هيمنت القضايا الداخلية على أول خطاب لحالة الاتحاد في الولاية الثانية للرئيس باراك أوباما مساء الثلاثاء بينما غابت سورية تماما وحضر الربيع العربي والسلام في الشرق الأوسط والملف النووي الإيراني والحرب على الإرهاب. الرئيس الديموقراطي سيظل طوال عامين على الأقل من ولايته في مواجهة كونغرس منقسم يهيمن خصومه الجمهوريون على إحدى غرفتيه ما يحد من قدرات الرئيس على تنفيذ بنود أجندته لاسيما الاقتصادية منها في ظل الاختلافات الجوهرية بين الحلول المقترحة من المعسكرين للمشكلات التي تواجه أميركا. هذه الحقيقة لم تغب عن الرئيس عند حديثه إلى الجلسة المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ التي قدم خلالها حصاد حكمه في العام المنصرم وملامح خطته للعام الحالي، فقد حاول أوباما من البداية تذكير الجمهوريين بأنه فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وفقا لأجندة وضع في مقدمتها دعم الطبقة الوسطى في أميركا. وحرص أوباما الذي تعهد في حملته الانتخابية بفرض ضرائب على الأغنياء وعدم تحميل الطبقة المتوسطة أي أعباء إضافية، على مطالبة الكونغرس بإعادة تحفيز هذه الطبقة التي وصفها بأنها " المحرك الحقيقي للنمو الاقتصادي في أميركا". ورغم الانتقادات المتتالية من الجمهوريين لسياسات أوباما الاقتصادية فقد حرص الرئيس على تذكير خصومه بأن الشعب الأميركي انتخبه لتنفيذ السياسات التي تعهد بها في حملته الانتخابية عبر تأكيده في أكثر من مناسبة على ضرورة إلزام الأغنياء بتحمل مسؤولياتهم عبر زيادة الضرائب المفروضة عليهم، والاستثمار في التعليم ومشروعات البنية الأساسية وتنفيذ "استقطاعات ذكية" في الموازنة لخفض الإنفاق. وحرص أوباما على التأكيد في أكثر من مناسبة على ضرورة العمل المشترك وذلك في رسالة مباشرة لخصومه الجمهوريين، كما عدد "إنجازات" إدارته في العام الماضي واستهلها بعودة المزيد من الجنود الأميركيين من أفغانستان، ثم استعرض مظاهر التطور الاقتصادي الذي حققته إدارته لكنه أكد في الوقت ذاته أن ثمة احتياجا في أميركا للمزيد من الوظائف والسيطرة على عجز الموازنة. ولعل ردة فعل الأعضاء من الحزبين المرحبة بدعوة أوباما لإجراء إصلاح شامل لنظام الهجرة تؤكد أن هذا الملف سيحظى باهتمام خلال الشهور القادمة لاسيما بعد أن تحول الأميركيون ذوي الأصول اللاتينية إلى قوة تصويتية لا يستهان بها منحت الأفضلية لأوباما في عدد من الولايات الحاسمة خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وتكرر الأمر ذاته عندما تحدث الرئيس أوباما عن ضحايا الأسلحة النارية في الولاياتالمتحدة، ودعا الكونغرس للتوصل إلى حل لهذه المشكلة الأمر الذي يؤكد أن الرئيس بصدد الدخول في معركة جديدة لن تكون سهلة مع الجماعات المدافعة عن حق امتلاك السلاح. ولم يخلو خطاب أوباما من الشؤون الخارجية فأكد على أهمية الدور الذي قامت به القوات الأميركية لهزيمة "قلب القاعدة" في أفغانستان، وأعلن نيته سحب 34 ألفا من هذه القوات خلال العام الجاري، مع تجديد التزام واشنطن بالحيلولة دون تحول أفغانستان مجددا إلى قاعدة للإرهاب بعد انسحاب القوات الدولية العام القادم. أوباما أكد أيضا نيته مواصلة سياسته في محاربة الإرهاب من خلال الاعتماد على أطراف أخرى بدلا من إرسال قوات أميركية للقيام بهذا العمل، حيث أكد أن واشنطن ستدعم اليمن والصومال وليبيا لتحقيق الأمن ومجابهة الإرهابيين على أراضيها كما ستساعد حلفاءها في مساعيهم لهزيمة الإرهابيين كما يحدث في مالي في إشارة إلى الحرب الفرنسية ضد الإسلاميين في شمالي مالي. الرئيس أكد أيضا على ضرورة استجابة إيران للمطالب الدولية بشأن برنامجها النووي، وقال إن واشنطن ستسعى للاتفاق مع روسيا على تنفيذ خفض جديد في الأسلحة النووية. وتعهد أوباما بدعم عمليات التحول نحو الديموقراطية في الشرق الأوسط لكنه أكد أنه لن يسيطر على عملية التحول في بلاد مثل مصر، قائلا في الوقت ذاته إنه كان على يقين من أن عمليات التحول في المنطقة لن تكون سهلة. وتعهد أوباما بالوقوف إلى جانب إسرائيل في مسعاها نحو الأمن وتحقيق سلام دائم من دون أن يشير صراحة إلى الفلسطينيين. وقال أوباما إن هذه هي الرسالة التي سينقلها إلى الشرق الأوسط خلال زيارته الشهر المقبل، الأمر الذي يعيد التأكيد على أن تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين سيكون هدفا مهما في ولاية أوباما الثانية. وغابت سورية تماما عن خطاب أوباما على نحو يعكس على ما يبدو غياب التوافق في صفوف الإدارة حول طريقة التعامل مع هذه الأزمة المستمرة منذ قرابة عامين والتي راح ضحيتها قرابة 70 ألف شخص بحسب تقديرات الأممالمتحدة. القضايا التي ركز أوباما عليها في خطابه والوجوم الذي بدا واضحا على ملامح الجمهوريين خلال استماعهم لغالبية مقترحات الرئيس لاسيما الاقتصادية منها توحي بأن مهمة الرئيس الديموقراطي لن تكون سهلة في الشهور القادمة وتؤكد أن عليه تجاوز العديد من العقبات إن أراد تحقيق وعوده الانتخابية.