تعز.. مسلحون على متن أطقم عسكرية يعتدون على محكمة ويختطفون ضابط أمنها    مجلة أميركية: الحوثيون يستغلون تجارة الكبتاجون المخدر في تمويل عملياتهم العسكرية    شهداء وجرحى بقصف إسرائيلي استهدف دير البلح وسط قطاع غزة    تدشين فعاليات وانشطة الاحتفاء بالمولد النبوي بذمار    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يعزي في وفاة المخرج الإذاعي سعيد شمسان    السامعي والخطاب التصالحي الوطني    الأرصاد الجوية تحذّر من أمطار رعدية في عدة محافظات    شرطة مأرب تضبط كمية من مادة الحشيش قادمة من مناطق المليشيا    تعزيزات مرتبات شهر يونيو 2025    رئيس جامعة إب يتفقد سير الأداء بكلية العلوم التطبيقية والتربوية والكلية النوعية بالنادرة والسدة    لقب تاريخي.. ماذا ينتظر باريس وإنريكي في أغسطس؟    تعز تتهيأ مبكرا للتحضير للمولد النبوي الشريف    مناقشة الإعداد والتجهيز لإحياء فعاليات ذكرى المولد في إب    سعد بن حبريش.. النار تخلف رمادا    عدن .. البنك المركزي يحدد سقف الحوالات الشخصية    في السريالية الإخوانية الإسرائيلية    السقلدي: تحسن قيمة الريال اليمني فضيخة مدوية للمجلس الرئاسي والحكومات المتعاقبة    مفاجأة مونتريال.. فيكتوريا تقصي كوكو    سمر تختتم مونديال السباحة بذهبية رابعة    أيندهوفن يتوج بلقب السوبر الهولندي    جياع حضرموت يحرقون مستودعات هائل سعيد الاحتكارية    من المستفيد من تحسن سعر العملة الوطنية وكيف يجب التعامل مع ذلك    صومالي وقواذف وقوارير المشروبات لإغتصاب السجناء وتعذيبهم في سجون إخوان مأرب    وادي حضرموت يغرق في الظلام وسط تصاعد الاحتجاجات الشعبية    فضيحة الهبوط    "الوطن غاية لا وسيلة".!    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    العالم مع قيام دولة فلسطينية    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    جحيم المرحلة الرابعة    لمناقشة مستوى تنفيذ توصيات المحلس فيما يخص وزارة الدفاع ووزارة الكهرباء..لجنتا الدفاع والأمن والخدمات بمجلس النواب تعقدان اجتماعين مع ممثلي الجانب الحكومي    العلامة مفتاح يحث على تكامل الجهود لاستقرار خدمة الكهرباء    في خطابه التعبوي المهم قائد الثورة : استبسال المجاهدين في غزة درس لكل الأمة    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    لجنة أراضي وعقارات القوات المسلحة تسلم الهيئة العامة للأراضي سبع مناطق بأمانة العاصمة    ألغام في طريق الكرامة    إعلان قضائي    مرض الفشل الكلوي (15)    الرئيس المشاط يعزّي مدير أمن الأمانة اللواء معمر هراش في وفاة والده    من بائعة لحوح في صنعاء إلى أم لطبيب قلب في لندن    اتحاد إب يظفر بنقطة ثمينة من أمام أهلي تعز في بطولة بيسان    عدن وتريم.. مدينتان بروح واحدة ومعاناة واحدة    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    اجتماع يقر تسعيرة جديدة للخدمات الطبية ويوجه بتخفيض أسعار الأدوية    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب "انتقام الجغرافيا"

يأتي كتاب "انتقام الجغرافيا" على نحو ما تذهب إليه جمهرة النقاد الأميركيين، بمثابة مذكرة دفاع ضد منطق العولمة، الذي يتصور
التاريخ: 06 يناير 2013
يأتي كتاب "انتقام الجغرافيا" على نحو ما تذهب إليه جمهرة النقاد الأميركيين، بمثابة مذكرة دفاع ضد منطق العولمة، الذي يتصور أن العالم في طريقه إلى أن يصبح كيانا واحدا أو إطارا موحدا ومجردا من أوجه التمايز القومي أو الوطني أو الثقافي. والكتاب الصادر أخيرا يؤكد على أن عوامل الجغرافيا التي تشمل الموقع البري أو البحري، تضم كذلك عناصر المناخ وما يتبعها من أنشطة الري والزراعة أو التعامل مع شجيرات الاستبس أو أشجار الغابات بكل انعكاسات هذه العناصر الجغرافية على علاقات الدول وأيضا على سلوكيات البشر. من هنا يحمد «جيمس هوغ» المستشار في مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة للمؤلف روبرت كابلان أنه استخدم منهج التركيز على الجغرافيا، وليس التاريخ على نحو ما درج عليه المحللون السياسيون لكي يوضح كيف أن الجغرافيا أدت إلى صياغة وتشكيل ملامح العالم الراهن الذي نعيش فيه بقدر ما سوف تؤدي، على نحو ما يذهب المؤلف أيضا ، إلى صياغة معالم المستقبل فضلا عن أن المؤلف كما يضيف «جيمس هوغ» كذلك- لم يكتف بالإحالة إلى المراجع أو إلى الكتب والدراسات التأسيسية بكل أهميتها الموضوعية، وإنما جاء كتابه محصلة 30 عاماً من البحث العلمي ومن السفر المتواصل في محاولة منهجية بحق لمتابعة المنجزات البشرية والنزاعات التي اندلعت بين الكيانات المختلفة عبر اختلاف العصور، وهو ما زود الكتاب بمنظور مبتكر في التعامل مع التحولات الجذرية على ما برحت تطرأ على عالمنا.
الذين يجهلون أو يتجاهلون- التاريخ جديرون بأن يكرروا أخطاءه، وبالمقياس نفسه فالذين ينسون أو يتناسون الجغرافيا لن يتخلصوا قط من تأثيرها.
وبصرف النظر عن حكمة مثل هذه الأقوال، فالشاهد هو أن التاريخ يمكن أن تتغير مساراته بالسلب أو بالإيجاب لأن التاريخ في التحليل الأخير هو من كسب البشر ، أما الجغرافيا فلا سبيل إلى تغيير معالمها لأن الجغرافيا في التحليل الأخير تمثل عنصراً ثابتا ، بل نقول أزليا من فطرة الخلق وصنع الطبيعة.
وكم سالت أنهار من الكتابات حول مسارات ومصائر التاريخ ، دون أن تلقي الجغرافيا بكل ما تحفل به من تضاريس وطوبوغرافيا وأنماط مناخية وتكوينات في البر والبحر وفي السهل والجبل ما تستحقه من اهتمام.
وكم تعدت دراسات التاريخ على أبعاد الجغرافيا، فالذين تدارسوا هزيمة نابليون بونابرت في روسيا ومن بعده هزيمة جنرالات هتلر في البلد الأوروبي الآسيوي المذكور أعلاه، والذين تدارسوا هزيمة الأسكندر المقدوني الأكبر في شبه الجزيرة الهندية، والذين تدارسوا هزيمة جيوش الفاتح الفارسي قمبيز في مناطق الصحراء الكبرى ، دعك من الذين تدارسوا هزيمة الجيوش الأميركية بجلالة قدرها في أدغال جنوب الشرق الآسيوي ، وليس صدفة أن حملت هذه المغامرة العسكرية الأميركية بكل جبروتها وصفاً ما زال يشكل جرحا في العقل الجمعي والنسق السيكولوجي لعامة الأميركيين والوصف يتألف بداهة في عبارة من كلمتين وهما: مستنقع فيتنام، كل هؤلاء وكل أولئك تصوروا أنهم يؤرخون لهؤلاء الغزاة أو الفاتحين ، ابتداء من الفرنسي بونابرت وليس انتهاء بالألماني هتلر في روسيا أو الأميركي وستمورلاند في فيتنام.
وليس ذلك صحيحا، أو فلنقل دقيقا والأصح والأدق أنهم إنما كانوا يرصدون التأثير البالغ الخطورة لذلك العامل الذي ظل موضع تجاهل على مر العصور وهو عامل الجغرافيا العامل الذي أراد أن يثبت ذاته ويؤكد تأثيراته وكأنما صمم على أن ينتقم لنفسه بعد هذا التجاهل المتعمد والطويل. وهذا هو بالضبط المحور الأساسي الذي تدور عليه طروحات هذا الكتاب الطريف من حيث المحتوى والأسلوب، وقد صدر في شهر أكتوبر الماضي ليتصدر قائمة أكثر الإصدارات مبيعا في عام 2012.
عن كابلان
مؤلف الكتاب صحافي مقتدر وباحث مفكر، تعود منه القراء أن لا يقتصر أمر إصداراته وكتبه العديدة على مجرد الاطلاع على البحوث والكتابات أو المراجع، ولكنه يعمد دائما إلى أن يجمع بين منهج البحث المكتبي وبين منهج المعايشة للمادة الميدانية المستقاة من مفردات الواقع الحي الطازج المُعايش.
من هنا تعددت اهتمامات مؤلفنا «روبرت كابلان» بقدر ما تعددت زياراته الميدانية سواء إلى الشرق الأوسط العالم العربي، أو إلى شبه القارة الهندية أرض الأعاصير الموسمية المونسون كما يصفها «كابلان» أو إلى ربوع البلقان أو غيرها من مناطق العالم التي تتعدد على صعيدها معالم الجغرافيا ومسارات التاريخ.
ويبدو أن مؤلف هذا الكتاب قد بدأ بوضع الخارطة أمام عينيه، وأسلم نفسه إلى قدر لا بأس به من التأملات في محاولة كما نتصور لقراءة (بالأدق استشراف) المستقبل على أساس من الواقع ومن منظور العامل الجغرافي الذي ارتآه «كابلان» حاسما فيما يواجه العالم من عراقيل وما يحل به من مشكلات.
وفي ضوء هذا كله نستطيع أن نتفهم العنوان الرئيسي لكتابنا، وهو: انتقام الجغرافيا بقدر ما نصل على نحو أو آخر إلى فهم العنوان الفرعي للكتاب ، وهو كما يلي: ماذا تقول لنا الخارطة عن شكل الصراعات المقبلة، والمعركة المرتقبة في مواجهة المصير.
يتألف هذا الكتاب من ثلاثة أبواب رئيسية تعكس في مجموعها الاهتمام الثلاثي، كما قد نسميه من جانب مؤلف الكتاب:
(1) الباب الأول يحمل عنوان «أصحاب الرؤى» بمعنى الصفوة من المفكرين الذين شغفوا بالجغرافيا درسا وكتابة وبحثا وتحليلا.
(2) الباب الثاني يحمل عنوان «أول خارطة لمطالع القرن الواحد والعشرين».
(3) الباب الثالث الأخير يحمل عنوان «مصير أميركا»
من الحاضر إلى المستقبل
والمعنى كما نراه هو أن روبرت كابلان يبدأ بالدرس والاستعراض الفكري لما سبق في مضمار وعي الجغرافيا، ويتحول إلى استشراف مستقبل الحقبة الأقرب إلى زماننا من هذا القرن الجديد ، ثم يختم صفحات كتابه بالتركيز على ما ينتظر وطنه الأميركي في تلك الحقبة في مستقبل الأيام.
في الباب الأول ويضم 8 فصول يأخذ القارئ في جولة كما يقول عنوان الفصل الاستهلالي- من البوسنة إلى بغداد في تلميح إلى مشكلة الأكراد في شمالي العراق.
وعلى مدار هذا الباب يعرض المؤلف إلى نظريات أهم مفكري علم الجغرافيا السياسية (الجيوبوليتيكا) في زماننا، وفي مقدمتهم بطبيعة الحال كل من «هالفورد ماكيندر» و «أرنولد توينبي» و «هاردي ماكنيل»، وموضحا في هذا السياق كيف جاءت أفكار هذه الصفوة من العلماء لتوضح بجلاء مدى تأثير حقائق الجغرافيا على وقائع التاريخ.
في السياق نفسه يسجل لمؤلفنا أنه حرص على تفنيد علمي لمصطلح وظاهرة «العولمة». وبرغم ما سبق إليه علماء كثيرون من تفنيد فكرة تحول العالم تحت شعار العولمة إلى كيان واحد أو موحد وكان في مقدمتهم المفكرون الكنديون الذين كان من ثمرات جهودهم تلك الدراسة الحافلة التي حملت عنوان «انهيار العولمة وإعادة اختراع العالم» (صدرت ترجمتها العربية في عام 2010 لكاتب هذه السطور) إلا أن روبرت كابلان يضيف موضحا أن العولمة لا تعني تناسي أو تجاهل حقائق الجغرافيا من حيث مساحات الدول وتكوينات الطبيعة وحقيقة كون الدولة ساحلية أو مغلقة بمعنى محصورة في كتلة اليابسة بغير سواحل فضلا عن حقائق خطوط الطول والعرض التي تحدد بداهة نمط الطقس وطبائع المناخ وهو ما ينعكس بدوره على أساليب الكسب وعوامل الإنتاج بل وطبائع وسلوكيات البشر في بعض الأحيان.
شيء من النقد الذاتي
هنا يرصد البروفيسور «فرنانديز أرمستو» ملمحا جديرا بالاعتبار سواء في مواقف المؤلف أو في طروحات هذا الكتاب. لقد سبق لكاتبنا، روبرت كابلان أن كان من غلاة المتحمسين في حقبة بوش الابن المنصرمة لغزو العراق. لكن ها هو كابلان، وليس غيره يذهب، في إطار نزعة أقرب إلى النقد الذاتي، أي إلى تخطئة الساسة الأميركيين الذين عمدوا في حقبة ما بعد الحرب الباردة إلى تجاهل حقائق الجغرافيا، رغم كونها حقائق دامغة وثابتة بكل المقاييس بل أنه يعزو إلى هذا التجاهل للجغرافيا حقيقة الفشل الذي لاحق أميركا في عملية غزو العراق بكل ما تكبدته من خسائر وتكاليف.
من هنا يصف البروفيسور «أرمستو» هذا التغيّر في موقف المؤلف بأنه أمر كريم ويستحق التقدير والاهتمام سواء اتفقنا معه أو اختلفنا وإن كنا نتفق بداهة مع ما يدعو إليه من أهمية وعي أبعاد الجغرافيا وتعلم دروسها ، أو فلنقل اتقاء غضباتها أو تحاشي انتقامها ، وهو ما يوصف بما تصفه سطور كتابنا على النحو التالي: محو الأمية الجغرافية.
وتلك عملية تشهد بالطبع على وعي الدروس المستفادة من عملية الربط بين الجغرافيا والتاريخ ، أو بين الأرض والبشر، وهنا يمضي الكتاب على امتداد الفصول من الحادي عشر إلى الرابع عشر في تحليل علاقات الدول المحورية في آسيا بالذات بالحقائق الجغرافية السائدة في تلك الدول. وفي هذا المضمار يحاول المؤلف أن يستقي دروسا مستفادة، منها مثلا أن غلبة طبيعة الاستبس أو أرض الحشائش والشجيرات في الرقعة الآسيوية من روسيا بكل قسوة مناخها كانت في تصوره عاملا أضفى نزعة الخشونة على سكانها لدرجة أن نجمت بين صفوفهم أجيال من الرجال المطبوعين على القسوة إلى درجة التدمير. المنهج نفسه يطبقه الكتاب على مناطق أخرى من خارطة عالمنا وخاصة في ضوء تطبيقه لعوامل محورية في هذا النسق الجغرافي ويأتي في مقدمتها درجة الحرارة (أو البرودة) وتواتر أنواء الطقس ومساحات الأرض التي ينالها هذا الشعب أو تلك الأمة، وبالذات الحيز القابل للزراعة وإنتاج الغذاء اللازم لاستمرار الحياة ، مع ما يتصل بذلك على نحو ما يوضح هذا الكتاب أيضا من موارد الطاقة وتوافر الثروة المعدنية.
اهتمام بساحة أوراسيا
وفيما انداحت السياحة الفكرية الجغرافية حتى لا ننسى التي قام بها المؤلف عبر فصول كتابنا إلى حيث اهتمت بالذات بالكتلة القارية الواصلة بين أوروبا وآسيا (أوراسيا كما يسمونها) فلم يكن للمؤلف بحكم تعدد اهتماماته أن يتجاهل منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط.
وفي هذا السياق يتوقع المؤلف ومن منظور جغرافي في الأساس أن تعود منطقة البحر الأبيض المتوسط، سواء من شرقها الشاميّ كما نسميه أو من جنوبها العربي الإسلامي الواصل من مصر إلى موريتانيا لكي تصبح كما يعبر كابلان- همزة الوصل التي تربط بين جنوبي أوروبا وشمالي أفريقيا، على نحو ما كانت عليه هذه المنطقة المتوسطية في زمن العالم القديم ، ومن ثم تتحول المنطقة المذكورة في تصور مؤلفنا من كونها في مراحل سبقت (من القرن العشرين) حدا فاصلا بين مناطق شمال أفريقيا (وطابعها العربي الإسلامي) وبين القوى الإمبريالية (فرنسا إيطاليا إسبانيا إنجلترا .. الخ) التي طالما تعاملت مع تلك الأقطار المتوسطية بوصفها كيانات كولونيالية خاضعة على مدار عقود للسيطرة والنفوذ الاستعماري. في هذا المضمار أيضا تقول البروفيسور «أن ماري سلوتر»، أستاذ علم السياسة والشؤون الدولية بجامعة برنستون المرموقة ومديرة التخطيط السياسي بالخارجية الأميركية خلال الفترة 2009-2011 إن هذا معناه أن أرض الزيتون والكروم (البحر المتوسط في شماله وشرقه وجنوبه) من شأنها أن تعود لتصبح من جديد جماعة اقتصادية وثقافية قد تستمد قدراتها من وجود احتياطيات هائلة من النفط والغاز الطبيعي الكامن تحت سطح شمالي وشرقي البحر الأبيض المتوسط. في الباب الأخير وهو يضم فصلا واحدا هو الرابع عشر من فصول هذا الكتاب يخص المؤلف بالاهتمام ما يصفه بأنه مستقبل ، (أو مصير) أميركا وهو يطل كذلك على هذا المستقبل أو المصير من منظور العامل الجغرافي الذي يعتمده، على نحو ما أسلفنا عبر صفحات هذا الكتاب.
هنا يتوقع الكتاب صراعات أو نزاعات تشتبك فيها أميركا سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، هنا أيضا يتوقع الكتاب أن تدخل أميركا في نزاع يصفه بأنه «معنوي» أو «أدبي» أو «أخلاقي» وقد نقول إنه «سياسي» بصورة أو بأخرى مع الصين ، لماذا؟
لأن الصين في تصور مؤلفنا- لا تستطيع أن تطعم سوى نسبة 23 في المئة من سكانها ومن واقع رقعة من الأرض لا تزيد مساحتها المزروعة على 7 في المئة، وهو ما يدفع الصين بالضرورة إلى أن تلتمس موارد وإمكانات من خارج حدودها ، فإذا بها تستمد موارد الطاقة والمعادن والغذاء من نظم وحشية للحكم في أقطار من قبيل بورما أو زمبابوي أو غيرها، وهو ما يزج بها في ذلك النزاع المعنوي مع الولايات المتحدة ،التي يؤكد كابلان أن بات من واجبها التركيز في سياساتها الخارجية، لا على الشرق الأوسط وعلى الصراعات المندلعة في مواقع مثل أفغانستان ، أو باكستان أو العراق، كما أن على أميركا كما يصر روبرت كابلان أن تتطلع إلى حيث حدودها في الجنوب إلى ما يدور أساسا في ربوع المكسيك التي يصفها بأنها بلد أصبح على حافة الخطر، حيث يوشك بأن يصبح دولة شبه فاشلة بسبب ما يقع على أرضه من مصادمات بل ومجازر على يد عصابات (كارتلات) تجارة وتهريب المخدرات.
في شمال أميركا وجنوبها
في هذا الصدد تلاحظ الأستاذة «آن ماري سلوتر» أن الكتاب يتميز بتوجيه المؤلف اهتمامه الأميركي من الشمال إلى الجنوب، بمعنى من كندا شمالا إلى المكسيك جنوبا ، وهو يدعو واشنطون إلى اتباع هذا النسق وذلك النهج بالطول خلال السنوات القليلة القادمة ، بدلا من أن تتحرك أميركا بالعرض إلى حيث أولت اهتماماتها شرقا إلى أوروبا وآسيا ومن ضمنها بالطبع الشرق الأوسط والبحر المتوسط والقارة الأفريقية بشكل عام.
لكن سلوتر في نقدها التحليلي لهذا الكتاب لا تلبث أن تؤكد أنه فيما يتصور روبرت كابلان أن ثمة منافسة تشهدها الفترة المقبلة بحيث تمتد من المحيط الأطلسي غربا إلى المحيط الهادئ في أقصى الشرق ، فإن العالم يصبح بحاجة من ثم إلى عنصر توازن.
والمعنى هو أنه فيما قد تؤدي الجغرافيا ، اتساقا أو انتقاما إلى كيان من نوعية «أوراسيا العضوية الموحدة» فالأمر يومئذ يقتضي كفة للتوازن تتمثل بدورها في كيان يوصف على النحو التالي: أميركا الشمالية العضوية والموحدة ، بحيث تضم كلا من كندا والولايات المتحدة ، ثم المكسيك.
المؤلف في سطور
يحمل الكاتب الصحافي الأميركي روبرت د. كابلان لقب المراسل القومي وكبير المحررين في مجلة «أتلانتك منثلي» الشهرية. نشأ في نيويورك ورغم خبرته العسكرية ، بل وعلى الرغم من تصنيفه ضمن الفصيل الأكثر محافظة في مضمار السياسة الأميركية المعاصرة، إلا أنه بشهادة ناقديه- استطاع أن يخرج من عباءة المحافظين الجدد. بحيث لا يواصل الدعوة إلى تدخل أميركا في قضايا الشرق الأوسط ، وذلك على خلاف أقرانه من هؤلاء المحافظين الجدد من أمثال روبرت كانمان أو ديفيد فروم ومن على شاكلتهم. وبحكم مهنته الصحافية فقد عمد إلى القيام بجولات استطلاعية ورحلات بحثية، وخصوصاً في ربوع الشرق الأوسط وفي اليونان والبلقان ووسط أوروبا وفي جنوب شرقي آسيا وخاصة شبه القارة الهندية وهو ما ينعكس في فصول وطروحات العديد من الكتب الذي عكف على تأليفها عبر سنوات مهنته صحافياً وباحثاً وكاتباً وأستاذاً محاضراً في الجامعات الأميركية ومن هذه الكتب التي أصدرها منذ التسعينات ما حمل عنوان «أشباح البلقان» الصادر عام 1993 وقد استعانت به إدارة الرئيس كلينتون في تعاملها مع أزمة البلقان وصراعات ما بعد تفكك دولة يوغوسلافيا السابقة، إضافة إلى كتابه المهم «المستعربون» الذي قدم فيه عرضا وتحليلا تجربة أميركا في الشرق الأوسط العربي المسلم من خلال مبعوثيها من سفراء ومربيّن وباحثين ومفكرين . ويعد كتاب كابلان بعنوان «مونسون» دليلا مستجدا فيما يتعلق بمسارات ومآلات الأوضاع في شبه القارة الهندية ومنطقة جنوب شرقي آسيا بشكل عام.
عدد الصفحات: 432 صفحة
تأليف: روبرت كابلان
عرض ومناقشة: محمد الخولي
الناشر: مؤسسة راندوم هاوس، نيويورك، 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.