تصدّر فيلم "لينكولن" للمخرج ستيفن سبيلبرغ ترشيحات جائزة الأوسكار، حيث حصل على 12 ترشيحاً، وتتمحور أحداث الفيلم حول حياة الرئيس الأمريكي السادس عشر أبراهام لينكولن ومعركته لإنهاء العبودية . وقد أعاد المخرج ستيفن سبيلبرغ الرئيس الراحل إلى البيت الأبيض في صورة الممثل البريطاني دانييل داي لويس مصطحباً معه زوجته، التي جسدتها الممثلة سالي فيلد الحائزة على جائزتي أوسكار، وقد حضر العرض الأول للفيلم الرئيسان الحالي باراك أوباما والسابق بيل كلينتون وصفقا كثيراً، ويعرض حالياً الفيلم في الإمارات كما في أنحاء العالم . التطلع نحو النجاح لم يدغدغ يوماً فكر ستيفن سبيلبرغ، فهوليوود بالنسبة له مجرد اسم مكتوب بحروف عملاقة على تلة، لا شيء أكثر . وبغض النظر عن روح الدعابة التي يتمتع بها هذا الرجل، فهو ليس فقط المخرج الأكثر نفوذاً في العالم، لكنه أيضا الأكثر تواضعاً . المعروف عن سبيلبرغ أنه ينتقل من فيلم إلى آخر وكأنه يتنفس، فلقد وقّع عقوداً لإخراج ثلاثة أفلام، خلال اثني عشر شهراً، ولذا فهو يقضي وقته متنقلاً من مشروع إلى آخر . ويقول سبيلبرغ في لقاء مع مجلة "باري ماتش": "أنا أول مشاهد وناقد لأعمالي، وأطلب من نفسي ما لا يطلبه أحد مني . وعلى عكس ما قيل مؤخراً، ليس لدي أي نية للتوقف عن إخراج أفلام الأكشن، وعندما أخرج فيلماً ما أسعى إلى إبكاء الجمهور وهز مشاعره، لكنني أعترف بأن نقطة ضعفي هي عدم إيجاد الكلمات دائماً، لقد أحببت هذا الفيلم وأصعب شيء فيه أنني كنت أعلم أن تصويره سينتهي يوماً . ويضيف سبيلبرغ: "لطالما حامت الحرب في خيالي، وقد تطلب الأمر مني اثني عشر عاماً تقريباً لإنتاج هذا الفيلم عن أبراهام لينكولن الذي يعد واحداً من أكثر الشخصيات غموضاً وتقديراً في التاريخ الأمريكي"، لقد افتتنت بهذا الرجل العظيم منذ نعومة أظفاري، ففي سن السادسة، كنت أكثر ميلاً إلى التاريخ من الرياضيات، وكنت أقص رؤوس الرؤساء بعناية عندما أتصفح كتب التاريخ، خصوصاً لينكولن . وكانت قصص الأشخاص الذين يناضلون من أجل حريتهم تجذبني لا سيما "الخطباء المفوهون" أمثال لينكولن لأنه كان يختار بعناية كبيرة الكلمات التي يستخدمها وذلك وفقاً لحالة الجمهور الذي ينصت له، وكان يتعامل مع الفكاهة ببراعة وذلك كسلاح قوي للإقناع . قتل لينكولن في 14 إبريل/نيسان 1865 بعد أن أصيب بعيار ناري في الرقبة من قبل أحد النشطاء الجنوبيين، ولم تتح له الفرصة لرؤية تطبيق قانون تحرير الرق الذي عمل على إطلاقه بعد معركة شرسة في 18 ديسمبر/كانون الأول . ويرى سبيلبرغ المعجب بشدة بلينكولن أن السنوات الخمس التي قضاها هذا الرجل في الرئاسة غيّرت تاريخ العالم، ويقول: عندما أرى أن الأمر كان يستغرق أكثر من مئة وخمسين سنة كي يصل صدى ما فعله لينكولن إلينا وإلى جيل الشباب، أعلم حينها أن الرجل كان عبقرياً، وكان قادراً على رؤية المستقبل بقدر ما كان يرى ما تعتمل به نفسه . لقد كان لينكولن يشعر بنبض الشعب، ويضعه دائماً فوق السياسة، وكان يعرف متى يتوجب عليه أن يتدخل بشكل عملي . سبيلبرغ يعتبر أن الرئيس أوباما ما كان ليصل إلى البيت الأبيض لو لم يعمل لينكولن على العبودية والتمييز العنصري . ويقول: "لا نستطيع القول عن زعيم إنه قائد عظيم إلا إذا أثبت ذلك بالبرهان، فلقد تم اختبار روزفلت كزعيم أثناء فترة الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية، وتم اختبار كينيدي خلال أزمة الصواريخ الكوبية، أما لينكولن فتم اختباره حين كانت البلاد على وشك أن تقسم إلى جزأين، وأوباما تم اختباره بالاقتصاد، فصحيح أن الانتعاش بطيء لكنه يتقدم . دانييل داي لويس "العبقري" يبدو أن المكالمة الهاتفية التي أجراها الممثل دانييل داي لويس مع صديقه ليوناردو دي كابريو هي التي شجعته على إعادة النظر في الاقتراح الذي قدمه له سبيلبرغ قبل ست سنوات لتجسيد لينكولن، وكان قد رفضه وقتها، ولكن بعد قراءة السيناريو الجديد، قبل داي لويس الدور شرط أن يتحضر له طوال عام . المعروف عن دانييل داي لويس اهتمامه بالتفاصيل وهو أمر مثير للإعجاب . ويقول سبيلبرغ: من أفضل من هذا الممثل لتجسيد شخصية لينكولن صاحب الكتفين المتقوستين المتعبتين؟ لا يوجد تسجيل صوتي للرئيس، ولكن بعد قراءة التقارير الموجودة حول خطبه، اخترع داي لويس صوتاً عالي النبرة يعتبر حسب رأيه أفضل ما يمثل لينكولن وهو وسط الحشود الجماهيرية . وأثناء التصوير، بدل سبيلبرغ سترته القديمة، والجينز وقبعة البيسبول ببدلة أنيقة وربطة عنق، وأخذ يخاطب الممثل داي لويس ب "سيدي الرئيس"، وبناء على طلب هذا الأخير، كان يمنع الحديث بين اللقطات . تم الانتهاء من تصوير الفيلم، ولم يشأ سبيلبرغ أن يجعل منه أحد قضية فيها أخذ ورد، فرفض عرضه قبل الانتهاء من الانتخابات الأمريكية . ففي سن السادسة والستين، مازال سبيلبرغ صاحب النظرة الماكرة، يؤمن كطفل بسحر السينما وأن الأفلام لديها القدرة على تغيير العالم، ويقول: لو استغرق تصوير "لينكولن" اثني عشر عاماً لانتظرت .