عنف حاد واختلافات بالجملة أظهرتها الانتخابات الأمريكية الأخيرة .. ليس فقط بين التيارات السياسية والأحزاب ولكنها انتقلت إلى داخل الأسر وتجمعات الأصدقاء ونبذ للأقليات الدينية والمهاجرين.. إضافة إلى عجز الديمقراطية الأمريكية عن استيعاب تيارات مختلفة عن الحزبين الرئيسيين مما يهدد الممارسة الديمقراطية برمتها . نقلت إلينا محطة الإذاعة الهولندية في الليلة الماضية عبر موجات الأثير كلمات أحد الهولنديين الذين توجهوا إلى الولاياتالمتحدة للبحث عن عمل ، وبفضل إجراءات التقشف التي تتخذها الحكومة تعرض للعمل على مدار الساعة ، حاول الهولندي المهاجر إقناع زوجته بالعودة من أمريكا ، وأرجع سبب ذلك للمزاج العدائي الذي أصبح بمثابة "خطاب" سياسي ينتهجه بعض قيادات الإدارة الأمريكية حيال المهاجرين والأجانب. سردت "مجلة الإيكونوميست" قصة ذلك الأمريكي في تقرير لها بعنوان "الدولة المقسمة.. إعادة انتخاب أوباما".. كما تناولت في ذات الحلقة قصة ذلك الطالب الذي توقف عن الكلام مع أصدقائه "المحافظين" الذين يرفضون دعم مشروع "أوباما كير" - المتعلق بتوسيع قاعدة المستفيدين من الرعاية الصحية - ، أحد المحافظين تحدث للإذاعة عن عجزه عن التواصل في حديثه مع أحد أصدقائه السابقين الذي يدعم أوباما لأنه مقتنع بأن ذلك يدمر البلاد. لم يقتصر الأمر على الأصدقاء فقط فداخل العائلة الواحدة، تقول الإيكونوميست، أختان يتحدثان بأسلوب عنيف ومتعالي في أمور سياسية يختلفون فيها. وأشارت المجلة إلى أنه على الرغم من فوز أوباما إلا أن الانقسام لازال موجودا وفجوته تزداد اتساعا، ورأت المجلة أن الحملات الانتخابية "الوحشية" التي لازالت تقام منذ عقود ساعدت في ذلك، وجعلت البلاد في حالة "شلل" وزادت من حدة الضغينة بين اليمين واليسار، بشكل يبدو أنه غير قابل للحل. وقد أشار المحلل السياسي الأمريكي بوب هاربرت في وقت سابق إلى أن المجتمع الأمريكي يعاني من نزعة "عنف" مستترة خلف ادعاءات المدنية وحقوق الإنسان، وقال أن تلك النزعة موجودة ومستمرة ولكنها تغير وجهتها حيال الأقليات في المجتمع الأمريكي. من جهة أخرى يتمثل هذا الانقسام الحاد سياسيا في الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين، واعتبرت صحف كثيرة أن أشد ما يواجه أمريكا بعد انتصاره هو الجمهوريون، الذين عملوا على تعطيل بعض من برامجه الاقتصادية. ومما يزيد الخلاف حدة وجود تيارات في المجتمع لا تجد لها منفذ "شرعي" تمارس فيه دورها السياسي، ويتجاهلها الإعلام بشكل متعمد مثل حركة "احتلوا"، وقد نشرت "كريستيان ساينس مونيتور" أسماء مرشحين آخرين يتجاهلهم الإعلام ولا يناقشهم حول رؤاهم السياسية مما يجعلهم خارج السياق التنافسي. ولم يخل الأمر من محاولات خروج حزب آخر عدا هذين الحزبين، من أهمها جماعة"الأمريكيون ينتخبون"، حيث استخدمت وصفات مبتكرة للترشح والدعاية واختيار المندوبين تعتمد على "الإنترنت" ووسائل التواصل الاجتماعي، سلط عليها الضوء "مارك ماكينون" في مقال سابق ب"ديلي تليجراف" ولكن الإعلام تجاهلها بشكل كبير واقتصر في تغطياته على حزبين فقط. ما توصلت إليه "الإيكونوميست" في تحليلها المطول التي نشرته اليوم على موقعها الإلكتروني أن أوباما ورومني يتنافسون على أصوات في أوساط معينة في المجتمع الأمريكي، وهناك تيارات لا تجد لنفسها صوتا. إضافة إلى الانقسام السياسي الحاد بين الديمقراطيين والجمهوريين حول الرؤى الإصلاحيةوالسياسية مما يهدد البلاد بالشلل التام في تمرير القرارات السياسية للرئيس الذي تتطلب موافقة الكونجرس، وهو من أهم التحديات التي ستواجه الرئيس الأمريكي في الفترة الرئاسية الثانية.