ذكرى إعلان فك الارتباط.. جدار جنوبي راسخ لفظ الوحدة المشؤومة    خاصموا الانتقالي بود وأختلفوا معه بشرف    شراكة الانتقالي وتفاقم الازمات الاقتصادية في الجنوب    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    مظاهرة حاشدة في حضرموت تطالب بالإفراج عن السياسي محمد قحطان    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    شاهد :صور اليوتيوبر "جو حطاب" في حضرموت تشعل مواقع التواصل الاجتماعي    شاهد : العجوز اليمنية التي دعوتها تحققت بسقوط طائرة رئيس إيران    لليوم الثالث...الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً على مديرية الخَلَق في الجوف    صراعات داخل مليشيا الحوثي: قنبلة موقوتة على وشك الانفجار    ناشطون يطالبون الجهات المعنية بضبط شاب اعتدى على فتاة امام الناس    "يقظة أمن عدن تُفشل مخططًا إجراميًا... القبض على ثلاثه متهمين قاموا بهذا الأمر الخطير    اللجنة الوطنية للمرأة تناقش أهمية التمكين والمشاركة السياسة للنساء مميز    رئيس الوفد الحكومي: لدينا توجيهات بعدم التعاطي مع الحوثيين إلا بالوصول إلى اتفاقية حول قحطان    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    مجلس النواب يجمد مناقشة تقرير المبيدات بعد كلمة المشاط ولقائه بقيادة وزارة الزراعة ولجنة المبيدات    ثلاث مرات في 24 ساعة: كابلات ضوئية تقطع الإنترنت في حضرموت وشبوة!    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    الصين تبقي على اسعار الفائدة الرئيسي للقروض دون تغيير    مجلس التعاون الخليجي يؤكد موقفه الداعم لجهود السلام في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث مميز    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    أرتيتا.. بطل غير متوج في ملاعب البريميرليج    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحنين إلى أيام الحرب الباردة
نشر في الجنوب ميديا يوم 24 - 02 - 2012

إبان الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة والاتحادي السوفييتي مهددين على الدوام بالإفناء المتبادل، ومعهما بقية العالم . ولكن الحرب الباردة انتهت منذ 20 سنة ونيفاً، فهل يمكن أن يكون هناك اليوم أمريكيون يحنّون إلى أيام تلك "الحرب"؟ نعم، حسبما يقول بروفيسور التاريخ والكاتب والصحافي الأمريكي جون وينر في مقال نشره في موقع "توم ديسباتش"، وتحدث فيه عن ثمانية أشياء يفتقدها في عالم اليوم . وكتب يقول:
خلال مهرجان كتاب نظّم حديثاً في لوس أنجلوس، كان كتّاب (وأنا من ضمنهم) يتحدثون في ندوة حول مشكلات السياسات الأمريكية في الخمسينات، وإذا بأحد المشاركين يصدم الحضور بإعلانه "يا الهي! كم أفتقد الحرب الباردة" . وقد روى أن جدته كانت قد جاءت إلى كاليفورنيا من ولاية أوكلاهوما وهي تحمل شهادة ابتدائية، ولكنها وجدت وظيفة في مصنع طائرات خلال الحرب العالمية الثانية، وانضمت إلى النقابة، ثم حصلت على مخصصات تقاعد وتأمين صحي، وأقبلت عليها الدنيا خلال سنوات الحرب الباردة، فامتلكت منزلاً في الضواحي، وأرسلت أبناءها إلى جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس .
وهبّ أشخاص عدة من بين الجمهور وهم يصرخون: "وماذا عن المكارثية؟" و"القنبلة" (النووية)؟، و"فيتنام؟"، و"نيكسون؟" .
هذه الاعتراضات كانت طبعاً في محلها، ففي النهاية، خلال الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة تهدد بتدمير العالم بأسلحة نووية، وتدعم ديكتاتوريين وحشيين لأنهم كانوا معادين للشيوعية، وكانت مسؤولة عن مقتل عدة ملايين من الناس في حربي كوريا وفيتنام . وكل ذلك باسم الدفاع عن الحرية . ومع ذلك، من الممكن أن نشاطر ذلك الكاتب شعوره بشيء من الحنين إلى حقبة الحرب الباردة . فمن يمكنه نكران أن أمريكا الخمسينات والستينات كانت، من بعض الجوانب، مكاناً أفضل للعيش فيه من عالم اليوم؟
إليكم ثمانية أشياء (في قائمة يمكن أن تطول أكثر) كانت لدينا آنذاك ولم تعد موجودة اليوم .
1- الرئيس لم يكن يدعي الحق في قتل مواطنين أمريكيين من دون "قواعد الإجراءات القانونية".
في العام الماضي، علمنا أن الرئيس أوباما صدق شخصياً على استخدام طائرة بلا طيار لقتل مواطن أمريكي كان يعيش في الخارج، وذلك من دون أية إجراءات قضائية مسبقة . ويؤكد أوباما لنا أن الأشخاص الذين يأمر باغتيالهم هم "إرهابيون" . ولكن كان من الأدق وصفهم ب"إرهابيين مزعومين"، أو "إرهابيين مفترضين" .
والشخص الذي استهدفه أوباما في اليمن كان أنور العولقي، وهو مواطن أمريكي قيل إنه كان قيادياً كبيراً في تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية" . وحسب دانيال كلايدمان في كتابه "أُقتل أو أأسر"، فإن الرئيس قال لمستشاريه: "أريد العولقي . لا تدعوه يفلت" . وعلق ستيف كول في صحيفة "ذي نيويوركر" بالقول إن "هذه أول حالة في التاريخ الأمريكي يفصح فيها رئيس عن نيته قتل مواطن أمريكي معين من دون أن يكون ذلك المواطن قد اتهم بجريمة من قبل القضاء، أو أدين في محاكمة" . ويشار أيضاً إلى أن نجل العولقي، الذي لم يزعم أحد أبداً أنه كان على صلة بأنشطة إرهابية، قتل هو أيضاً في هجوم منفصل بطائرة بلا طيار، وكان في عمر 16 سنة .
المشكلة هي طبعاً في بند قواعد الإجراءات القانونية في التعديل الخامس من الدستور الأمريكي، وهو البند الذي يمنع حرمان "أي شخص" من "الحياة، أو الحرية، أو الممتلكات من دون قواعد الإجراءات القانونية" .
صحيح أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" كانت تنفذ برنامج اغتيالات إبان الحرب الباردة، وهو برنامج سجل وقائعه تقرير وضع العام 1973 بتوجيه من مدير الوكالة جيمس شليسنغر بموجب التحقيقات القضائية التي أجريت في أيام فضيحة "ووترغيت" ورفعت عنه السرية ونشر العام 2007 .
ولكن المستهدفين بالاغتيالات كانوا زعماء أجانب، خصوصاً الكوبي فيديل كاسترو، والكونغولي باتريس لومومبا، والدومنيكاني رافييل تروخيو . ومع ذلك كان الرؤساء الأمريكيون يفضلون أن تتوافر لهم في مثل تلك الأوضاع "إمكانية معقولة للنفي والإنكار" . وما من رئيس قبل أوباما ادعى علناً أنه يتمتع بحق قانوني لإصدار أوامر بقتل مواطنين أمريكيين . وفي الواقع، قبل 11 سبتمبر/ أيلول ،2001 كانت الولايات المتحدة تدين بانتظام عمليات "القتل المحدد الأهداف" التي تنفذها "إسرائيل" ضد من تسميهم "إرهابيين"، وهي عمليات مماثلة لتلك التي يأمر الرئيس الآن بتنفيذها في مناطق الحدود الباكستانية القبلية، اليمن، وأماكن أخرى .
2- لم يكن لدينا "مجمع إرهابي صناعي" سري
هذا المصطلح الحديث العهد استنبطه الكاتبان وليام آركن ودانا بريست في كتابهما "أمريكا . . سري للغاية" لشرح عالم الوكالات الحكومية التي تكاثرت في أعقاب هجمات سبتمبر/ أيلول ،2001 والتي أقامت صلات وثيقة مع شركات مقاولات خاصة تعمل في مجال مكافحة الإرهاب . وخلال الحرب الباردة، كانت لدينا حفنة من وكالات حكومية تتولى المهمات "السرية للغاية" . وقد اكتشفنا أنه أصبح لدينا اليوم أكثر من 1200 من هذه الوكالات .
وعلى سبيل المثال، وجد آركن وبريست أن 51 وكالة حكومية وقيادة عسكرية تحاول تتبع أثر تدفق الأموال إلى ومن شبكات إرهابية . وهناك أيضاً نحو 2000 شركة مقاولات تسعى للربح وتقوم بعمل سري يفترض أنه مطاردة إرهابيين . والميزانية الرسمية ل"الاستخبارات" ارتفعت من حدود 27 مليار دولار في أواخر سنوات الحرب الباردة إلى 75 ملياراً في 2012 . وإلى جانب هذا التوسع الكبير في الأنشطة الأمنية الحكومية والخاصة، حدث أيضاً توسع هائل في تطبيق السرية الحكومية: إذ إن عدد الوثائق السرية كان ربما بحدود 5 ملايين في السنة قبل عام ،1980 ثم ارتفع إلى 92 مليوناً في 2011 . وفي الوقت ذاته، أخذت إدارة أوباما تحيل إلى المحاكم أعداداً متزايدة من أولئك الذين يكشفون أسراراً حكومية .
صحيح أن ال"سي آي إيه" و"مكتب التحقيقات الفيدرالي" (الشرطة الاتحادية) انخرطا خلال الحرب الباردة في أعمال مراقبة سرية وغير قانونية شملت مواطنين أمريكيين، ولكن على نطاق صغير مقارنة مع ما يحدث في عالم ما بعد هجمات سبتمبر/ أيلول .
3- العمل النقابي كان جزءاً من المشهد الاجتماعي .
"فقط شخص أحمق يمكن أن يحاول حرمان الرجال والنساء العاملين من حقهم في الانضمام إلى النقابة العمالية التي يختارونها" .
هذا ما قاله الرئيس دوايت ايزنهاور عام ،1952 مضيفاً: "العمال لديهم حق في الانتظام في نقابات، والتفاوض جماعياً حول عقودهم مع أرباب عملهم" . وأكد أيضاً "إن حركة عمالية حرة وقوية لهي جزء ضروري وفعال من مجتمعنا الصناعي" . وقد فهم ايزنهاور مزاج عصره، وعبّر عنه بقوله: "إذا ما حاول أي حزب سياسي إلغاء القوانين العمالية، فلن تسمعوا بعد ذلك شيئاً عن ذلك الحزب في تاريخنا السياسي" .
وطبعاً نحن لا نسمع باراك أوباما يقول اليوم أي شيء من هذا القبيل .
في تلك الأيام، حتى الجمهوريون كانوا يدافعون إلى حد ما عن النقابات العمالية الأمريكية، لأنهم اعتبروها عنصراً حيوياً في الصراع ضد الشيوعة . وكانت الحجة السائدة تقول إن العمال الأمريكيين، خلافاً لنظرائهم السوفييت، كانوا أحراراً في الانضمام إلى نقابات مستقلة . وأمريكا ايزنهاور كانت تعيش فورة في الثروة المنتجة، وعضوية نقاباتها بلغت معدلاً قياسياً: 34% من الأجراء والعمال في العام 1955 . أما في العام ،2011 فإن عضوية النقابات في القطاع الخاص هبطت إلى ما دون ال 7%، وهذا معدل لم يسجل أبداً منذ العام 1932 .
وطبعاً، في أيام الحرب الباردة، كانت الحكومة تفرض على النقابات منع الشيوعيين من تولي أي مناصب قيادية، وكانت تحل النقابات التي لا تمتثل . كما أن النقابات حظرت الإضرابات المفاجئة، وفرضت الالتزام بالعمل النقابي السلمي، ولكن مقابل عقود تمتد لسنوات متعددة، وتشمل زيادات في الأجور والعلاوات .
4- التعليم الجامعي كان رخيصاً .
الرسوم والأقساط الدراسية في نظام جامعة كاليفورنيا كانت تبلغ 220 دولاراً في العام 1965 . وهذا يعادل نحو 1600 دولار اليوم . وفي العام ،1965 كنا نتحدث عن أفضل جامعة حكومية في العالم . وفي العام ،2012 قرر أعضاء مجلس الجامعة رفع الرسوم والأقساط التي يتعين على سكان الولاية دفعها إلى 13200 دولار . واليوم، الطلاب الأمريكيون مثقلون بديون تبلغ تريليون دولار على الأقل بسبب قروض تعليم جامعي يمكن أن تجعل كثيرين مديونين مدى الحياة .
في العام ،1957 وسط حالة الهلع التي أثارها نجاح الاتحاد السوفييتي في إطلاق "سبوتنيك"، أول قمر صناعي في التاريخ، حصلت الجامعات الحكومية على مخصصات مالية ضخمة إثر إقرار قانون التعليم والدفاع الوطني . وكانت الغاية من هذا القانون هي تأهيل أفراد يستطيعون مساعدة أمريكا على التنافس مع الاتحاد السوفييتي في حقلي العلوم والتقنية . ولأول مرة، أصبحت المنح الدراسية الحكومية مصدراً رئيساً لتمويل الأبحاث العلمية التي تجريها الجامعات . وتضمّن القانون برنامجاً سخياً لتقديم قروض للطلاب .
وعندما انتهت الحرب الباردة، تم اقتطاع التمويل الحكومي، فلم يكن أمام الجامعات الحكومية من خيار آخر سوى تعويض الفرق عن طريق زيادة الرسوم والأقساط، ما جعل الطلاب يدفعون أكثر - أكثر بكثير .
صحيح أن المنح الدراسية التي قدمت في الستينات بموجب قانون التعليم والدفاع الوطني كانت تفرض على المستفيدين أن يوقعوا تعهداً مهيناً يقسمون فيه على أنهم لن يسعوا لإسقاط حكومة الولايات المتحدة عن طريق العنف . وصحيح أيضاً أن الكثير جداً من التمويلات الحكومية آنذاك كان يدعم الأهداف العسكرية والاستراتيجية خلال الحرب الباردة . وعلى سبيل المثال، كانت جامعة كاليفورنيا تدير مختبرات أسلحة نووية . ولكن إذا قارنا ذلك بالنظام التعليمي المتداعي اليوم على المستوى الوطني، من لا يشعر بحنين إلى زمان الحرب الباردة؟
5- البنى التحتية كانت تُوسع وتُدعم .
اليوم، بنيتنا التحتية تتقوض: فالجسور تنهار، وأنظمة الصرف الصحي وشبكات توزيع الكهرباء تتعطل . والعديد من هذه الأنظمة يعود إلى السنوات التي تلت مباشرة الحرب العالمية الثانية، وقد أسهم الصراع ضد الشيوعية داخلياً وخارجياً في بنائها . وأفضل مثال على برامج البنية التحتية خلال الحرب الباردة كان قانون الطرق العامة والدفاع الوطني الذي أقره الكونغرس عام ،1956 والذي أدى إلى بناء 66 ألف كيلومتر من الطرق السريعة عبر الولايات . وكان ذلك أضخم مشروع أشغال عامة في تاريخ أمريكا، وقد كان ضرورياً، بحسب نص التشريع، "من أجل تلبية متطلبات الدفاع الوطني في زمن الحرب" .
وإلى جانب بناء طرق وجسور، كان هناك التزام مماثل بتوسيع أنظمة إمدادات المياه وشبكات توزيع الكهرباء والهاتف . والإنفاق على البنية التحتية بلغ ذروته في الستينات، حين بلغ 3،1% من الناتج المحلي الإجمالي . وفي عام ،2007 انخفض هذا الإنفاق إلى 2،4%، ويفترض أنه لايزال ينخفض .
واليوم، تراجعت الولايات المتحدة كثيراً عن منافسيها العالميين المحتملين في مجال تطوير البنية التحتية . ولاحظت هيئة رسمية مكونة من 80 خبيراً أن الصين ستنفق خلال السنوات الخمس المقبلة على البنية التحتية أكثر من تريليون دولار على السكك الحديدية الخاصة بالقطارات السريعة، والطرقات الرئيسة، ومشروعات بنية تحتية أخرى . وحسب تقرير لهذه الهيئة، يتعين على الولايات المتحدة أن تنفق تريليوني دولار على مجرد إعادة بناء الطرق، والجسور، وإمدادات المياه، وأنظمة الصرف الصحي، والسدود، التي بنيت قبل 40 - 50 سنة، والتي وصلت الآن إلى نهاية دورات عمرها المفترض . ولكن تخفيضات الإنفاق في الميزانية الاتحادية تعني أن عبء إصلاح واستبدال البنية التحتية سيقع على كاهل حكومات الولايات والحكومات المحلية، علماً بأن مواردها، كما يعرف الجميع، ليست كافية إطلاقاً .
6- كان يتعين على الحكومة أن تحصل على إذن قضائي قبل التنصت على الناس .
اليوم، قانون تعديلات قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية (نعم، هذا التكرار هو الاسم الحقيقي للقانون) يعطي الحكومة سلطات واسعة للتجسس على مواطنين أمريكيين، وقد تم حديثاً تمديد مفعوله حتى العام 2017 بموجب قانون وقعه أوباما بحماسة في 29 ديسمبر/ كانون الأول . وهذا القانون يجيز مراقبة الاتصالات الإلكترونية من دون أمر قضائي في كل حالة على حدة، استناداً إلى إخطار من الحكومة بأن غايتها هي جمع "معلومات استخباراتية خارجية" . وفي السنوات الأخيرة، أصبح كثير مما كان محظوراً في الماضي قانونياً وتم إدخال كميات هائلة من رسائل بريد إلكتروني واتصالات هواتف لمواطنين أمريكيين في "قاعدة بيانات" . وفي العام ،2008 أقر الكونغرس تعديلات قانونية منحت "حصانة بمفعول رجعي لشركات اتصالات ساعدت إدارة بوش في برنامج التنصت من دون أذون قضائية"، وهو برنامج كان في حينه (أو يفترض أنه كان) غير قانوني .
وقد قام أعضاء في الكونغرس بعدة محاولات متواضعة لتعديل "قانون تعديلات قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية"، بما في ذلك اقتراح نص يلزم مدير الاستخبارات الوطنية بالكشف عن عدد الأمريكيين الذين تم التنصت سراً على اتصالاتهم . وهذا الاقتراح ما كان ليحد بأي حال من برنامج التجسس الحكومي . ومع ذلك، رفضه مجلس الشيوخ بأغلبية 52 صوتاً ضد ،43 وهذا في بلد ما كان يمكن تصور أن يفعل مثل هذا الأمر في سنوات الحرب الباردة .
صحيح أنه في الخمسينات والستينات كان القضاة يمنحون الشرطة بانتظام أذوناً لعمليات تنصت، ولكن شرط الحصول مسبقاً على إذن قضائي كان يحد من قدرة السلطات الحكومية على الشروع في عمليات تنصت غير قانونية .
7- كان لدينا رئيس دعا إلى "حرب على الفقر".
في خطابه حول حالة الاتحاد عام ،1966 قال الرئيس ليندون جونسون إن "أغنى أمة على الأرض . . أناس يعيشون في وفرة لا مثيل لها على هذا الكوكب"، يجب عليهم أن "يؤمّنوا أدنى أسباب العيش الكريم لإخوانهم الأمريكيين" . وشدد جونسون على أن من الممكن في آن محاربة الشيوعية على المستوى العالمي (خصوصاً في فيتنام) ومحاربة الفقر في الوطن . وقال أيضاً كلمة أصبحت قولاً مأثوراً عندما دعا إلى توفير المدافع والزبدة معاً . إضافة إلى ذلك، كان جونسون مصمماً ليس فقط على تمكين الفقراء من كسب المال، وإنما أيضاً على إنشاء مجموعات "عمل اجتماعي" مهمتها تنظيم الفقراء حتى يناضلوا من أجل برامج اجتماعية، لأن الناس الفقراء يعرفون ما هو الأفضل لهم .
صحيح طبعاً أن "الحرب على الفقراء" التي أطلقها جونسون كانت، خلافاً لحرب فيتنام، تفتقر للتمويل بصورة مريعة، وأن مجموعات العمل الاجتماعي تلك سرعان ما أزيحت جانباً من قبل السلطات المحلية والماكينة السياسية للحزب الديمقراطي، ولكن الصحيح أيضاً هو أن الرئيس أوباما لم يفكر حتى بأن مسألة الفقر تستحق إثارتها كقضية في حملته الانتخابية عام ،2012 على الرغم من واقع أن الفقر أصبح اليوم منتشراً على نطاق كان سيصدم ليندون جونسون، وأن التفاوت في الدخل والثروة بين الأغنياء والفقراء بلغ اليوم مستويات لم تعرف منذ أواخر العشرينات . واليوم، لايزال يوجد الكثير من المدافع، ولكن ليس الكثير من الزبدة .
8- كان لدينا رئيس حذّر من "النفوذ المفرط للمجمع العسكري الصناعي" .
في الخطاب الوداعي الذي ألقاه ايزنهاور على الأمة قبل ثلاثة أيام من تنصيب جون كينيدي، حذّر الرئيس المنتهية ولايته من "النفوذ غير المبرر للمجمع العسكري الصناعي"، وقال إن إمكانية صعود مشؤوم لسلطة في غير محلها حقيقية وستبقى قائمة" .
لقد أدخل ذلك الخطاب عبارة "المجمع العسكري الصناعي" في اللغة العامية . وكانت تلك لحظة أساسية في الحرب الباردة: فها هو رئيس كان أعلى قائد عسكري للأمة في الحرب العالمية الثانية يحذّر الأمريكيين من الأخطار التي يشكّلها الجيش الذي قاده، ومن الشركات والسياسيين الذين يدعمون هذا الجيش .
إن ما دفع ايزنهاور لإلقاء خطابه كان نزاعاته مع الكونغرس حول الميزانية العسكرية . فقد كان يتخوف من حرب نووية، وعارض بقوة أي حديث عن خوض حرب "محدودة" . وكان يعرف أيضاً أن القوة الأمريكية كانت راجحة بصورة حاسمة بمواجهة الاتحادي السوفييتي . ومع ذلك، فإن خصومه في الحزب الديمقراطي، وصناعة الأسلحة، وحتى الجيش، كانوا جميعاً يزعمون أن الأمة لم تفعل ما يكفي في مجال الدفاع، ولم تشتر ما يكفي من الأسلحة، ولم تنفق ما يكفي من المال . وكان الرئيس المنتخب جون كينيدي قد حقق انتصاره في انتخابات 1960 من خلال تخويفه الأمريكيين من "فجوة صواريخ" وهمية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي . صحيح أن تحذير ايزنهاور كان يمكن أن يكون أكثر تأثيراً بكثير لو أنه جاء في خطاب تنصيبه الأول، أو حتى الثاني، وأكثر تأثيراً من أي من خطاباته السنوية حول حالة الاتحاد . وصحيح أيضاً أنه صادق على الانقلابين العسكريين اللذين دبرتهما ال"سي آي إيه" في إيران وغواتيمالا، وأعطى الضوء الأخضر للتخطيط لغزو كوبا (وهو ما سيصبح كارثة خليج الخنازير بالنسبة إلى كينيدي) . كما أنه اعتمد مبدأ "التدمير المتبادل المؤكد" كأساس للاستراتيجية العسكرية في الحرب الباردة، بدعم قاذفات "بي - 52" تحمل قنابل نووية وتحلق في الأجواء على مدار الساعة .
ولكن في أواخر ولايته الثانية، كان ايزنهاور قد غيّر تفكيره . وتحذيره من نفوذ المجمع العسكري الصناعي لم يكن موجهاً فقط ضد فرط الإنفاق العسكري، بل أيضاً ضد مؤسسات كانت تهدد بأزمة خشي أن تضع حداً للحريات الفردية . وقد حث الرئيس مواطنيه على مقاومة المجمع العسكري الصناعي، بحكم كونه "شخصاً يعرف تماماً أن حرباً أخرى ستدمر الحضارة نهائياً" . ولم يتحرك أي من خلفائه حتى لمجرد محاولة مقاومة المجمع، ونحن اليوم في العام 2013 نعيش النتائج .
. . . ولكن هناك شيء واحد لا أفتقده في أيام الحرب الباردة: الترسانات النووية الجاهزة للتدمير .
عدونا في الحرب الباردة كانت لديه أسلحة نووية قادرة على تدميرنا نحن وبقية العالم مرات عديدة . وفي العام ،1991 عندما انتهت الحرب الباردة، كان لدى الاتحاد السوفييتي أكثر من 27 ألف سلاح نووي .
وطبعاً، لاتزال توجد ترسانتان نوويتان كبيرتان، روسية وأمريكية . وبالمقارنة، فإن "ترسانات" تنظيم "القاعدة" وأعداء إرهابيين آخرين تبقى تافهة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.