قد يبدو الخروج من منطقة اليورو حلا مناسبا لقبرص المرغمة على تطبيق إصلاحات بالغة الصرامة لتفادي الإفلاس، لكن المحللين يحذرون من أن هذا الخيار ينطوي على مخاطر كبرى بالنسبة لاقتصاد الجزيرة القائم على الاستيراد. واعتبر معهد المالية الدولية الذي يمثل كبرى مصارف العالم أنه سيكون «من الأسهل بكثير» على هذا البلد الصغير أن ينهض بفضل تخفيض في قيمة عملته، وهو أمر مستحيل في ظل اعتماده العملة الأوروبية المشتركة. وهو أيضاً رأي الحائز جائزة نوبل للاقتصاد الأميركي بول كروجمان، الذي كتب على مدونته الإلكترونية «على قبرص أن تخرج من اليورو حالا». ويرى كروجمان أن اعتماد قبرص عملة جديدة سعرها منخفض «سيسرع بشكل كبير في إعادة بنائها» الاقتصادي، إذ سيسمح لها بزيادة تنافسية قطاعات اقتصادية فيها مثل السياحة والزراعة من خلال لعبة أسعار صرف العملات. غير أن ماريوس زاخاريادس أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة قبرص فيرى أن هذا الخيار غير مجد، موضحا أنه سيؤدي إلى زيادة كبيرة في كلفة الواردات في حين أن الجزيرة تعتمد بشدة على الاستيراد ولاسيَّما في مجال الطاقة. وواردات قبرص تفوق صادراتها بأربعة أضعاف، مع تسجيل عجز في الميزان التجاري يتخطى 4 مليارات يورو لقاء إجمالي ناتج داخلي قدره 17 مليار يورو. وقال زاخاريادس إن «زيادة كلفة كل المواد المستوردة قد يؤدي على العكس إلى تراجع في تنافسية اقتصادنا، ما لم نعمد إلى تخفيض الأجور بشكل كبير». وأشار إلى أنه من الصعب العثور على يد عاملة أقل كلفة من عشرات آلاف الرومانيين والبلغار والباكستانيين، ولاسيَّما في قطاعي الفنادق والمزارع. ويلفت ألكسندر ميخايليدس أستاذ المال في جامعة قبرص إلى أن العديد من القطاعات مثل السياحة تعمل حاليا بأقصى طاقتها. وقال «لا يمكننا استقبال أكثر من المليوني زائر الذين يأتون كل سنة، وبالتالي فإن تخفيض الأسعار سيعني خفض العائدات من خلال مضاعفة الكلفة، لأن هذا القطاع يستهلك كمية كبيرة من الطاقة». وكان القبارصة الذين انتقلوا إلى اليورو عام 2008، من الأكثر تشكيكا في منطقة اليورو حتى قبل خطة الإنقاذ الأوروبية المثيرة للجدل. وأظهر استطلاع للرأي أجرته المفوضية الأوروبية في نوفمبر 2012 أن %48 فقط من القبارصة كانوا يؤيدون اليورو. ومع ارتفاع نسبة البطالة وتبني إجراءات التقشف، توقعت المحللة الاقتصادية فيونا مولين أن «يؤيد الرأي العام بشكل متزايد الخروج من اليورو». ودعا رأس الكنيسة الأرثوذكسية القبرصية الواسعة النفوذ المونسنيور خريسوستوموس الثاني إلى خروج منظم من منطقة اليورو، وهو مطلب رفع خلال التظاهرات ضد الجهات الدائنة الأوروبية التي فرضت على الجزيرة تحجيم قطاعها المصرفي الذي يشكل أحد مصادر العائدات الرئيسية فيها. لكن فيونا مولين حذرت من أنه في حال اختارت قبرص الخروج من اليورو مثلما يطالب به بعض السياسيين، فقد تنفد لديها سريعا العملات الأجنبية المطلوبة لدفع ثمن وارداتها. وذكرت الخبيرة أنه «عند انضمامها إلى اليورو تخلت قبرص عن القسم الأكبر من احتياطيها بالعملات الصعبة. واليوم لم تعد الجزيرة تملك سوى 450 مليون دولار، أي ما يكفي لدفع كلفة أسبوعين من الواردات». وتابعت أن أي خروج متسرع من اليورو سيكون بمثابة كارثة، موضحة أن الخروج من المنظمة يتطلب إعادة تشكيل احتياطي من العملات الأجنبية وتخفيض واردات النفط. كما لفتت إلى أنه ليس هناك أي إطار قانوني لهذا الخروج من اليورو، إذ إن مثل هذا الخيار في ظل النصوص الأوروبية المتبعة يعني على ما يبدو الخروج من الاتحاد الأوروبي أيضاً، وهو خيار لا يحظى بالإجماع على الإطلاق، إذ عندها ستجد قبرص نفسها وحيدة في مواجهة تركيا القوة الإقليمية التي تحتل شمال الجزيرة. وأبدت السلطات القبرصية تصميمها وأكد الرئيس نيكوس انستاسيادس الأسبوع الماضي «لن نخرج من اليورو»، فيما ردد حاكم البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي الأربعاء أن «لا خطة بديلة» لقبرص.