رغم مرور عامين تقريبًا على الصراع في سوريا، لا يزال الغموض يلف التفاصيل حول ما إن كان الجيش النظامي أم الجيش السوري الحر هو الأكثر سيطرة على أجزاء العاصمة. القاهرة : تحولت مؤخراً العاصمة السورية، دمشق، إلى واحدة من أشد ساحات القتال، في غمار ذلك القتال المحتدم منذ قرابة العامين في البلاد، وذلك في الوقت الذي يؤكد فيه هؤلاء الموالون للرئيس بشار الأسد على أن أجزاءً كبيرةً من العاصمة لا تزال تحت سيطرتهم. حياة الثوار مثيرة للشفقة وهو ما شدد عليه أحد قادة قوات النخبة في الجيش النظامي، حيث صرح بقوله: "لقد قضينا تقريباً عليهم ( الثوار )"، وذلك أثناء وقوفه على سطح أحد المباني العسكرية خلف ساحة الأمويين في دمشق، حيث كان يشاهد أعمدة الدخان وهي تتصاعد فوق ضاحية داريا، حيث يخوض الثوار هناك معارك قتالية مع الجنود التابعين له. وأضاف هذا القائد، وهو في أوائل الخمسينات من عمره، وكان يرتدي زياً عسكرياً عليه شعار الجيش السوري، برتبة لواء، وقد قضى معظم سنوات حياته في خدمة نظام الأسد، أنه لم يعد هناك أي تواجد في الغالب للإرهابيين في داريا، رغم اعترافه في السياق عينه، بأنه لا يزال يوجد عدد قليل من "الجيوب" هنا وهناك. وأكمل حديثه، وفقاً لما نقلت عنه مجلة دير شبيغل الألمانية، بالقول إن الإرهابيين يختبئون في الطوابق التحتية بالبنايات مثل الفئران، وهي وضعية مثيرة للشفقة تلك التي يعيشونها. ومضت المجلة تقول إنه ورغم كتابة اسم هذا اللواء على لوحة معدنية لامعة على باب مكتبه المصنوع من البلوط، إلا أنه أصر على عدم ذكر اسمه في هذا التقرير. ولا يقول أي شخص هنا، سواء من الجيش أو المخابرات أو أجهزة الأمن، أي شيء على الإطلاق. غير أن المجلة رأت أن الثوار يقتربون على نحو خطر من دمشق القديمة، وأن أيام هذا اللواء قد تكون معدودة عما قريب، في الوقت الذي حصدت فيه الحرب الأهلية المشتعلة في البلاد منذ حوالي 23 شهراً ما يزيد عن 60 ألف قتيل. وبينما يمضي الثوار في طريقهم على نحو بطيء ومتعرج، ويواجهون فيه كثيراً من العقبات، فإن جيش الأسد مازال صامداً بشكل أساسي في المدن، لكن النظام لم يعد يتحكم في مناطق ريفية شاسعة بين تلك المدن، وهي المناطق التي باتت تتّسم الآن بانعدام القانون. العاصمة باتت "عرين" الأسد وبما يتماشى مع اسم "الأسد"، فقد أشارت المجلة إلى أن العاصمة دمشق تحولت إلى "عرين الأسد"، موضحةً أنه بات متحصناً في دمشق، حيث يُركِّز الجيش هناك قواته ويدافع عن المدينة مهما تكلف الأمر. لكن في ضواحي مثل دوما وداريا، يخوض الثوار معارك لا رحمة فيها ضد قوات النظام على مدار الأشهر الستة الماضية. وتقع المعارك بين الجانبين في بعض الأحيان فقط على بعد مسافة قدرها 600 متر (حوالي 2000 قدم ) من المدينة القديمة. ونوّهت المجلة في الإطار عينه إلى أن هناك شعوراً غريباً في بعض الشوارع الموجودة على محيط دمشق، حيث تجد الجدران الخارجية للمباني المتهدمة بارزة في سماء فصل الشتاء الكئيبة، والهواء هناك ممتلئ برائحة قذائف الهاون إلى جانب قعقعة المدافع الرشاشة. لكن على بعد مئات قليلة من الأمتار، هناك محلات مفتوحة ويبيع البعض اسطوانات سي دي ومجوهرات وأمتعة وملابس. الحياة على طبيعتها بالنسبة إلى البعض ويقضي موظفو الحكومة أعمالهم وكأن الأمور كافة تسير على طبيعتها. ويبدو هذا الجزء في دمشق كما كان منذ عام 2000، حين بات بشار رئيساً للبلاد عقب وفاة والده. وذلك حين كانت تسعى دمشق لتحديث سريع وسط الحروب الحاصلة بمنطقة الشرق الأوسط. ورغم ما أدخله بشار من تحديثات على الدولة السورية، عقب توليه الحكم، إلا أن آلة نظام حكم والده القديمة كانت لا تزال موجودة، خلف الرئيس صغير السن. وهي الآلة التي تضم الملايين من المنتفعين، كثير منهم من العلويين، تلك الطائفة التي ينتمي إليها الأسد. وهنا طرحت المجلة تساؤلاً : فلما يتعين عليهم إذن أن يكونوا مهتمين بالإصلاح ؟ ثم قالت إن بشار، وعلى عكس والده الذي كان يدير الأجهزة الأمنية بقبضة من حديد، لم يتحول مطلقاً إلى طاغية حقيقي. فما زال يحظى رجال والده بسلطات كبيرة حتى اليوم. الموالون للنظام يتعرضون للسجن والتعذيب ثم أعقبت المجلة بقولها إن الخوف كان يحمي نظام الأسد، لكن الأمور يبدو أنها تحولت الآن، حتى في العاصمة، حيث بدأ يداهم الخوف الآن ضباط الجيش وهم في حافلاتهم من المنزل إلى العمل، وكذلك الموظفين ورجال الأعمال والأثرياء ومَن يشتبه في أنهم موالون للنظام. حيث يتعرضون لحوادث اختطاف من قبل أناس مسلحين، ويتم احتجازهم في طوابق سفلية بالبنايات، وذلك على مدار أسابيع في بعض الأحيان. ويتم حرق بعض الضحايا بالسجائر المشتعلة، أو يتم وضع بعضهم في الثلج، وهم لا يرتدون سوى ملابسهم التحتية، وذلك بعد أن يتم دفع أموال الفدية التي طلبها الخاطفون. وهناك حي بالجزء الغربي من دمشق يطلق عليه "مزة 86"، تقيم به أغلبية منتمية للطائفة العلوية، وهو موطن للمنتفعين من النظام، ومقر للأشخاص الذين يوصفون بالطفيليين. ويعمل السكان هناك لصالح وزارة الاقتصاد، وكذلك لصالح الشرطة أو الجيش. وباعتبارهم موظفين، فهم يربحون مبالغ تتراوح ما بين 135 إلى 400 دولار. وعلى بعد 4 كيلومترات ( ميلين ونصف ) من ذلك الحي، تصدر جريدة تدعى "عنب بلدي" وموقع إلكتروني من حي داريا الذي يخضع لهيمنة الثوار، وهو الاسم الذي تم اختياره للإشارة إلى العنب الحلو الذي كان ينمو على نطاق واسع في حدائق حي داريا. وقد قام مسؤولو الصحيفة والموقع بتوثيق أعمال الدمار والخراب التي لحقت بالحي، منذ أن أعلن الجيش عن أن الحي معقل إرهابي خلال أشهر فصل الصيف الماضي. ويمكن القول إن "عنب بلدي" هو صوت الذين مازالوا على قيد الحياة في داريا.