حملت نتائج الانتخابات التشريعية الإسرائيلية التي أجريت الثلاثاء مفاجأة كبيرة لرئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتانياهو وتحالفه اليميني الذي رجحت استطلاعات الرأي حتى آخر لحظة، هيمنته على الكنيست في دورته المقبلة. فقد أظهرت نتائج الانتخابات حصول قوى اليسار المعتدلة (تسمى الوسطية في إسرائيل)، وعلى رأسها حزب يش عتيد (هناك مستقبل) والأحزاب العربية على 60 من أصل 120 مقعدا في الكنيست، لتنافس بذلك قوى اليمين وفي مقدمتها تحالف الليكود بزعامة نتانياهو وإسرائيل بيتنا بزعامة أفيغدور ليبرمان. تنازلات سياسية ورغم أن نتانياهو سيتولى، على الأرجح، تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، إلا أن النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة ستضعف نفوذه وقدرته على تمرير قوانين وتشريعات تميل في طابعها إلى اليمين. وسيكون على نتانياهو الذي حصل تحالفه الليكود-بيتنا على 31 مقعدا مقارنة ب42 في الكنيست السابق، التفاوض مع الأحزاب اليسارية المعتدلة لتشكيل تحالف حكومي واسع يجنب إسرائيل الدخول في خندق الأزمات السياسية العالقة. وبالفعل، أبدى نتانياهو رغبته في تشكيل "أوسع حكومة ممكنة"، وأجرى بعد الاطلاع على نتائج الانتخابات فجر الأربعاء اتصالات هاتفية مع رؤساء الأحزاب الرئيسية بغية تشكيل حكومته الجديد. جدير بالذكر أنه على رئيس الوزراء تشكيل حكومته الجديدة في غضون أسبوعين بعد إعلان نتائج الانتخابات رسميا. لكن تشكيل تحالف حكومي يضم قوى اليسار الصاعدة، يعني أن على نتانياهو أن يكون مستعدا لتقديم تنازلات سياسية لإرضاء خصومه الجدد في الكنيست. ويرى مراقبون أن الخريطة السياسية الجديدة قد تجبر نتانياهو على اتباع سياسات أقل تشددا في المرحلة المقبلة، خصوصا بالنسبة لعمليات الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية وقيام دولة فلسطينية مستقلة تشاطر الدولة العبرية الحدود والعلاقة مع الولاياتالمتحدة، إضافة إلى السياسية الخارجية لإسرائيل. هل تغيّر الخريطة السياسية الجديدة موقف الدولة العبرية إزاء القضية الفلسطينية؟ فلسطين بين اليمين واليسار ويعارض التحالف اليميني ونتانياهو الذي يعد من الصقور، انسحابا إسرائيليا من الضفة الغربية وتقسيما للقدس، كما يعارض قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح دون التوصل إلى اتفاق سلام من الفلسطينيين. وقد كان شعار نتانياهو الدائم هو أن إسرائيل لن تتنازل أبد لا بشأن "أمنها" ولا بشأن الإصرار على الاعتراف بها "كوطن قومي لليهود". وفي المقابل، تدعم معظم قوى الوسط واليسار بطريقة أو بأخرى استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين أو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، حتى أن بعضها يدعو إلى انسحاب إسرائيلي من الضفة الغربية. وتضمن قوى اليسار عدة أحزاب وحركات، من بينها يش عتيد بزعامة النجم التلفزيوني السابق يائير لابيد وحزب الحركة بزعامة تسيبي ليفني والعمل وميريتس والقائمة العربية الموحدة والتجمع الديمقراطي العربي وحداش. الموقف الفلسطيني لم يبدي الفلسطينيون قبل الانتخابات تفاؤلا إزاء فرص السلام مع إسرائيل التي يتهمون حكومتها بتوسيع عمليات الاستيطان. وقال سياسيون ومراقبون فلسطينيون إن استمرار عمليات الاستيطان في السنوات الأربع المقبلة سيقضي من الناحية العملية على أي فرصة للتسوية وبالتالي لإقامة دولة فلسطينية. وتعليقا على نتائج الانتخابات، قالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي إن الفلسطينيين لا يتوقعون تشكيل "ائتلاف للسلام" في إسرائيل، رغم صعود أحزاب الوسط واليسار. وقالت عشراوي للصحافيين في رام الله إنها لا تتوقع أن تزيد فرص السلام بين الجانبين بشكل كبير فجأة، حسب قولها، وأضافت "سيكون أمرا صعبا للغاية خاصة إذا قام نتانياهو بالانضمام إلى ما تسمى بالأحزاب المعتدلة، مما سيجعله مقبولا أكثر لباقي العالم وسيكون هنالك رغبة في إعطائه مجالا أكثر وسوف يحسن صورته في الغرب". وأفادت عشراوي بأنه "استنادا إلى المشاريع الاستيطانية المعلنة في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة فإنني لا أرى ائتلافا سيقوم بإلغاء هذه الخطط والخطوات على الأرض". الخطر الإيراني ويرى نتانياهو، وهو حفيد حاخام وابن مؤرخ متشدد، في إيران "العمالقة" الجدد، أعداء اليهود في التوراة، ويشبه التهديد النووي الإيراني بالمحرقة. وحذر نتانياهو في تصريحات صحافية سابقة من أن "الربيع العربي يمكن أن يتحول إلى شتاء إيراني"، لكن مواقفه إزاء إيران تحظى بمعارضة بعض القوى في الداخل الإسرائيلي. ووصل الخلاف بشأن هذه القضية لدرجة تنديد الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي (شين بيت) يوفال ديسكن في خطاب ألقاه مؤخرا ب"زعامة تتخذ قراراتها على أساس أوهام إلهية". وقال ديسكن "صدقوني، لقد راقبت عن كثب هؤلاء الأشخاص (نتانياهو ووزير دفاعه أيهود باراك) ولا اعتقد أنهم على المستوى الكافي للفوز في حرب مع إيران. إنهم أشخاص لا أتمنى أن يكونوا في موقع القيادة خلال حدث كهذا". ورغم ذلك، يحظى بنيامين نتانياهو بشعبية بين الإسرائيليين، خصوصا بعدما نجح في الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وإقامة علاقة سلسة مع الكونغرس الأميركي وإبعاد بلاده عن تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية. الأرقام الرسمية لنتائج الانتخابات وحسب الأرقام التي أصدرتها اللجنة الانتخابية الأربعاء بعد فرز أكثر من 99 في المئة من الأصوات، حصلت القائمة المشتركة لليكود وحزب إسرائيل على 31 مقعدا. أما حزب يش عتيد اليساري المعتدل، فحل في المرتبة الثانية بحصوله على 19 مقعدا، متقدما على حزب العمل الذي فاز ب15 مقعدا. ومن بين الأحزاب الأخرى التي تعتبر بمثابة حلفاء طبيعيين لنتانياهو، حصل البيت اليهودي، التنظيم القومي الديني الذي يمثل المستوطنين بزعامة نفتالي بينيت، على 11 مقعدا، فيما فاز الحزبان الأرثوذكسيان المتشددان شاس للسفارديم ويهودية التوراة الموحدة للاشكناز ب11 مقعدا وسبعة مقاعد على التوالي. أما حزب الحركة الوسطي العلماني الجديد والذي ركز حملته على تحريك عملية السلام مع الفلسطينيين، فحصل على ستة مقاعد، مقابل ستة لحزب ميريتس اليساري و12 للأحزاب العربية ومقعدان لكاديما.