لإنجاز الوحدة الكاملة لكلا الشطرين.
وإلى جانب تأسيس الحزب الديمقراطي تتالى تأسيس فصائل أخرى لليسار على نحو سري في الشمال مثل (حزب العمل اليمني، حزب الطليعة الشعبية فرع الشمال، اتحاد الشعب الديمقراطي فرع الشمال ومنظمة المقاومين الثوريين اليمنيين) وجرت بينها جميعاً عشرات من الحوارات.
توصلت في (11 فبراير 1976) هذه الفصائل الخمس إلى تكوين ائتلاف جبهوي موحد هو الجبهة الوطنية الديمقراطية، لحقتها محاورات على مدى سنوات اربع خلصت في(8 ، 9) مارس 1979م بمدينة عدن إلى عقد مؤتمرها التوحيدي الذي انبثق عنه حزب (الوحدة الشعبية حوشي)، واتفقت على أن تكون الصيغة التنظيمية لكل من الحزبين (الاشتراكي، والوحدة الشعبية) على مستوى الوطن اليمني كاملاً هي الحزب الاشتراكي اليمني))، وأعلن عنه رسمياً قبل إعلان قيام دولة الوحدة اليمنية بيوم واحد.
2: حوارات ومفاوضات تأسيس المؤتمر الشعبي العام
فكرة تأسيس المؤتمر الشعبي العام جاءت من ناحية أولى كضرورة فرضتها طبيعة العلاقات القائمة بين الشطرين فكان لا بد من وجود إطار سياسي في الشمال موازياً للإطار السياسي الموجود في الجنوب والمتمثل بالحزب الاشتراكي اليمني ومن ناحية تالية كضرورة لاحتواء مختلف القوى السياسية الوطنية بينها قوى معارضة تخوض بين الوقت والأخر مواجهات مع النظام الحاكم كمعارك التي كانت تحدث بينه والجبهة الوطنية الديمقراطية في أكثر من مكان وزمان.
ولتأسيس هذا الإطار تشكلت (في مايو 1980لجنة الحوار الوطني من خمسون عضواً) وحيث وضعت هذه اللجنة مشروع الميثاق الوطني لحوارات شعبية انطلقت على مستوى المحافظات في (ديسمبر 1980) حيث استمرت الحوارات حتى (سبتمبر 1981 انتهت المناقشات وقدم المشروع بصيغته الأخيرة إلى القيادة السياسية للنظر فيه، وكذلك أيضاً النظر في مسألة الاستفتاء الشعبي العام).
لقد أسفرت نتائج الحوارات الشعبية عن صياغة وثيقة الميثاق الوطني وتحديد موعد انعقاد المؤتمر العام لتأسيس المؤتمر الشعبي العام الذي أعلن عته في 24 أغسطس 1982.
وبلغ عدد أعضاء المؤتمر (1000) عضو، تم انتخاب (700عضوا عن طريق الانتخابات المباشرة أي أثناء انتخابات التعاون الأهلي التي جرت في أبريل 1981، 300عضو تم تعينهم من قبل رئيس الجمهورية).
وكان واضحاً أن هذا العدد يمثلون مختلف التيارات (إسلامية قومية كالبعثيين بجناحيه العراقي والسوري، والناصريين، وبعض المواليين لليسار) إلى جانب مشايخ وتجار.
ورغم انتهاء تلك الحوارات بصياغة برنامج سياسي هو” الميثاق الوطني” غير أن ذلك التنوع والتعدد الأيديولوجي جعل حزب المؤتمر الشعبي العام يفتقر إلى إيديولوجيا وبرنامج سياسيين واضحين.
عمل الحزب على اختزال الدولة بكافة مؤسساتها تحت سيطرته إلى حد أن كثير من المستقلين اضطروا للانضمام لعضويته بعد انتخابهم في الانتخابات الثلاثة الأخيرة، بل لحق بهم أعضاء من المعارضة إلى المؤتمر الشعبي العام في بعض الأحيان، كونه يكاد يكون الوسيلة الوحيدة لممارسة النفوذ في السياسة اليمنية.
ه: حوارات ومفاوضات النظامين بين الشمال والجنوب.
قد يطول بنا الحديث عن الحوارات السياسية بين نظامي اليمن الشمالي واليمن الجنوبي التي امتدت على مدى(18) سنة امتدت من عام 1972 وأخذت أكثر من شكل وصيغة انتهت بإعلان دولة الوحدة عام 1990، ولهذا سنكتفي فقط بإبراز أهم المحطات الحوارية بين النظامين في شطري الوطن (الشمال والجنوب) لا سيما أن أصعب القضايا الوطنية التي طرحت ضمن أجندة مؤتمر الحوار الوطني الشامل الأخير تتصل بعض جذورها بتلك الحوارات ونقصد بها” القضية الجنوبية”.
إن المتتبع من المنظور الاكرونولوجي للأحداث والتحولات السياسية التي شهدها الوطن خلال العقود الثلاثة (الستينيات والسبعينيات والسبعينيات) سيدرك خلالها:
أ استحالة قيام حوارات سياسية بين النظامين من أجل تحقيق دولة الوحدة نظراً للظروف التي كانت تمر بها بالبلاد للأسباب التالية:
1 الشمال لحظة استقلال الجنوب من ناحية كان محاصراً من قبل الملكيين، ومن ناحية أخرى ألت فيه الحكم للقوى التقليدية على إثر انقلاب 5نوفمبر.
2 غياب الهوية السياسية للدولة في الشمال، وانتهاج دولة الجنوب للهوية الاشتراكية.
3 كان الجنوب قد وحد السلطنات والمشيخات في إطار الدولة بينما الشمال لا يزال يخوض حروباً أهلية ومناطقية ومذهبية.
4 توظيف قوى خارجية كبريطانيا ودول الجوار الإقليمية الصراع الذي انتهى لصالح الجبهة القومية ضد جبهة التحرير فيما بعد حيث لجئت العناصر القيادية للأخيرة لشمال اليمن وبدورها تحالفت مع النظام الشمالي وغيره من الدول الأخرى الرافضة لقيام نظام اشتراكي في الجنوب ترتب عليه حدوث توترات بين النظامين خاصة بفعل أحداث أغسطس التي كان الضحية فيها الجمهوريين الحقيقيين وكانوا على صلة بالنظام الجنوبي بطرق شتى بعضها أيديولوجية، وبعضها وطنية وثقافية وبعبارة أخرى ((إصرار بريطاني على الرحيل وتسليم عدن وإخلاء قواعدهم بشرط أن تبقى الجنوب دولة مستقلة عن الشمال، إلى جانب ذلك انقلاب 5 نوفمبر وخروج المصريين هذان الأمران أديا إلى أن يتغلب تيار تقليدي في الشمال يتحرك لصالح قوى إقليمية، والقوى التي قامت بانقلاب 5 نوفمبر في الشمال هي قوى تقليدية مشايخية بالتحالف مع عناصر من البعث والإخوان المسلمين، ودخول القوة الملكية بالحسابات السياسية واتفاق هذه الأطراف بمساندة ودعم إقليمي هدفها القضاء على القوى الليبرالية واليسارية التي تكونت في الشمال والجنوب وتنفيذ فيما سمي حينها اتفاق خمر ولهذا فضل الأحرار الجنوبيون أن يظلوا دولة مستقلة حتى يحصل تغيير وانسجام في الرؤى والتوجه بين الشمال والجنوب لتحقيق الوحدة)).
ب إن النظرة إلى الوحدة من قبل النظام الجنوبي تقوم على قاعدة وحدة بين شعبين بينما نظرة النظام الشمالي حينذاك تقوم على قاعدة أن الوحدة هي (عودة الفرع للأصل).
ج أن الحوارات السياسية التي تمت بين النظامين لم تكن تأتي بدوافع ذاتية وإنما بدوافع فرضتها طبيعة المواجهات المسلحة بين جيشي الدولتين لأكثر من مرة 72، 79 أنموذجاً.
ونستطيع القول شطري اليمن ورثا ظروفاً سياسية وفكرية واجتماعية مختلفة ففي حين كان الجنوب على قدر من الانفتاح الفكري الذي رافق مرحلة الكفاح المسلح انفتاحاً خلق وضعاً مختلفاً عن وضع الشطر الشمالي الذي كان منغلقاً ومتأثراً بعصر الإمامة، وبين فضاء ذهني من هذا النوع وفضاء ذهني يتصف بالماركسية أكيد أن البون سيكون شاسعاً.
غير أنه رغم ذلك لم تكن ذهنية الشطرين صافيةً في لونها ورؤيتها، الأمر الذي خلق وضعاً جديداً تمظهر بخروج من كل شطر جيوب تقاتل معارضيها بالسلاح. وقد طرحت الجبهة القومية رؤيتها في وجوب تطوير الوضع في الشطر الشمالي ليكون متقارباً مع الوضع في الجنوب.
لقد أدت الخلافات في وجهات النظر إلى نشوب حرب بين الشطرين في شباط/فبراير 1972، واستمرت معاركها حتى أيلول/سبتمبر1972، حين نجحت الجامعة العربية في إيقاف الحرب بقرارها رقم 2961، والذي طالب باستئناف المسيرة من أجل الوحدة.
لقاء القاهرة 1972
اجتمع وفدا الشطرين في القاهرة برئاسة كل من علي ناصر محمد رئيس وزراء اليمن الجنوبي ومحسن أحمد العيني رئيس وزراء اليمن الشمالي.
وفي حوار القاهرة تبلور مشروعا كلا من الطرفين كالتالي:
أ المشروع الجنوبي: أكد وحدة الأرض والشعب، واعتبر فتح الحدود ووقف الأعمال العسكرية والحملات الإعلامية وإيجاد أرضية مشتركة للتعاون، ومقدمات أولية لتهيئة الظروف الملائمة لبناء دولة الوحدة، وتشكيل مجلس يمني أعلى يضم قادة الشطرين من أجل توحيد السياسات، وإنشاء لجان فنية لوضع آليات دستورية مشتركة.
ب المشروع الشمالي: طالب بالإعلان الفوري للوحدة، وتشكيل لجان لدمج المؤسسات، وإعداد مسودة دستور مشترك لتصادق عليها السلطتان التشريعيتان، ثم يعرض على الشعب في استفتاء عام)).
من المشروعين نلاحظ التباين الكبير، فالجنوب يريد تهيئة الظروف لمعرفته بعدم التلاؤم الفكري بين الطرفين، والشمالي يريد وحدة فورية.
ورغم هذا التباين وقع الطرفان اتفاقية القاهرة في 28/10/1972 التي أنهت حالة الحرب، وتألفت من 15 مادة، جاء في المادة الرابعة ضرورة اجتماع رئيسي الشطرين بعد شهرين من توقيع الاتفاقية في طرابلس:
حوارات وبيان طرابلس 1972
اجتمع القاضي عبد الرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري بالجمهورية العربية اليمنية وسالم ربيع علي رئيس مجلس الرئاسة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية آنذاك في طرابلس في الفترة من 21 شوال 1392ه الموافق 26 نوفمبر 1972م إلى 23 شوال 1392ه الموافق 28 نوفمبر 1972م.
وحرصاً من الرئيسين اليمنيين على خلق الظروف الملائمة لسرعة إنجاز أعمال اللجان المشتركة اتفقا على الأسس التالية: -
1 يقيم الشعب العربي في اليمن دولة واحدة تسمى الجمهورية اليمنية.
2 للجمهورية اليمنية علم واحد ذي الألوان الثلاثة الأحمر فالأبيض فالأسود.
3 مدينة صنعاء عاصمة الجمهورية اليمنية
4 الإسلام دين الدولة، وتؤكد الجمهورية اليمنية على القيم الروحية وتتخذ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
5 اللغة العربية هي اللغة الرسمية للجمهورية اليمنية.
6 تهدف الدولة إلى تحقيق الاشتراكية مستلهمة الطراز الإسلامي العربي وقيمه الإنسانية وظروف المجتمع اليمني بتطبيق العدالة الاجتماعية التي تحظر أي شكل من أشكال الاستغلال، وتعمل الدولة عن طريق إقامة علاقات اشتراكية في المجتمع على تحقيق كفاية في الإنتاج وعدالة في التوزيع بهدف تذويب الفوارق سلمياً بين الطبقات.
7 الملكية العامة للشعب أساس تطوير المجتمع وتنمية وتحقيق كفاية الإنتاج والملكية الخاصة غير المستغلة مصونة ولا تنزع إلا وفقاً للقانون وبتعويض عادل.
8 نظام الحكم في الجمهورية اليمنية وطني ديمقراطي.
9 ينشأ تنظيم سياسي موحد يضم جميع فئات الشعب المنتجة صاحبة المصلحة في الثورة للعمل ضد التخلف ومخلفات العهدين الإمامي والاستعماري وضد الاستعمار القديم والجديد والصهيونية، وتشكل لجنة مشتركة لوضع النظام الأساسي للتنظيم السياسي ولوائحه مستهدية بالنظام الخاص بإقامة الاتحاد الاشتراكي العربي في الجمهورية العربية الليبية، وعلى ضوء مناقشته من قبل فئات الشعب.
10 يعين دستور الجمهورية اليمنية حدودها.
وعلق حينها عبد الفتاح إسماعيل على البيان بقوله (إن الوحدة اليمنية ليست شعارا للاستهلاك الداخلي، بل ضرورة تفرضها الأحداث التي مر بها شعبنا اليمني، لكن مفهومنا للوحدة يختلف عن مفاهيم الأنظمة الرجعية ، التي لا تأخذ في الحسبان مصالح شعوبها).
ورغم الانتقادات التي وجهت حينها للبيان غير أن التواصل بين الطرفين استمر يتتالى:
ففي 4 سبتمبر 1973 التقيا في الجزائر رئيسا اليمن الشمالي والجنوبي، لمتابعة، واستعراض، أعمال اللجان المشتركة المنبثقة، عن اتفاقية القاهرة، وبيان طرابلس. والاتفاق على وضع حد للعنف، وتسلل المخربين عبر الحدود في كل أنحاء اليمن.
وفي (10 12 نوفمبر 1973 لقاء تعز الحديدة) تكرر اللقاء لدفع إجراءات الوحدة للأمام، والاتفاق على بعض الصيغ المطروحة، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد الوطني.
ويعد لقاء فبراير 1977 في قعطبة من أهم اللقاءات الحوارية بين الدولتين ففيه تم التوقيع من قبل رئيسي الشطرين على إقامة مجلس أعلى مشترك، يضم الرئيسين، ووزراء الدفاع، والخارجية، والاقتصاد، والتخطيط. تم الاتفاق على تشكيل مجلس من الرئيسين ومسئولي الدّفاع والاقتصاد والتجارة والتخطيط والخارجية يجتمع مرّة كل ستة أشهر بالتناوب في صنعاء وعدن لبحث ومتابعة كافّة القضايا الحدودية التي تهم الشعب اليمني الواحد وتنسيق الجهود في كافة المجالات بما في ذلك السياسة الخارجية.
غير أن الأحداث تسارعت وحالت دون تحقيق ذلك إثر موجة اغتيالات تعرّض لها كل من رؤساء الشطرين (الحمدي، سالمين، الغشمي).
وبتطور الأحداث الجسيمة، والحملات الإعلامية التي اشتدّت بين النظامين انفجرت المواجهات المسلحة في فبراير 1979 بين شطري اليمن على إثرها دعت الجامعة العربية لعقد قمة استثنائية الكويت 4-6 مارس 1979.
وبعد جلسات حوارية تم الاتفاق على اتخاذ قرار بتشكيل لجنة لمراقبة وقف إطلاق النار، والإعداد لاجتماع بين رئيسي الشطرين في 28 مارس 1979 وفيه تم التوقيع من قبل رئيسي الشطرين على بيان مشترك، لتنشيط عمل اللجان طبقاً لاتفاقية القاهرة، وبيان طرابلس تبعه لقاء صنعاء في 2 4 أكتوبر 1979، واستمرار مفاوضات الوحدة، واستكمال لجان الإعداد لدستور الدولة الموحدة. وإصدار بيان رسمي، عن تشكيل وزارة خارجية مشتركة بموجب اتفاق صنعاء لعام 1979. والاتفاق على الخطوط الرئيسية للسياسة الخارجية لليمن الموحد، وبعد عامين في سبتمبر 1981 انعقد لقاء القمة في تعز، لتعجيل خطوات تحقيق الوحدة بين الشطرين تبعه لقاء في 30 ديسمبر 1981 أعلن فيه عن الانتهاء من إعداد مشروع دستور دولة الوحدة، وإقراره والتوقيع عليه.
تلك اللقاءات الحوارية الإيجابية سرعان ما تعكرت بسبب اندلاع اشتباكات بين قوات الشطرين حول أجزاء من محافظة شبوة، الغنية بالنفط عام 1982.
وتتالت الأحداث والتطورات سواء داخل اليمن أو في المنطقة وعلى كافة الأصعدة الدولية ولعبت دورها سلباً وإيجاباً في أن تسفر جميع تلك اللقاءات في 22 مايو 1990 إلى إعلان الوحدة اليمنية باندماج النظامين في نظام واحد باستثناء (المؤسسات العسكرية والاقتصادية) وتحديداً الجيش، والعملة النقدية، والتعليم، وبعض المؤسسات الاقتصادية الخدمية فأعلنت الوحدة قبل أن تستكمل لجان الوحدة كافة الصيغ اللازمة للدولة اليمنية الجديدة وإنما عبر وثيقة عرفت بوثيقة الوحدة اليمنية
فأعلنت الوحدة قبل أن تستكمل لجان الوحدة كافة الصيغ اللازمة للدولة اليمنية الجديدة وإنما عبر وثيقة عرفت بوثيقة الوحدة اليمنية.
ولأول مرة خلال الفترة من الرابع والعشرين حتى السابع والعشرين من رمضان 1410 ه الموافق 19 -22 نيسان أبريل 1990 تشهد صنعاء اجتماعاً كاملاً لقيادة الوطن اليمني ممثلة برئيسي، ورئيس مجلس الشورى ورئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى ورئيس الوزراء وأعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، واللجنتين العامة والدائمة للمؤتمر الشعبي، والمجلس الاستشاري وعدد من أعضاء هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى ومجلس الشورى والحكومتين، وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، ونقتطف بعضاً مما جاء في نصها المعروف بنص اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية في دولة الوحدة بالتالي:
المادة (1) تقوم بتاريخ الثاني والعشرين من أيار/ مايو عام 1990 م الموافق 27 شوال 1415 ه (*) بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (شطري الوطن اليمني) وحدة اندماجية كاملة تذوب فيها الشخصية الدولية لكل منهما في شخص دولي واحد يسمى (الجمهورية اليمنية) ويكون للجمهورية اليمنية سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة.
المادة (2) بعد نفاذ هذا الاتفاق يكون مجلس رئاسة للجمهورية اليمنية لمدة الفترة الانتقالية يتألف من خمسة أشخاص ينتخبون من بينهم في أول اجتماع لهم رئيسا لمجلس الرئاسة ونائباً للرئيس لمدة المجلس.
ويشكل مجلس الرئاسة عن طريق الانتخاب من قبل اجتماع مشترك لهيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى والمجلس الاستشاري، ويؤدي مجلس الرئاسة اليمين الدستورية أمام هذا الاجتماع المشترك قبل مباشرة مهامه ويمارس مجلس الرئاسة فور انتخابه جميع الاختصاصات المخولة لمجلس الرئاسة في الدستور.
المادة (3) تحدد فترة انتقالية لمدة سنتين وستة أشهر ابتداء من تاريخ نفاذ هذا الاتفاق ويتكون مجلس نواب خلال هذه الفترة من كامل أعضاء مجلس الشورى ومجلس الشعب الأعلى بالإضافة إلى عدد (31) عضواً يصدر بهم قرار من مجلس الرئاسة ويمارس مجلس النواب كافة الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور عدا انتخاب مجلس الرئاسة وتعديل الدستور.
وفي حالة خلو مقعد أي من أعضاء مجلس النواب لأي سبب كان يتم ملؤه عن طريق التعيين من قبل مجلس الرئاسة. المادة (4) يصدر مجلس الرئاسة في أول اجتماع له قراراً بتشكيل مجلس استشاري مكون من (45) عضواً وتحدد مهام المجلس في نفس القرار.
المادة (5) يشكل مجلس الرئاسة حكومة الجمهورية اليمنية التي تتولى جميع الاختصاصات المخولة بموجب الدستور.
المادة (6) يكلف مجلس الرئاسة في أول اجتماع له فريقاً فنياً لتقديم تصور حول إعادة النظر في التقسيم الإداري للجمهورية اليمنية بما يكفل تعزيز الوحدة الوطنية وإزالة آثار التشطير.
المادة (7) يخول مجلس الرئاسة إصدار قرارات لها قوة القانون بشأن شعار الجمهورية وعلَمها والنشيد الوطني وذلك في أول اجتماع يعقده المجلس، كما يتولى مجلس الرئاسة في أول اجتماع له اتخاذ قرار بدعوة مجلس النواب للانعقاد وذلك للبت فيما يلي:
المصادقة على القرارات بالقوانين التي أصدرها مجلس الرئاسة.
منح الحكومة ثقة المجلس في ضوء البيان الذي ستقدمه.
تكليف مجلس الرئاسة بإنزال الدستور للاستفتاء الشعبي العام عليه قبل 30 نوفمبر 1990 م.
مشاريع القوانين الأساسية التي سيقدمها إليه مجلس الرئاسة.
المادة (8) يكون هذا الاتفاق نافذاً بمجرد المصادقة عليه وعلى مشروع دستور الجمهورية اليمنية من قبل كل من مجلسي الشورى والشعب.
المادة (9) يعتبر هذا الاتفاق منظماً لكامل الفترة الانتقالية وتعتبر أحكام دستور الجمهورية اليمنية نافذة خلال المرحلة الانتقالية فور المصادقة عليها وفقاً لما أشير إليه في المادة السابقة وبما لا يتعارض مع أحكام هذا الاتفاق.
المادة (10) تعتبر المصادقة على هذا الاتفاق ودستور الجمهورية اليمنية من قبل مجلسي الشورى والشعب ملغية لدستوري الدولتين السابقتين.
تم التوقيع على هذا الاتفاق في صنعاء بتاريخ 27 رمضان 1410 ه الموافق 22 نيسان/ أبريل 1990 م.
ثالثاً: حوارات ما بعد الوحدة (حوارات القوى السياسية وثيقة العهد والاتفاق)
من مفارقات التاريخ السياسي المعاصر في اليمن أن تتقارب تارة وتارة تتشابه تواريخ عشرات الأحداث كبيرة وصغيرة في كافة الصراعات والحروب والمواجهات الاصطدامية المختلفة في اليمن.
وعلى سبيل المثال لا الحصر أنه بعد عشرة أشهر وتحديداً في 25يناير 2014 أعلن رئيس الجمهورية من صنعاء عن “وثيقة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني” الذي افتتحت جلسات فعالياته في 18 مارس 2013.
وقبل عشرين عاماً بعد حوار شاركت فيه أغلب القوى السياسية في اليمن لبضعة أشهر أعلنت لجنة الحوار الوطني من عدن في 18 يناير 1994 عن “ وثيقة العهد والاتفاق” لتسوية الأزمة السياسية، بين الرئيس اليمني ونائبه. ووقعت القوى السياسية الرئيسية في البلاد، بالأحرف الأولى، في احتفال رسمي في عدن، الاتفاق الذي يُنهي أعمال لجنة الحوار، المكلفة بتسوية الأزمة السياسية.
وسنلاحظ أيضاً أن حوار القوى الوطنية جاء بعد أن شهدت البلاد أزمة سياسية بين أطراف السلطة أي طرفي (المؤتمر والإصلاح) وطرف (الاشتراكي).
ولكي نقف على طبيعة ومضامين حوار القوى السياسية الذي شهدته اليمن بعد الوحدة يجب ألا نغفل ما تناولناه سابقاً من المعطيات السياسية وطبيعتها لكونها تمثل الأرضية الفكرية، والمرتكزات السياسية والاجتماعية التي لعبت دوراً كبيراً في إنتاج الأزمة السياسية بين كافة الأطراف المعنية باليمن وفي ضرب مخرجات حوار تلك الأطراف المتمحورة في “وثيقة العهد والاتفاق” عبر إشعال حرب 1994التي مثلت انقلاباً على الإصلاحات السياسية الواردة في الاتفاقية.
ويمكننا القول أن من نتائج الأزمة السياسية التي بدأت في 9 أكتوبر 1991، وكان آخرها في 12 مايو 1992 أن بلغ عدد المظاهرات والمسيرات والاجتماعات 11 مسيرة واجتماعاً” احتجاجياً، عبّرت عن تردي الحالة الأمنية في البلاد، والعنف، والإرهاب السياسي، والاغتيالات السياسية، وتردي الظروف السياسية والأوضاع الاقتصادية.
ونتيجة للأزمة التي وقعت بين الحزبين الحاكمين منذ 31 ديسمبر 1991، بشأن الانتخابات والكثير من القضايا، منها دمج القوات المسلحة، وعدم تطبيق قانون الأحزاب السياسية، الذي يحتم ابتعاد العسكريين عن الأحداث، وضرورة استقالة رئيس الوزراء، والوزراء الذين يرشحون أنفسهم، وهو الأمر الذي كان يجب حدوثه.
طُرحت فكرة عقد مؤتمر وطني، كوسيلة لحل الخلافات، بين الرئيس علي عبد الله صالح، ونائبه علي سالم البيض، وكصيغة للحوار حول قضايا ومشكلات اليمن، في غمار عملية التّحول الديمقراطي والوحدة.
لقد كان الهدف الأساسي من عقد مثل هذا المؤتمر، هو بلورة وثيقة سياسية، تلتزم بها الأحزاب جميعاً، سواء تلك التي ستأتي بها الانتخابات إلى الحكم، أو التي ستبتعد عنه.
حينها طرأت بعض الأحداث، وظهرت عوامل أخرى، تمثلت في وساطات بين الطرفين، أنهت الأزمة ولم ينعقد المؤتمر الوطني.
كان الحزبان الحاكمان، كلمّا عادت فكرة المؤتمر إلى الظهور، يطرحان أفكاراً بديلة، مثل عقد مائدة مستديرة، بما يعنيه ذلك من محدودية العدد المشارك، ومن ثم استبعاد بعض الأطراف، أو عقد مؤتمر جماهيري، بما يعنيه من نتائج غير ملزمة، وهي اقتراحات استهدفت المحافظة على الوضع المتميز للحزبين، وتجنب تأثير الأحزاب الأخرى على توازن السلطة بينهما.
مع قرب نهاية المرحلة الانتقالية، والاستعداد لإجراء الانتخابات، زاد الإلحاح من قبل الأحزاب الأخرى، ما عدا الحزبين الحاكمين (المؤتمر - الاشتراكي)، من أجل عقد المؤتمر الوطني.
وبالفعل، تم تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر، برئاسة عبد الرحمن الجفري، رئيس حزب رابطة أبناء اليمن.
وقد روعي في تشكيل تلك اللجنة، أن تضم ممثلين من مختلف الأحزاب، والتنظيمات السياسية الكبيرة، بغرض تأمين إسهامها جميعاً في أعمال المؤتمر. واستطاعت اللجنة التغلب على مشاكل كثيرة، كانت تعترض انعقاد المؤتمر.
ولكن الحزبين الحاكمين ظلا يثيران مشكلات كثيرة حول تسمية المؤتمر، هل يسمى (مؤتمر وطني) أم (مؤتمر الأحزاب والمنظمات الاجتماعية)، أم (اللقاء الوطني).
ودل ذلك على استمرار فتور الحزبين لعقد المؤتمر، بل إنهما دعَّما فكرة عقد مؤتمر مواز له، تقرر عقده في منتصف أغسطس 1992، ولكن الخلافات أجلته إلى منتصف سبتمبر.
وقد انعقد المؤتمر الوطني حينها، وبدأ أعماله في 12سبتمبر 1992 في المركز الثقافي في صنعاء، بحضور ممثلي الأطراف، والقوى السياسية، والاجتماعية، وعدد من علماء الإسلام، وأعضاء من مجلس النواب، في حين تغيب الحزب الاشتراكي، على الرغم من اشتراكه في أعمال اللجنة لمدة ثلاثة أشهر، معلناً بذلك تضامنه مع شريكه في الحكم المؤتمر، الذي لم يشارك في التحضير للمؤتمر الوطني، وآثر المشاركة في التحضير لمؤتمر الأحزاب والتنظيمات الجماهيرية، الذي كان من المفترض عقده في الوقت، الذي ينعقد فيه المؤتمر الوطني.
هذا فيما يخص الذهاب إلى عقد مؤتمر للحوار الوطني بعد الوحدة غير أنه تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المساعي كانت تتزامن مع معطيات يومية وبخلفيات ثقافية تاريخية تمظهرت في أن القوى التقليدية (القبلية والدينية في شمال اليمن ترفض الوحدة بوضوح بحجة أن الجنوب اشتراكي وسيؤمم الشمال وكانت لهم تحفظات اجتماعية كذلك بالإضافة للضغوطات الإقليمية الممارسة عليهم، من عام 1972و تستعمل نفوذها على القبائل للإطاحة بأية حكومة في شمال اليمن تحاول المضي نحو الوحدة عكس الوحدة بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية حيت استطاعت ألمانيا الغربية فرض شروطها لتفوقها الاقتصادي.
وتفاقمت الأمور أكثر بعد انتخابات 27 أبريل 1993 حيث أعطت النتيجة مؤشرات أبرزها أن المواطن اليمني لم يكن على قدر كبير من الوعي الذي يضمن أكبر قدر ممكن من حماية صوته وقدرته على الوصول والتأثير في الواقع، ناهيك عن مؤشرات أخرى عملية حددت حجم ومستقبل كثير من القوى السياسية في المشهد السياسي على رأسها الحزب الاشتراكي اليمني.
من أهم الوثائق الوطنية في تاريخ اليمن المعاصر، والتي مثلت صيغة وطنية شاركت في ترجمتها مختلف القوى الوطنية السياسية والاجتماعية والعلماء والمفكرين ومنظمات المجتمع المدني، ونقلتها من مشروع خاص يتبناه الحزب الاشتراكي إلى مشروع وطني كفيل به أن يجنب اليمن مالات الحرب والتشظي.
وفي حين برهنت تلك الوثيقة على أن الأزمة ليست بين شخصي البيض وصالح وإنما بين مشروعين, كما برهنت أيضا على أن الخلاف لم يكن على مشروع الوحدة, وإنما على كيفية بناء دولة الوحدة المدنية المرتكزة على الديمقراطية والتعددية السياسية والشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية واللامركزية واستقلال السلطات عن بعضها.
كل هذه العناوين كانت مرفوضة من قبل الطرف الثاني المؤتمر والإصلاح كما قال الأستاذ أنيس حسن يحيى “إن القوى التقليدية خافت حينها من وجود دولة مدنية ستسحب من تحتها مصالحها الخاصة على حساب مصالح الشعب”.
وهذا الأمر أفزعها، فراحت بكل ما أوتيت من قوة تعمل على إجهاض تلك الوثيقة والتخلص منها، ومن محمولاتها الوطنية حتى إن أدى ذلك إلى الحرب.
لكن كيف؟
إن الكيفية التي انتهجت حينها لم تكن تقدر العواقب التي ستنجم عنها الممارسات والأساليب المتبعة في ضرب الوثيقة، وهي:
1 - توظيف الجماعات الجهادية العائدة من أفغانستان (الأفغان العرب) ضد الحزب، في التخلص من أبرز كوادره.
2 - اعتماد خطاب إعلامي تكفيري عبر منابرها المختلفة في المساجد والجامعات والمعاهد والصحف وصولاً إلى الإعلام الرسمي وقد تناولنا ظاهرتي الإرهاب والتكفير سابقاً لكننا نضيف هنا دليلا ماديا قويا يؤكد صحة ودقة ما نبه الاشتراكي إليه في تلك الفترة بوقت مبكر من خطر تنامي التنظيمات الجهادية في اليمن حيث نشرت صحف صوت العمال والمستقبل والثوري ملفات تحذر من اتساع ظاهرتي التكفير والإرهاب.
ففي عددها رقم 1142 الصادر يوم الخميس 30 ديسمبر 1993م نشرت صوت العمال تقول (أن أعضاء في لجنة الحوار الوطني التي شكلت لصياغة وثيقة العهد والاتفاق وعلى مدى اليومين المتتاليين 28, 29 ديسمبر, أكدوا أن أحد أهم المخارج العملية لحل الأزمة القائمة في البلاد هو تقديم مرتكبي الجرائم وأعمال الإرهاب إلى محاكمة علنية, وعلى أهمية متابعة الفارين من وجه العدالة المحتمين وعلينا هنا أن نركز على بقية الخبر بشخصيات عسكرية وسياسية متنفذة في السلطة... وكذا مناقشة قضية المعسكرات التابعة لتنظيم الإرهاب في عدد من المحافظات وعلى وجه الخصوص صعدة المتواجد حاليا فيها عدد من المعسكرات يتم فيها تدريب عناصر التنظيم داخلها تدريبات عسكرية, وذكرت صوت العمال يومها أيضا ما يؤكد اليوم- أي بعد مضي 18 سنة- صحة تلك المعلومات والمخاوف التي كان يحذر منها الاشتراكي فقد أكد الخبر نفسه ما يلي:
أن أوساط سياسية محلية ودولية تحذر من استمرار تجاهل قضية المعسكرات الإرهابية التي قد تضع اليمن ضمن قائمة الدول المصدرة للإرهاب.
كما ذكرت صوت العمال قراءها أنها نشرت في عام 1991م تؤكد وجود معسكرات تدريب للمتطرفين والعائدين من أفغانستان من دول عربية مختلفة وجدوا في الأراضي اليمنية مرتعا لأعمالهم.
وذكرت الصحيفة أن شخصية دينية هي عضو مجلس الرئاسة التقى سفير مصر في صنعاء عطاء محمود فاروق أواخر ديسمبر و أخطره الثاني أن جهاديين مصريين يتواجدون في اليمن وحذره من خطورة احتضان الإرهابيين المصريين الذي قد يعيق تطور العلاقات اليمنية المصرية، إلا أن الزنداني كما قالت صوت العمال نفى وجود مثل هذه المعسكرات في اليمن.
وأكدت الصحيفة أن مبارك قد قدم لوزير التخطيط الدكتور الإرياني مطلع ديسمبر 1993م في القاهرة كشفاً بمواقع تواجد المعسكرات في عدد من المحافظات وأن محاولة اغتيال رئيس الوزراء المصري تمت بعد اتصال من صنعاء).
ورغم أن الأوضاع أخذت تتأزم أكثر فأكثر غير أن لجنة الحوار الوطني حينها استطاعت الوصول إلى صيغة نهائية هي وثيقة العهد والاتفاق التي وقع عليها في 18 يناير 1994 كل من رئيس الوزراء، حيدر أبو بكر العطاس عن الحزب الاشتراكي اليمني، ووزير التخطيط والتنمية عبد الكريم الإرياني، عن حزب المؤتمر الشعبي العام، ونائب رئيس الوزراء، عبد الوهاب الآنسي، عن حزب التجمع اليمني للإصلاح، ومسؤولين عن أحزاب المعارضة.
وألّفت لجنة الحوار لجنة من أعضائها، بالتحضير لاحتفال توقيع الاتفاق، بين الرئيس ونائبه. على “وثيقة العهد والاتفاق”، في حضور ممثلين لجميع القوى السياسية في البلاد، ومندوبين من الدول التي توسطت لتسوية الأزمة.
التوقيع على الوثيقة في الأردن (في يوم 20 فبراير 1994، وبعد أكثر من ستة أشهر من الأزمة، بين الرئيس اليمني ونائبه، التقى في العاصمة الأردنية عمان، أكثر من ثلاثمائة شخصية يمنية سياسية، وحزبية، وقبلية، إضافة إلى حضور الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وأمين عام جامعة الدول العربية، عصمت عبد المجيد، ووزير الدولة العماني للشؤون الخارجية، يوسف بن علوي، ورئيس اليمن الجنوبي السابق علي ناصر محمد، والسفراء العرب، والأجانب، المعتمدون في عمان. ووسط هذا الجمع الغفير، وقع على عبد الله صالح، ونائبه علي سالم البيض، “وثيقة العهد والاتفاق”، في قصر رغدان الملكي، محاولين بذلك إسدال الستار عن أسوأ أزمة عرفتها اليمن، بعد توحيد شطريها، عام 1990، والتي اعتبرها العاهل الأردني الملك حسين، بداية جيدة على طريق مصالحة كل القضايا عربياً.
وتضمنت الوثيقة مجموعة من المحاور الرئيسة تمثلت في:
أولاً: التدابير الأمنية والعسكرية: يتم إخلاء المدن من القوات المسلحة وإعادة تموضعها خلال فترة زمنية أقصاها شهرين، تمهيداً لدمجها وتنظيمها وتصحيح أوضاعها، على ألا تتجاوز عملية دمجها الأربعة أشهر بعد تنفيذ عملية الإخلاء وإعادة التمركز في سياق بناء جيش وطني حديث.
يتم نقل الوحدات في ما كان يسمى بالأطراف (الحدود السابقة بين اليمنين الجنوبي والشمالي)، وإعادة تمركزها في مناطق يتفق عليها، بما يؤمن متطلبات الاستراتيجية الدفاعية للبلاد. ويصدر بذلك قرار خلال أسبوع ويبدأ التنفيذ فوراً.
عدم تسيير أية دوريات عسكرية في المدن، والالتزام بعدم تحريك أية وحدات عسكرية أو تعزيزات بشرية أو مادية، والبحث عن وسائل لإنهاء الوجود المسلح غير الرسمي.
يوقف التجنيد والتسليح والتعبئة للوحدات والميليشيات وحرس الحدود والحرس الشعبي وما شابهها وإلغاء ما تم استحداثه.
إعادة بناء وتنظيم ودمج القوات المسلحة، وتقليص حجمها، وضبط ميزانية وزارة الدفاع.
اتخاذ الإجراءات الحازمة لإلقاء القبض على المتهمين الفارين في حوادث الاغتيالات ومحاولات الاغتيالات، وغيرها من الحوادث المخلة بالأمن والبدء الفوري في محاكمة المقبوض عليهم في الأعمال التخريبية.
إبعاد العناصر غير اليمنية التي تتوفر بحقها دلائل كافية لمزاولتها أعمالاً تخالف سياسة اليمن وقوانينها أو تروج أو تحرض على هذه الأعمال.
يعقد صلح عام بين القبائل، ويتم بموجبه إنهاء الثأر واعتبار كل من يمارس الأخذ بالثأر خارجاً على القانون.
ثانياً: تدابير تتعلق باللامركزية: اللامركزية الإدارية والمالية أساس من أسس نظام الحكم.
يقوم الحكم المحلي على قاعدة تقسيم إداري جديد للجمهورية اليمنية يتجاوز التكوينات والوحدات الإدارية القائمة ويعاد فيه دمج البلاد دمجاً كاملا تختفي فيه كافة مظاهر التشطير، تقسم الجمهورية من 4 إلى 7 وحدات إدارية تسمى مخاليف.
تشكل كل من صنعاء العاصمة السياسية وعدن العاصمة الاقتصادية التجارية وحدات إدارية (أمانة عامة) مستقلة، على أن يراعى وضع عدن كمنطقة حرة.
ووضحت الوثيقة صلاحيات الحكم المحلي.
ثالثاً: إصلاحات إدارية وسياسية
رابعاً: تعديل الدستور: فيتم إجراء التعديلات الدستورية خلال فترة ثلاثة أشهر ولا تتجاوز خمسة أشهر.
لهذا الغرض لجنة وطنية من العلماء وأطراف حوار القوى السياسية بعض المختصين في جامعتي عدن وصنعاء ومشاركة بعض الشخصيات الاجتماعية.
نتائج حوار القوى السياسية (الانقلاب على مخرجات الحوار).
بعد مرور عقدين على ذلك الحوار الذي عُد حينها أول حوار سياسي وطني في عهد دولة الوحدة نستطيع القول في حال وجدت مُساءلة تاريخية منصفة أن الطرف الذي انقلب على مخرجات ذلك الحوار المتضمنة في وثيقة العهد والاتفاق، هو الطرف المكون من الحزبين المتحالفين (المؤتمر، والإصلاح) بدليل أن الطرف الأخر في حرب صيف 94م (الحزب الاشتراكي) ظل متمسكاً بمواقفه المتمثلة بتطبيق بنود (وثيقة العهد والاتفاق) بدليل أنها صارت في وسائل إعلام وخطاب الطرفين المتحالفين (وثيقة غدر وخيانة) تارة، و(وثيقة ردة و انفصال) تارة أخرى في وقت اعتبرت فيه الوثيقة مخرجاً للأزمة السياسية بين (صالح، والبيض) من ناحية، ومن ناحية تالية عدت أيضاً بمثابة مسدات للثغرات التي تركت دونما تسوية لها في وثيقة إعلان دولة الوحدة.
بل أن مجمل السياسات والممارسات اللاحقة لحرب صيف 94م ذهبت تؤكد حقيقة من هو الطرف الذي انقلب على حوار سياسي استمر قرابة (أشهر ستة) خصوصاً بعد 97م عقب انفراده بحكم البلاد، وإعادة تفصيل الدستور وأهم القوانين على مقاسات مصالحه ومطامعه في السلطة اللانهائية.
رابعاً: حوارات المعارضة وتأسيس اللقاء المشترك
تأسس تكتل أحزاب اللقاء المشترك في 6 فبراير/ شباط 2003وهو تكتل يضم أهم وأكبر أحزاب المعارضة الرئيسة في اليمن.
في عام 2006 أيدت أحزاب اللقاء المشترك الانتخابات الرئاسية اليمنية وتقدمت بمرشح واحد معارضاً للرئيس صالح، حاشداً 22 % من الأصوات المثيرة للدهشة لفيصل بن شملان. لعبت أحزاب اللقاء المشترك أثناء الربيع العربي عام 2011 دوراً هاماً في عملية الانتقال المحتمل للسلطة من صالح إلى النظام الجديد.
و يضم هذا التكتل كلا من: (حزب التجمع اليمني للإصلاح الحزب الاشتراكي اليمني حزب الحق التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري حزب البعث العربي الاشتراكي القومي التنظيم السبتمبرية الديمقراطي اتحاد القوي الشعبية اليمنية.
يشكل اللقاء المشترك تطويراً لتكتل أحزاب المعارضة اليمنية بانضمام حزب التجمع اليمني للإصلاح والتنظيم السبتمبري الديمقراطي إلى ما كان يعرف ب “مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة” المؤسس عام 1999 م والذي كان يضم الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري و حزب البعث العربي الاشتراكي القومي وحزب الحق و اتحاد القوي الشعبية اليمنية.
أما أهداف اللقاء المشترك فتتمثل بالتنسيق فيما بين مكوناته في الانتخابات البرلمانية، والعمل المشترك لضمان وصول جميع الأحزاب الستة الموقعة على الاتفاق للمشاركة في المجلس النيابي.
ويشتمل بنود الاتفاق الذي أطلق عليه “اتفاق المبادئ” لأحزاب “اللقاء المشترك” على سبعة بنود تؤكد ما يلي:
أولوية التنسيق بين أحزاب اللقاء المشترك الموقعة على الاتفاق والعمل على ضمان وصولها إلى التمثيل في البرلمان المقبل.
الالتزام بوجوب المحافظة على الوضع الحالي بالنسبة للدوائر الانتخابية للأحزاب الموقعة على الاتفاق في مجلس النواب الحالي، واعتبارها كحد أدنى مع مراعاة وضع الحزب الاشتراكي اليمني غير الممثل في البرلمان الحالي نتيجة مقاطعته للانتخابات النيابية عام 1997 م.
العمل الدؤوب على ضمان زيادة عدد مقاعد هذه الأحزاب في البرلمان المقبل.
عدم جواز التنافس بين أحزاب “اللقاء المشترك” في الدوائر الانتخابية الواحدة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إذا كانت النتيجة استخدم فوز مرشح حزب آخر من خارج “تكتل اللقاء المشترك”.
عدم جواز التنسيق مع أي طرف آخر على حساب أي حزب من أحزاب تكتل “اللقاء المشترك” أو دون علمه.
لا تعتبر الدائرة الانتخابية -التي يترشح فيها أي من القيادات العليا لأحزاب “اللقاء المشترك” بما لا يخل بمستوى التمثيل الحالي للأحزاب في البرلمان-دائرة تنافسية، ويجب التنسيق فيها بين كافة أحزاب التكتل لصالح دعم العضو القيادي المرشح شريطة أن يكون لديه فرصة حقيقية للنجاح متوافق عليه.
يتوجب على المتنافسين في الدوائر التي يتنافس فيها أي من أحزاب التكتل الالتزام بمبادئ وأخلاقيات التنافس الديمقراطي الشريف وتجنب كل ما من شأنه الإضرار بتكتل اللقاء المشترك”.
وحصيلة التنسيق بين أحزاب اللقاء المشترك أنها تمكنت من إحراز بعض المكاسب السياسية ومن ذلك:
الوقوف ككتلة أثناء مناقشة قانون الانتخابات مما دفع بالحكومة إلى النزول إلى رأي “اللقاء المشترك” في عدد من النقاط.
التنسيق في انتخابات اتحاد الطلبة مما مكن اللقاء المشترك من الفوز فيها.
توقيع وثيقة تاريخية مع الحزب الحاكم (حزب المؤتمر الشعبي العام) تتعهد الأحزاب فيها بضمان استقلالية المجتمع المدني المهني ورفض تجيير أية مؤسسة منها لخدمة أي طرف غير الشريحة التي أنشأت النقابة أو الجمعية أو المنظمة أو الاتحاد لخدمتها.
غير أن اغتيال الرجل الثاني في الحزب الاشتراكي اليمني، وأحد أبرز الزعماء الوطنيين في تاريخ اليمن المعاصر هو الشهيد جار الله عمر يوم 28 ديسمبر/ كانون الأول عام 2002 م تحدياً كبيراً لأحزاب اللقاء المشترك حيث تم اتهام حزب التجمع اليمني للإصلاح “رسميا” باغتياله. وقد استطاعت أحزاب “اللقاء المشترك” -خاصة قطبيه الأساسيين الاشتراكي والإصلاح-أن تتجاوز أزمة اغتيال جار الله عمر بإبعاد شبهة تورط حزب الإصلاح في تلك العملية وبالبقاء صفاً واحداً.
أما علاقة تكتل أحزاب اللقاء المشترك بالحزب الحاكم فيبدو جليا أنه سعى إلى الوقوف أمام نفوذ حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم. فالبيانات السياسية التي صدرت عن التكتل ومضامين صحافته أكدت تخوفه من قيام الحزب الحاكم بحشد الجيش والأمن والإعلام والمال العام والوظيفة في جميع الاستحقاقات، ومن أن يحاول تفتيت أحزاب اللقاء المشترك والتلويح لبعضها بالمغارم والمغانم.
خامساً: الحوارات والمفاوضات السياسية بين السلطة (الحزب الحاكم) والمعارضة (أحزاب اللقاء المشترك).
جراء تدهور الأوضاع السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والمعيشية التي صارت إليها اليمن، لا سيما بعد انتخابات عام 2006م حيث تبلورت معظم التقارير الدولية التي أشرفت على سير تلك الانتخابات بعدد من الملاحظات المهمة والتي يجب أن يتم تسويتها كشروط ضرورية لضمان نزاهة الانتخابات مستقبلاً، ولضمان استمرار دعم التنمية والاستثمار في اليمن.
وبُذلت عدة مساع لإصلاح مجمل الأوضاع في البلاد فخاضت أحزاب اللقاء المشترك مع الرئ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.