الفرق بين أن تكون مدانا أو بريئا، فرق شاسع، يصعب على المرء ذكره أو حصره، أو مجرد تصوره، فإدانة بريء _ خطأ كان أم قصدا_ يعني دمار إنسان وانهياره وتمزيق روحه، وتفريق أسرته وزعزعة كيانها ومصدر رزقها، إنها مأساة حقيقية من الصعب تصورها. والفرق بين أن تكون مدانا بتهمة ارتكاب جناية أو أن تكون مدانا بارتكاب جنحة، فرق هائل، وخطأ صغير في مجريات التحقيق أو الاستجواب أو خلال التقاضي يمكن أن يرمى بك في غياهب السجون سنوات طويلة. في صباح أحد الأيام وفي إحدى قاعات محاكم دبي، سرد أمين سر جلسة المحاكمة على المتهم الآسيوي الماثل أمام الهيئة القضائية لائحة التهم، والتي كانت ذات شقين الأول تعاطي المخدرات، والثاني الاتجار به، المترجم قرأ التهم على مسمع المتهم باللغة التي يفهمها ويجيدها، وسأله هل أنت مُخطيء، هل أنت مُدان بهذه التهم، أجاب: نعم، نقل المترجم للقاضي اعتراف المتهم. وبينما يقيد أمين السر اعتراف المتهم، طلب القاضي وبسبب حكمته وحنكته ونباهته وخبرته، وكون الاعتراف بتهمة الاتجار بالمخدرات تستوجب السجن المؤبد، بينما الاعتراف بالتعاطي يستوجب السجن 4 أعوام، طلب من المترجم الرجوع للمتهم وإعادة التأكيد عليه في اعترافه، وهل هو فعلا مذنب فيما يخص التهمتين، وقراءة لائحة التهم عليه بهدوء وروية، والتبين قطعا فيما يقدم من اعتراف. المفاجأة التي لم تكن متوقعة أن المتهم وبحسب قوله كان يقصد باعترافه أنه تعاطى المخدرات، مؤكدا أنه لم يسمع تهمة الاتجار بالمخدرات، ومنكرا أن يكون قد تاجر بها، وكان يمكن لهذا الخطأ أن يودعه السجن فيما تبقى له من سنوات عمره. مهام جسام مهام الترجمة الملقاة على عاتق محاكم دبي مهام كبيرة تتطلب جهدا شاقا، يقدمه 18 مترجما، متخصصون بترجمة 11 لغة، الانجليزية، الأوردية، الفارسية، الهندية، الروسية، البنجابية، الملبارية، السريلانكية، الفرنسية، الباشتو، إضافة إلى لغة الإشارة، وفي حال مثول أحد المتهمين ممن يتحدثون لغات غير التي يوجد لها مترجمون في محاكم دبي، يتم التعاون مع مترجمين معتمدين من خارج المحاكم سواء من سفارات المتهمين أو من مكاتب ترجمة معتمدين. اللفظ غير الصحيح من قبل المتهمين أو أطراف الدعوى من بين الاشكاليات التي يواجهها المترجمون في محاكم دبي الذين يغطون 95 % من القضايا التي تنظرها المحاكم يوميا، والذين نفذوا ما يقارب 9 آلاف و128 مهمة ترجمة في المحاكم خلال العام الماضي. بينما يُغطي المترجمون المتعاونون من خارج المحكمة 5 % للغات التي لا يتوفر لها مترجمون في محاكم دبي، سواء للمتهمين أو أطراف الدعوى كالشهود وغيرهم.وبحسب إحصائية محاكم دبي فإن عدد المهام التي سجلها القسم خلال 2011 بلغت 11 ألفو و305 مهام ترجمة، حيث شهد العمل انخفاضا في العام الماضي عن الذي قبله بما يقارب 20%، وهذا مؤشر على انخفاض عدد القضايا. المترجمون على درجة كبيرة من المهنية وقال عبدالله العوضي رئيس شعبة شؤون المترجمين في محاكم دبي إن المترجمين الذين يعملون لدى محاكم دبي على درجة كبيرة من المهنية، لافتا إلى أنه يحق لأطراف الدعوى التشكيك في ترجمة المترجمين، وتقوم المحكمة بالنظر بهذا الطلب، وهذا الامر لم يحدث في محاكم دبي، منوها في الوقت ذاته إلى أن اطراف الدعوى يجلبون وثائق مترجمة إلى المحكمة ويطلب القاضي من المترجمين في المحاكم إعادة ترجمتها مرة أخرى للتأكد من محتواها. وأضاف إن المترجمين لدى المحاكم محلفون ولديهم ولاء لعملهم، وأصحاب خبرة في مجالهم وبديهيتهم سريعة وثمة اشكاليات تواجه عملهم فبعض المحامين يفهمون ترجمة المترجم وخاصة في اللغة الانجليزية ويدعون أحيانا أنها غير وافية، ويمكن ساعتها أن يطلب القاضي من المترجم إعادة الترجمة. وفي أحيان أخرى ثمة اشكالية في اللفظ لأطراف الدعوى كأن يتحدثوا بلغة غير لغتهم الام ويخطئون في اللفظ، على سبيل المثال هناك متهمون اسيويون يتحدثون الانجليزية بشكل غير صحيح، فيطلب القاضي كذلك مترجما للغتهم الأم، إلى جانب أن بعض أطراف الدعوى داخل قاعة المحكمة يشعرون برهبة ويفقدون التركيز خلال اجاباتهم على الاسئلة الموجهة إليهم. وأوضح العوضي أنه يتم انتقال المترجمين إلى الجهة التي تطلبهم بناء على الطلبات الواردة بواسطة برنامج المترجمين من خلال شاشة تسجيل طلب ترجمة، وطلبات ثابتة وفق جدول المحاكم الجزائية والشرعية والمدنية، والطلبات الواردة عبر الهاتف، والواردة عبر أفراد الشرطة والواردة بواسطة المراسلين والمستخدمين. وقال العوضي إن الترجمة غير الدقيقة تؤثر سلبيا على مسار القضية، لافتا إلى أن المحاكم توفر لمترجميها دورات متخصصة في الترجمة كل حسب لغته، منوها إلى أن حجم العمل الملقى على عاتقهم كبير، مقارنة بأعدادهم.