لم يعد الاتجار بالبشر يتمثّل في بيع الإنسان لأحد أعضائه أو سرقة أحدهم لبعض أعضاء أحدهم الآخر, بل تعدّى ذلك إلى ما هو أبعد في ظل تقصير الجهات الرسمية وغير الرسمية المعنية بصورة مباشرة تجاه مكافحة ما ظل يُعرف بظاهرة «الاتجار بالبشر» وتصاعدت هذه الظاهرة وسط تأكيدات الخبراء والمنظمات العاملة في مكافحة الاتجار بالبشر, الذي يقابله اعتراف الجهات الرسمية بعدم الوقوف والتنسيق كما يجب نتيجة عوائق واقعية حدّت من تلك الجهود التي يأملون أن يقوموا بها على أكمل وجه, إلا أن العائق الأكبر الذي أجمع عليه الجميع تمثّل في عدم صدور قانون مكافحة الاتجار بالبشر المتواجد في أدراج البرلمان منذ سنتين ينتظر إطلاق سراحه ليكون سلاحاً في وجه تجار أعداء الإنسانية والحياة.. الكثير من الحقائق في طي هذا التحقيق الذي حاولنا من خلاله جاهدين معرفة ماهية وأسباب وظواهر هذه المشكلة ووضع الحلول لها من خلال المعنيين.. مستشفى القاهرة في الجمهورية المصرية رئيس المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر نبيل فاضل يؤكد بدوره أن منظمته رصدت خلال السنوات الماضية العديد من أنماط الاتجار بالبشر المنتشرة بشكل كبير في بلادنا والتي تواجدت في مناطق أمانة العاصمة النائية في السنينة, وجدر على خط المطار, وتواجدت بشكل كبير حسب الأعلى نسبة في محافظة عمران, ثم حجة, ذمار, تعز, الحديدة, إب, وريمة, وتمثّل ذلك في تجارة الأعضاء البشرية, والتي كما يبيّن كان لهم السبق في اكتشافها وإبلاغ الأجهزة الأمنية, مضيفاً قيامهم برصد أكثر من ألف حالة كان معظم ضحاياها من الفقراء المعدمين, وأن أكثر من 90 % من تلك الحالات تم استدراجها لصالح مستشفى في القاهرة، موضحاً أنهم من خلال عمليات الرصد والاكتشاف تمت معرفة أهم أعضاء تلك الشبكة من كبار الأطباء الأساتذة والجرّاحين والسماسرة, والذي اتضح أن ذلك المستشفى يدير أكبر شبكة في الشرق الأوسط للاتجار بالأعضاء البشرية, ويقوم بتجنيد كامل الضحايا السابقين وإغرائهم بمبالغ مالية تصل إلى 2000 دولار مقابل عودتهم إلى اليمن من أجل العمل على استدراج ضحايا جدد, وبذلك يصبح معظم الضحايا السابقين سماسرة جدداً لتلك الشبكة الإجرامية. بلاغ إلى مكتب الأممالمتحدة وبالرغم من قيام المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر كما يفيد بإبلاغ مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بواسطة ممثل الأمين العام, وكذلك الجهات الدولية والمحلية المتعلّقة بمكافحة الاتجار بالبشر ببلاغ رسمي محدّداً به المعلومات المتعلّقة بتلك الشبكة قبل أكثر من عام. تجاوز ل«5000» آلاف ضحيّة ويواصل رئيس المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر أن لديهم معلومات موثّقة تفيد أن عدد الضحايا الذين يتم استغلالهم وتسفيرهم إلى الخارج يتجاوزون عدد ال 5 آلاف ضحية, وأن العدد الفعلي هو أضعاف أضعاف ما يتم الإعلان عنه، وحول تساؤلنا عن استمرار ذلك الفعل الإجرامي رغم اكتشاف ذلك الوكر وتوافر المعلومات الكافية عن أفراد الضحايا والشبكة وأماكن تواجدهم, أجاب أن ذلك يتمثّل بدرجة أساسية في عدم صدور قانون مكافحة الاتجار بالبشر, وعدم وجود أي نصوص قانونية تعاقب مرتكبي جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية؛ ما يجهض جهود الأجهزة الأمنية التي سبق لها أن أحبطت بعض جرائم الاتجار بالبشر عندما أحالت إلى النيابة العامة أكثر من 200 قضية تم الإفراج عنها جميعاً لعدم وجود نص قانوني يجرّم تلك الظاهرة, وأتاح للمتاجرين الخروج والعمل من جديد, وشجّع بقية السماسرة على أن ينشطوا ويفلتوا من أي عقاب في ظل عدم وجود نصوص قانونية مجرّمة لأفعالهم, بالإضافة إلى الظروف التي تمر بها بلادنا في مختلف المجالات خاصة منها الاقتصادي والأمني, الذي وفّر بيئة خصبة لأن تظهر تلك الظاهرة ويستمر تجار البشر بممارسة نشاطهم الإجرامي, ملحقاً به الإمكانيات المادية التي قال إنها تمثّل عقبة كبيرة أمام جهود المنظمات الفاعلة في مكافحة الاتجار بالبشر, وإن وجد فهناك من يتلقّفه ممن لا توجد لديهم تراخيص أو يحبّون الظهور عبر إطلاقهم البيانات والمعلومات الخالية من الصحّة وينسبون جهود الآخرين إليهم, كما يبيّن أنهم ينتظرون خلال الأشهر القادمة صدور تقرير رسمي دولي من منظمة «هيومن رايت ووتش» التي تم تمكينها من قبل المنظمة من الجلوس مع العديد من الضحايا لديهم في المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر, متوقعاً أن يحدث ذلك التقرير عند صدوره صدىً واسعاً, وسيفتح تحقيقاً دولياً مع وكر الاتجار بالبشر، ولايزال يؤكد رئيس المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر نبيل فاضل أن التعاون بينهم وبين الأجهزة الأمنية لايزال نشطاً، فقد تمكنوا سوياً من إحباط المئات من تلك الحالات أثناء محاولة سفرها من مطار صنعاء الدولي إلى الخارج, مشيداً بدور الإعلام الذي ساعد على إخراج تلك الممارسات الخطيرة إلى السطح بينما كانت تدار في الخفاء. الكل مسؤولون لكن مدير الإدارة العامة لحقوق الإنسان في وزارة الداخلية العميد الركن عمر بن حليس يرى أن الاتجار بالبشر لم ترق بعد إلى الظاهرة ويعتبرها كحالة يرجو من الله أن تختفي، وألا تصل إلى ظاهرة «مستفحلة» مؤكداً أنه يجب في حالة البحث عن معالجة والوصول إلى نتيجة لمثل هذه الحالات ألا يتم البحث في المخرجات وإنما في الجذور. وعن ماهية الأسباب التي أدّت إلى بروز هذه الحالات, أوضح أنهم في الإدارة العامة لحقوق الإنسان بوزارة الداخلية بالرغم من حداثة إدارتهم إلا أنهم يسيرون بخطىً حثيثة لمواكبة ما هو مأمول منهم, ويقول إن وزارة الداخلية ليست هي المسؤولة, وليس فلان أو علان, وليس الإعلام مسؤول أو اللجان التي تشتغل في هذا الجانب هي المسؤولة؛ بل إن الجميع مسئولون ومعنيون بأن يهتمون بمحاربة هذه الحالات الإنسانية البحتة, مرجعاً أن تكامل العمل هو الذي سيوصل إلى الحلول والنتائج المرجوة, والتي لن تتأتى بالدعاء وإنما من خلال العمل التكاملي بين مختلف الجهات ذات العلاقة بما فيها منظمات المجتمع المدني أئمة المساجد والإعلام والجامعة والمدارس. قانون على طاولة البرلمان ويضيف بن حليس أن قانون مكافحة الاتجار بالبشر كغيره من القوانين التي لاتزال على طاولة مجلس النواب نتيجة الظروف التي مرّت بها اليمن خلال الأربع السنوات الماضية وأرجئت مناقشة هذا القانون, قائلاً: لكن رغم ذلك سيظل القانون قانوناً، ويصوّر الهاجس هاجساً مادمنا نناضل من أجل أن يرى النور رغم تلك الظروف التي لا أسمّيها سياسية وإنما ظروف نعدها امتحانات ربانية لليمنيين, والتي ستولّد من أرحام المحن المنح الإلهية, وهي منح جميلة قادمة لليمن إن شاء الله مشيراً إلى أهمية أن يرى قانون مكافحة الاتجار بالبشر النور, من خلال العمل الجاد ورفع أصوات العقل والأقلام الحرّة النظيفة المحبّة لليمن الأرض والإنسان, ليستطيع جهاز القضاء من خلاله أن يلعب الدور المناط به لوأد هذه الحالة وغيرها من الحالات والظواهر التي بدأت تهدّد أمن وسلامة الوطن والمجتمع, مبيّناً بالقول: إذا ظلّ الجميع يغرّد خارج السرب لغرضٍ ما؛ فإن كل عمل في هذا الاتجاه سيكون فاقداً لقيمته وجدواه لا لون له ولا نتيجة. افتقاد للمعلومات والبيانات مختتماً مدير الإدارة العامة لحقوق الإنسان في وزارة الداخلية العميد الركن عمر بن حليس التوضيح بأن إدارته تفتقد المعلومات والبيانات نتيجة حداثتها وعدم التواصل بينها وبين أجهزة إدارات الأمن في المحافظات قائلاً: أوجّه الدعوة عبر صحيفة «الجمهورية» إلى كل محافظات الجمهورية كونها معنية أن توافي الإدارة العامة لحقوق الإنسان عبر أي شكل من الأشكال التي تراها إدارات الأمن في المحافظات الأنسب لها لتعطينا معلومات وأرقاماً حقيقية لتشكّل لنا قاعدة بيانات إذا ما طُلب منا, حتى الآن لم نتسلّم في الإدارة العامة لحقوق الإنسان بلاغات أو شكاوى أو أرقاماً؛ لكنّا نسمع ونتابع ونسعى قدر الإمكان جاهدين إلى إظهار عمل الإدارة العامة لحقوق الإنسان ووزارة الداخلية بشكل عام. تسفير «200» حالة..!! ويرد رئيس المؤسّسة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر علي ناصر الجلعي في ذات السياق أن الجهات الأمنية لا تمتلك إحصائية دقيقة حول الاتجار بالبشر؛ غير أنه تم إلقاء القبض على متهم في الاتجار بالأعضاء البشرية في تاريخ 24 /6 /2010م, والذي اعترف لدى الأجهزة الأمنية قيامه بتسفير عدد 200 حالة, وأنهم ومن خلال المعلومات التي حصلوا عليها, فقد وجدوا أن عدد الحالات التي تم المتاجرة بها بلغت 1650 حالة, وأن ذلك الرقم كما يؤكد «غير دقيق» وربما أن عدد المائتين حالة كما قال تندرج ضمن ذلك الرقم الذي اعترف به المتهم..!!. القبض على متّهمَين في العام الحالي ويوضح الجلعي أن عدد قضايا الاتجار بالأعضاء البشرية وفق الإحصائية التي حصلوا عليها من البحث الجنائي بلغت منذ سبتمبر 2009م حتى فبراير 2013م عدد (87) قضية, وأنه تم القبض على 70 متّهماً وعدد 12 فارّين مطلوبين للعدالة, بالإضافة إلى عدد ست قضايا تمت إحالتها إلى القضاء ولم يصدر بحقها حكمٌ قضائي يعاقب المتهمين نتيجة عدم وجود قانون أو أحكام بالبراءة, مضيفاً أنه خلال هذا العام 2015م, أعلنت الأجهزة الأمنية القبض على عدد (2) متهمين كما يبيّن بأنهم لم يستطيعوا الحصول على تفاصيل تلك القضية, ويبيّن أن حالات الاتجار بالبشر تواجدت في أمانة العاصمة ومحافظاتعمران, حجة, صنعاء, تعز, وصعدة. توحيد الجهود مضيفاً أن هناك من يتحدّث عن 15 ألف حالة اتجار بالبشر في اليمن, ولذلك هو يرى الحاجة إلى توحيد الجهود الوطنية لمكافحة تلك الظاهرة وإعداد بيانات موحّدة دقيقة وواضحة ليتم التأكد من مكافحة هذه الجريمة, وسرعة إقرار مشروع قانون الاتجار بالبشر الذي مضى عليه حوالي السنتين مُذ أن أحالته الحكومة إلى البرلمان ووافقت عليه..!!. توسُّع وبالرغم من الجهود التي تقوم بها بعض المنظمات أو المؤسّسات المدنية إن وجدت لمحاربة ظاهرة الاتجار بالبشر؛ يظلُّ دورها محصوراً في الجانب التوعوي, وبصورة بسيطة كعامل مساعد للحكومة ليس إلا, كما يبينّ رئيس المؤسّسة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر أنهم لا يستطيعون القيام برصد حالات الاتجار بالبشر, أو تقديم العون المادي سوى القيام بالمناصرة وتقديم العون القانوني عبر متطوّعين لضحايا الاتجار بالبشر التي لم تعد مقصورة كما يفهما البعض بأنها بيع الإنسان لكليته أو تهريب الأطفال, وزواج الصغيرات, والاستغلال الجنسي؛ وإنما تعدّى ذلك إلى وجود حالات استعباد تم رصدها في بعض مناطق اليمن, والعمل القسري والسخرة للعمال, التي يرى أن في امتهان العمال في حد ذاته جريمة وعبودية القرن الحادي والعشرين, الذي يتمثّل عبر امتهان العامل في ظل الظروف الأمنية والسياسية التي تعيشها بلادنا واستغلاله للعمل 16 ساعة يومياً براتب يترواح بين (20 – 40) ألف ريال للذين يؤدّون عمل الورديتين من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة الحادية عشرة ليلاً, فضلاً عن تكثيف العمل إلى 20 ساعة أيام المواسم, وإجبارهم كما يؤكد بعد نزول مؤسّسته الميداني والالتقاء ببعض العمال العاملين في المنشآت خاصة المولات والمراكز التجارية الكبيرة التي يصل فيها العاملون إلى 200 عامل, وأفادوا أنه يتم إجبارهم بتوقيع أوراق لا يعرفون محتواها, ولا يتم توفير مياه الشرب والغذاء لهم طيلة ذلك الوقت الطويل الذي يتم قضاؤه مقابل مبلغ زهيد لا يكاد يغطّي مصاريف المواصلات والتي ينفق بعضم قرابة ال 500 ريال يومياً. تنسيق لتشكيل تحالف كما يتطرّق رئيس المؤسّسة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر إلى مخاطر اللجوء وهجرة اللاجئين الأفارقة إلى اليمن وتأثير ذلك على ظاهرة الاتجار بالبشر, وعجز المنظمات الدولية الإنسانية عن القيام بواجبها, والدور الضعيف لأداء الأجهزة الأمنية في الحدود البحرية, ما يخلق بيئة خصبة تسهّل عملية الاتجار التي جاء على خلفيتها إنشاء معسكرات احتجاز من قبل المجرمين وضعفاء النفوس في المناطق الساحلية التي يتم احتجاز الأفارقة فيها وبيعهم أو إطلاق سراحهم مقابل دفع فدية, مفيداًً أنهم يعملون وينسّقون على تشكيل تحالف أو تكتل أو شبكة لمنظمات المجتمع المدني لمكافحة الاتجار بالبشر كخطوة مهمّة وضرورية لتوحيد الجهود الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر. وزارة الشؤون الاجتماعية.. دور توعوي أما وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل فيقتصر دورها تجاه مكافحة الاتجار بالبشر على الجانب التوعوي ولا تستطع أن تقوم بعمل تنفيذي أو معالجة لمثل تلك الظواهر, كما أوضح لنا وكيل الوزارة لقطاع التنمية الاجتماعية -علي صالح عبدالله بالقول إن دور الوزارة بشكل عام هو التعريف والتوعية بهذه الظواهر والتأثيرات السلبية, وتشغيل المراكز الاجتماعية في اتجاه محاربة الظواهر الطارئة على المجتمع اليمني, مؤكداً أهمية وجوب توجيه جانب كبير من البرامج والمشاريع تجاه محاربة الاتجار بالبشر وتأثيراتها السلبية لتمثّل تلك المشاريع مساهمات إيجابية في مجال إيجاد تشريع وطني في محاربة هذه الظاهرة, وعدم الاكتفاء بالنصوص القانونية العقابية العامة لخلق حالة من التقدّم في اتجاه مكافحة الظاهرة. ويكشف ل«الجمهورية» وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لقطاع التنمية الاجتماعية أن لديهم نقصاً في المعلومات التي تخصّ الاتجار بالبشر وغيرها من الظواهر الطارئة أو السلبية, وعدم وجود قاعدة معلومات حول الظواهر الاجتماعية بشكل عام, لكنه يأمل من خلال جهودهم المشتركة مع الجهات الحكومية والمنظمات المدنية,أن يوفّر ذلك قدراً من المعلومات المتعلقة بهذه الظاهرة وغيرها من الظواهر الاجتماعية, مشيراً إلى أهمية وضرورة تنسيق الجهود المشتركة بين الجهات الحكومية والمدنية والقطاع الخاص والمنظمات الدولية ليتم التمكُّن من الحد لكل الظواهر السلبية التي طرأت على المجتمع اليمني, مبيّناً أن الأسباب التي ظهرت نتيجتها بعض الظواهر الغريبة والجديدة على المجتمع اليمني ومنها ظاهرة الاتجار بالبشر التي نتجت عن الأوضاع المتردّية للحالة المعيشية والفقر واستفحال بعض المشكلات الاقتصادية والاجتماعية مع مجموعة من المؤثّرات السلبية التي أصابت المجتمع وأدّت إلى ظهور هذه الظاهرة مع مواضيع أخرى تتعلّق ببيع الأعضاء, والعبودية الجديدة التي بدأت كما قال في الظهور من حالات الاسترقاق التي تم الوقوف عليها, وتهريب الأطفال والبشر عبر الحدود, والتي كانت لا تُعرف أيام زمان في المجتمع اليمني. آثار مدمّرة ومن وجهة النظر الأكاديمية التخصّصية وفق دراسة علمية منهجية قام بها أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء الأستاذ الدكتور حمود العودي عرض لنا الآثار المترتّبة على تلك الظاهرة من كل جوانبها وأبعادها الاجتماعية والنفسية والقيمية على المجتمع اليمني، حيث أوضح بعض الصّور المختلفة للاتجار بالبشر التي لا تقتصر على الاتجار بالأعضاء البشرية وإنما يدخل في مضامينها بصورة رئيسة تهريب الأطفال والعمالة الشاقة, والزواج السياحي, وانتقاص حقوق المرأة والفئات الهامشية, بادئاً حديثه عن الآثار الاجتماعية والنفسية المدمّرة لتهريب الأطفال ومسؤولية الدولة والمجتمع تجاه ذلك بقوله: الآثار النفسية والاجتماعية المدمّرة المترتبة على تهريب الأطفال إلى دول الجوار بطرق غير مشروعة وحملهم على القيام بمختلف الأعمال الشاقة وتحت أسوأ الظروف والمعاملة اللا إنسانية والمغيّبة عن أية رقابة أو قانون أو حماية لطفولتهم وإنسانيتهم, وما يقوم به سماسرة وتجّار البشر من المرسلين والمستقبلين أو البياعين والمنتشرين على الأصح داخل وخارج الحدود اليمنية، حيث يتم استغلال فقر وحاجة الكثيرين من أسر وأهل هؤلاء الأطفال وبعيداً عن موافقتهم ورغبتهم في كثير من الأحيان، وهو الأمر الذي يتوجّب على الدولة أولاً والأسرة ثانياً أن يقوموا بواجبهم في حماية طفولة اليمن من الهدم والتشرُّد وتجارة البيع والشراء بحياتهم وطفولتهم، والتي لا تتوقف آثارها الاجتماعية السيّئة على طفولتهم فحسب؛ بل تمتد إلى التأثير على مستقبل حياتهم كلها, مبّناً أن عمالة الأطفال الشاقة هي إضاعة وتدمير لحاضر ومستقبل اليمن, فالتبعات الاجتماعية والدينية المترتّبة على استمرار تفشّي عمالة الأطفال الشاقة لا تتوقف عند مجرد حرمانهم من طفولتهم والتعجيل بشيخوختهم قبل الأوان وحرمانهم من حق الانتماء إلى هويّة ومواطنة العصر, بل حرمانهم من التعليم أو الانقطاع عنه في المراحل الأولى, كون التعليم اليوم لم يعد امتيازاً اجتماعياً بقدر ما صار ضرورة موضوعية وشرطاً مسبقاً لحق الانتماء إلى مجتمع العصر الذي لم يعد فيه مكان لأميّة الكمبيوتر وتقنية المعلومات, وهؤلاء الأطفال لايزالون يرزحون تحت وطأة الأميّة الأبجدية, التي لايزال يعانيها أكثر من 60 % من السكّان وحوالي 40 % من الأطفال الذين لا يجدون طريقهم قط إلى المدرسة, فضلاً عمّن يغادرها في السنوات الأولى للمرحلة الأساسية من التعليم. الزواج السياحي..!! أما التجارة الأخرى للبشر فتتمثّل في «الزواج السياحي» الذي يورد أستاذ علم الاجتماع مخاطره على قيم وأخلاقيات الأسرة اليمنية ومسؤولية الدولة والمجتمع في الحد من ذلك, بإشارته إلى الآثار والتبعات الاجتماعية الخطيرة والمدمّرة لقيم وأخلاقيات الأسرة اليمنية بأمومتها وأبوّتها الإسلامية والاجتماعية الأصيلة والتي تهدّد وتدمّر اليوم من خلال تفشّي وتزايد ما صار يُعرف ب«الزواج السياحي» لأثرياء وشواذ الجنس المنحرف، سواء أكانوا من القادمين من الخارج أم الصاعدين من الداخل، والذين يستغلّون بأموالهم الملوّثة فقر وحالة البسطاء في الريف والمدن ببيعهم صغار الفتيات البريئات مقابل إغراء المال الحرام تحت مظلّة شرعية الزواج غير المشروع الذي لا يتعدّى مجرد إشباع نزواتهم الشاذّة لشهر أو شهور معدودة وتُرمى بعدها الضحية في ماخور سياحي أو شقّة مهجورة أو على قارعة الطريق بعد أن خُدعت بمفردها أو مع أهلها بحياة زوجية شريفة، وهو الأمر الذي يراه أستاذ علم الاجتماع بأنه يتوجّب على الدولة والأجهزة المختصة وأرباب الأسر وأولياء الأمور بالدرجة الأولى أن يتّقوا الله في أولادهم وبناتهم وأعراضهم وكرامتهم, وألا يُلقوا بفلذات أكبادهم في مواقع الشُبهة والضّياع تلك بقصد أو دون قصد مقابل نزر من المال الحرام والملوّث. جريمة دينية وإنسانية أما تبعات تجارة الأعضاء البشرية غير المشروعة فيعلّق عليها أستاذ علم الاجتماع بأنها آخر مستجدات تجارة البشر في اليمن وغير اليمن كجريمة دينية وإنسانية تجب محاربتها على الرغم من أنها ليست خطأً أو شرّاً بحد ذاتها، كما يوضّح بأنها تتعلّق بحرمان إنسان من أحد أعضائه من أجل حياة إنسان آخر وهو ما يمكن القبول به لكن الجُرم في سرقة الأعضاء دون علم صاحبها أو استغلال حاجته وفقره باقتطاعها منه بثمن بخس وبمعزل عن أي قانون أو نظام اجتماعي، وهي القاعدة العامة التي يؤكد أنها لاتزال تحكم ذلك الجرم المتعلّق بتجارة الأعضاء البشرية بكل ما يترتّب عليها من انتهاك حقوق الإنسان الجسدية إما بالسرقة المباشرة أو الاستغلال غير المشروع وبكل ما يترتّب على ذلك من تدمير نفسية المسروق وأهله أو المكره تحت وطأة الحاجة والخديعة، وهو الأمر الذي يتوجّب معه على الدولة إيجاد قانون صارم ينظّم هذه الظاهرة “المشكلة” بما يضمن الحماية من السّرقة وعدم الاستغلال تحت أية ذريعة وتعزيز القيم الإنسانية والأخلاقية المتعلّقة بالتضحيّة من أجل الآخر. العنف والثأر كأصناف للظاهرة كما أن العنف والثأر يصنّفهما أستاذ علم الاجتماع في إطار الاتجار بالبشر كأحد صنوف الظاهرة والمتعلّقة “بالأتباع والمرافقين” وعصبيات العنف السياسي والعسكري من الجنود غير المجنّدة للكثيرين من المتنفّذين على الحقوق العامة والخاصة والذين يدفعون بالكثيرين من الأبرياء المتمنطقين بالسلاح من حولهم في الطرقات والأسواق وعلى الأبواب وبأشكال مقيتة تثير الاشمئزاز ،لا لمجرد فرض سطوتهم المستهجنة على الغير وفرض الباطل على الحق فحسب، بل الدفع بهم كما يقول في كثير من الحالات إلى الانتقام من الغير نيابة عنهم أو الموت دونهم لأتفه الأسباب، تحت وطأة أوهام رجولة العصبية الجاهلية بالثأر أو الطائفية والعقائدية الظلامية بوهم “الاستشهاد” في سبيل الله والذي هو سبيل الشيطان لا سبيل الرحمن, ويصبح الكل عبارة عن تجارة ضحايا من البشر الأبرياء الذين يتسلّم ثمنهم تجار البشر الأثرياء من وراء الستار وبصورة مباشرة وغير مباشرة. انتقاص حقوق المرأة والفئات الهامشية منتقلاً الدكتور العودي في تحليله إلى أن ظاهرة الاتجار بالبشر لا تقتصر على ما تم ذكره؛ بل يدخل في نطاقها انتقاص حقوق المرأة والفئات الهامشية الذي يمثّل انتقاصاً لأحكام الدين وحقوق الإنسان التي على الرغم من كل الجهود الرسمية والأهلية المتعلّقة بتغيير وتحسين أوضاع وحقوق المرأة والفئات المهمّشة على الصعيد الرسمي والتشريعي؛ فإن الأمور لاتزال دون الحدود المقبولة على صعيد التطبيق العملي والممارسة الاجتماعية؛ بدءاً بالسّفه والمبالغة غير المقبولة لا عقلياً ولا دينياً ولا إنسانياً بالنسبة للمهور وحفلات الزواج التي حوّلت المرأة إلى مجرّد سلعة في المزاد العلني المباشر وغير المباشر, ومظاهر الإسراف ونفقات القاعات والحفلات التي تجعل من إمكانية تكوين الأسرة بالنسبة للفقراء متوسّطي الحال من الشباب أمراً شبه مستحيل، كما أن ما تتلقّاه الفئات المهمّشة الأخرى من الأخدام وغيرهم من حالة العزل والتهميش الاجتماعي المشين الذي يرقى إلى مستوى التفرقة العنصرية والسلالية ويجعل من هذه الفئات التي تقدم أجَل الخدمات في المجتمع مجرد بشر لا يستحقّون أي احترام وليس لهم قيمة اجتماعية؛ الأمر الذي يتوجّب على المجتمع بشكل عام والفئات المهمّشة نفسها والمرأة بشكل خاص أن يناضلوا ويدافعوا عن حقوقهم التي يكفلها الدين والدستور والقانون، وألا ينتظروا من يمُن عليهم بمثل هذه الحقوق من غيرهم، أو من يردّها ممن يقوم بمصادرتها على حسابهم؛ لأنه لا يمكن أن ينصر على حق من لا ينتصر لنفسه أولاً, ولا يقبل أي منهم أن يظل مجرّد سلعة للبيع والشراء أو مكان للسُخرية والازدراء..!!. [email protected]