قسم قرار جامعة الأقصى فرض الزي الشرعي على طالباتها المجتمع الغزي، بين مؤيد انطلاقًا من الحرص على ارتداء الفتيات ما يقبله المجتمع الفلسطيني، وبين معارض يرى فيه مسًا بالحريات وشمولية ترفض الآخر. عبير أحمد من غزة: ساد قلق بين أوساط الطلبة الذين لا يتلتزمون بالزي الإسلامي بعد اتخاذ جامعة الأقصى بغزة قرارها فرض الزي الشرعي في الحرم الجامعي. ووصل الخوف إلى اعتبار القرار خطوة أول نحو فرض الزي الشرعي على المجتمع الغزي ككل. وعبرت الجامعة عبر بيانات عدة أصدرتها في وسائل الإعلام أن القرار اتخذ قبل شهرين، وليس المقصود منه فرض اللباس الشرعي المتعلق بالجلباب والنقاب، بل بارتداء الطالبة للباس يليق بها جامعيًا، أي اللباس المحتشم الذي لا يثير. ونفت الجامعة أن يكون هدف القرار كبت الحريات، لأنه لا يعني أبدًا طرد الطالبات اللواتي لا يلبسن الجلابيب. إلا أن هذا النفي لم يقنع شرائح واسعة من المجتمع الغزي، وعبروا عن خوفهم من استهداف الحريات الجامعية أولًا، لينسحب الأمر على القطاعات الاجتماعية ألخرى. أخاف على الحريات رأت ندى سالم، وهي طالبة بجامعة الأقصى، أنه قرار مجحف ولا يتعلق بالإسلام بالمطلق. قالت: "طوال حياتنا نلتزم بمظهر عام لا يخل بالإسلام ولا بالعادات والتقاليد، ففاجأنا هذا القرار، ونحن نرفض فرض أي أمر يتعلق بحريتنا الشخصية بشكل قاطع،حتى لو كان القرار نابع من الشريعة الإسلامية". وإذ تقول إن تقول إدارة الجامعة لم تفرض هذه الشروط على طالباتها سابقًا، ولم يجر الحديث أبدًا عن فرض الزي الشرعي، تعلق سالم: "بدأت أخاف على الحريات في بلادنا". تضيف: "المرحلة الجامعية هي مرحلة عمرية جديدة في حياة الفتيات، يخرجن من مرحلة الإلتزام بالزي المدرسي إلى مرحلة النضوج، وكل الفتيات يدركن جيدًا أن الحجاب فريضة من الله سبحانه وتعالى، ويأتي الالتزام به اقتناعًا وليس فرضًا". وتختم قائلةً: "على الجامعة أن تتراجع عن هذا القرار لتتجنب احتقان الطلبة والطالبات الذين لن يلتزموا بتطبيقه، وقد تتطور الردود إلى حالة الجامعة وإدارتها في غنى عنها". حماس بدأت بالجامعات يصف الطالب محمد سعيد القرار بغير العادل بالمطلق، ويقول: "الإسلام في تعاليمه رحيم بنا، وهو لم يفرض على غير المسلمين الزي الشرعي، بل ترك الحرية لهم، وطالبنا باحترام حرياتهم ودياناتهم، فلو فرضت الجامعة الزي الشرعي، سيكتم قرارها الحريات العامة، وهو ما نرفضه تمامًا، ونعتبره إجحافًا بحق الإسلام نفسه". يضيف: "أثار القرار ضجة كبيرة في أوساط الطلبة والطالبات، حتى فكر بعضهم بالتظاهر اعتراضًا، خصوصًا ان ثمة مسيحيين يعيشون بيننا، ويتعلمون في جامعاتنا الخاصة". طالب سعيد وأترابه إدارة جامعة الأقصى، عبر الرسائل المباشرة وصفحات التواصل الاجتماعي، العودة عن القرار، "لأن الالتزام قناعة وليس فرضًا، والتحكم غير مرغوب فيه وليس مسموحًا به، فالإسلام دين السماحة والحب والحياة، يسمح للجميع بأن يعيشوا كما يشاؤون، شرط عدم الاعتداء على الحريات". ويختم سعيد قائلًا: "ربما تحاول حركة حماس فرض الحجاب واللباس الشرعي على كل شرائح المجتمع الفلسطيني، والجامعة هي البداية". سياسي بامتياز تقول الطالبة سالي، وهي مسيحية من بين أقلية في غزة، إن هذا القرار مضحك جدًا، "وقد فاجأني، إذ لم نعهد من المسلمين أي إجحاف بحقنا". تضيف: "أنا أرتدي الزي العادي، الذي لا يتجاوز حدود المسلمين، ولا يتعدى حدود المجتمع الإسلامي، فهو أمر متعلق بعادات مجتمعنا وليس بالدين وحده". وأشارت سالي إلى أن القرآن حث على نشر تعاليم الدين من دون إكراه، كما أن القوانين المحلية والدولية نصت على احترام الحريات الشخصية والمعتقدات الدينية، لكنها رأت أن هناك تجاوزات لعادات المجتمع الغزي في طريقة اللباس ووضع الماكياج من قبل بعض الفتيات، وربما تجاوز الأمر بحاجة إلى بعض التدخل لضبطه، لأنه لا يليق بالحياة الجامعية. وتختم سالي: "قرار جامعة الأقصى سياسي بامتياز، فلو كان دينيًا بحق، لفرض منذ زمن طويل، وأطالب الجميع باحترام أتباع الديانات الأخرى، فنحن بالنهاية فلسطينيون، وليس هناك ما قد يفرقنا إلا الانقسام، والاندماج دائمًا هو أساس حياتنا". شمولية ترفض الاخر من جهتها، أكدت أمل خريشة، الناشطة السياسية ومديرة جمعية المرأة العاملة للتنمية، أن هذا الإجراء يعبر عن نظام شمولي لا يقبل بالآخر ولا يؤمن بالحريات. أضافت: "فرض الحجاب محاولة من حماس للسيطرة على النساء لإظهار قوة هذه الحركة وقوة نظامها، ومحاولة للرد على الجماهير التي خرجت في ذكرى انطلاقة حركة فتح عبر صفحتها الشخصية على موقع فايسبوك". ويُذكر أن زوبعة إعلامية نشأت عبر صفحات التواصل الاجتماعي حول القرار الذي رأى الكثيرون فيه إجحافًا واضحًا، بينما اعتبره البعض قرارًا منصفًا. شأن جامعي داخلي ورد الدكتور محمد أبو شقير، وكيل عام وزارة التربية والتعليم بحكومة حماس في غزة، على هذه الجملة التي تتناول قرار إدارة جامعة الأقصى، فأكد أنه شأن داخلي خاص بالجامعة وحدها، "وليس لأي حركة سياسية، سواء حماس أو فتح، علاقة بالأمر". قال أبو شقير: "أعضاء إدارة جامعة الأقصى ومجلس أمنائها أتخذوا هذا القرار، وأي زج بالحكومة في غزة أو بحركة حماس يُعتبر اتهام خطير يمس بالحريات، وما تم نشره في الآونة الأخيرة حول نية سيطرة حماس على القطاع عبر الحكومة هو استخفاف بالمواطن الغزي". وأوضح أبو شقير أن قرار جامعة الأقصى واضح، وهو ضبط زي الطالبات العام، بعد تجاوزات واضحة لدى بعضهن، "فنحن لا نلزم أي طالبة بلباس معين، الا في إطار ما هو مقبول في المجتمع الفلسطيني، ومحاولة إظهار حماس بصورة طالبان غزة يسيء بشكل عام إلى الإسلام، ولو أرادت حماس أو وزارة التربة والتعليم السيطرة على القطاع لفعلت ذلك منذ زمن طويل". وختم أبو شقير قائلًا: "هناك تجاوزات عديدة، لكننا نغض الطرف عنها، وأرجو من الطالبات أن يتفهمن حيثيات القرار، وأن لا يعتبرنه كبتًا للحريات، فالفتاة مسموح لها أن ترتدي ما تشاء، شريطة أن لا يتجاوز المتعارف عليه في مجتمع غزة".