اعترضت قوة من الشرطة البلجيكية الفيدرالية لمكافحة الإرهاب، أو الوحدات الخاصة، الشهر الماضي، سيارة المواطن الفرنسي من أصل جزائري، حكيم بن لادغم، وعندما حاول بن لادغم التصرف بعنف، أطلقت الشرطة عليه النار فأردته قتيلاً. واختارت الوحدات الخاصة اعتراض بن لادغم في سيارته على الطريق بدلاً من إلقاء القبض عليه في منزله، لأنه كان لدى المخابرات معلومات بأنه يتمتع بتسليح جيد في منزله، كما علمت الشرطة البلجيكية من نظرائها الفرنسيين بأن بن لادغم تدرب جندياً مظلياً في الجيش الفرنسي. وأظهرت المعلومات الاستخباراتية أن بن لادغم كان كثير الأسفار، وظهر من خلال أسفاره، وبريده الإلكتروني، واتصالات هاتفه النقال، أنه كان مرتبطاً بالحركة الجهادية العالمية. وبدلاً من مواجهتها خطر مهاجمة بن لادغم في شقته، حيث كان يملك ترسانة من الأسلحة، فضلا عن سترة بالستية وخوذة، قررت إلقاء القبض عليه بعيداً عن المنزل. لم تكن السلطات البلجيكية تريد المخاطرة بأفرادها في حصار مطول على منزل هذا الرجل، مثل الحصار الدامي الذي حدث في تولوز أبريل 2012 بفرنسا، عندما حاولت الشرطة الفرنسية اعتقال الجهادي محمد مراح. وتأكدت المخابرات من ترسانة الاسلحة التي يمتلكها بن لادغم من خلال تفتيش شقته، بما في ذلك بندقية هجومية، ومدفع رشاش وبندقية تكتيكية. وكان يمتلك مجموعة كبيرة من المعدات التكتيكية، من ضمنها سترة بالستية، وخوذة كيفلار، ودرع باليستي، وقناعان واقيان من الغازات. وبالنظر الى هذه المعدات والتدريب، يبدو أن بن لادغم كان مجهزاً تجهيزاً جيداً للتعامل، ليس فقط مع أي اعتداء على شقته، وإنما أيضاً لشن هجوم مسلح. وتشير المخابرات الى انه كان يستعد لتنفيذ مثل هذا الهجوم في 27 مارس، وهو ما جعل الشرطة تعمل لإلقاء القبض عليه. وأدى قرب شمال إفريقيا من جنوب أوروبا، والحملات الاستعمارية الأوروبية على هذه المنطقة ، جنباً إلى جنب مع سعي العديد من شعوب العالم الإسلامي للدراسة والعمل في أوروبا، كل ذلك أدى الى استيطان عدد كبير من المسلمين في القارة الاوروبية. إلا أن هذه العلاقة الوثيقة لم تخل من بعض الاحتكاك، فعلى الرغم من أن جزءاً كبيراً من المسلمين في أوروبا ينتمون إلى عائلات عاشت هناك لأربعة أو خمسة أجيال، إلا أن كثيراً منهم لم يندمج في المجتمع الأوروبي، ويعيشون في مناطق معزولة تهيمن عليها الغالبية المسلمة، وعلاوة على ذلك، تأثر المسلمون كثيراً بالأزمة الاقتصادية، التي أدت إلى زيادة معدل البطالة بين شباب المسلمين بشكل مخيف في أجزاء كثيرة من أوروبا، إضافة إلى التمييز ضد المسلمين في سوق العمل، ما جعل المسلمين يشعرون بالغربة، ويستجيبون للخطاب المتطرف، وينضمون إلى النشاط السياسي الراديكالي أو الميليشيات العسكرية. وتفاقم الوضع هناك جراء تساهل قوانين الهجرة، التي تمنح اللجوء لمنظري الجهادية، الذين تعرضوا للاضطهاد في بلدانهم الأصلية، فسمحت السلطات الاوروبية لرجال مثل عمر بكري محمد، و«أبوقتادة»، و«أبوحمزة المصري»، والملا كريكار، ضمن آخرين، سمحت لهم بإنشاء قواعد لهم هناك، وشكلت مناطق المسلمين هناك بيئة ثرية لدعاة الجهاد، الذين يتطلعون إلى استقطاب الشبان المسلمين الساخطين إلى صفوفهم. وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية اتخذت، منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، خطوات لطرد أو تسليم العديد من هؤلاء الجهاديين، فقد تواصل نشاطهم مع ظهور الجيل الثاني من الدعاة، فظلت قضية المواطنين المسلمين الساخطين على الوضع تنمو وتترعرع. وتوجد حالياً بالجامعات الاوروبية أعداد كبيرة من الأصوليين الإسلاميين. وتعمل حوادث، مثل حظر البرقع في فرنسا، والخطاب المعادي للإسلام من قبل سياسيين، مثل جيرت فيلدرز، على تعزيز فرضية أن الإسلام يتعرض لهجوم من الأوروبيين، الامر الذي يدعم جهود الدعاة لتجنيد أتباع جدد. ليس الشباب المسلم هم الأكثر عرضة للتطرف، وإنما يمكن أن يصبح كبار السن أيضاً أكثر راديكالية، مثل بن لادغم، البالغ من العمر 39 عاماً، أو العالم الفيزيائي الفرنسي، عدلان هيشور، البالغ من العمر 37 عاما. هؤلاء الأفراد الحاصلون على درجات علمية، وخبرة عملية مهنية، وسجلات جنائية نظيفة، يمكنهم التنقل بسهولة أكبر بين أوروبا وغيرها من البلدان الأخرى إذا لزم الأمر، ويثيرون شكوكاً أقل من تلك التي يثيرها من هم أصغر منهم سناً. ويمكن للمرأة أيضاً أن تصبح راديكالية، وأن تكون بمثابة قنوات مهمة للحصول على الأموال والاستخبارات أو التجنيد، أو الدعاية. ومع أخذ هذه العوامل في الحسبان، يصبح من الصعب جداً تلطيف خطر الجهاديين في أوروبا، ويمضي التهديد أكثر حدة مع تزايد وتيرة المؤامرات، والاعتداءات، والاعتقالات، والتهديدات. ويبدو أن طبيعة التهديد الجهادي تختلف قليلاً في أوروبا عما هي عليه الحال في الولاياتالمتحدة، بسبب اختلاف المجتمعات المسلمة. ففي الولاياتالمتحدة، حيث المجتمع المسلم أكثر تكاملا وأقل عرضة للعزلة في المناطق الخاصة به، فإن التطرف يصبح قضية شخصية، وطموحاً فردياً، وبمجرد أن يصبح الشباب متطرفين من خلال الإنترنت في كثير من الأحيان، يسهل القبض عليهم خلال التماسهم المساعدة ممن يعتقدون أنهم زملاؤهم، لكنهم في الاصل عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، أو مخبرون للشرطة. ففي17 أكتوبر 2012 تم اعتقال المواطن البنغالي، قاضي نفيس، الذي حاول تفجير بنك الاحتياط الفيدرالي، وفي 15 سبتمبر 2012 تم القبض على عادل داؤود، الذي يعتقد أنه فجر حانة في شيكاغو. الجهاديون الطموحون في الولاياتالمتحدة ايضاً أصغر سناً وأقل خبرة من نظرائهم الأوروبيين، وإن كانت هناك بعض الاستثناءات البارزة، مثل الرائد في الجيش الأميركي، نضال حسن، وإضافة إلى ذلك، هناك عدد أقل من الإناث المتطرفات في الولاياتالمتحدة. ويستطيع مسلمو أوروبا المحرومون العثور بسهولة على متواطئين معهم لا ينتمون إلى الشرطة أو الاستخبارات، حتى ان المجموعات الجهادية الاكثر تطلعاً والأقل خبرة - مثل الرجال الأربعة الذين ألقي القبض عليهم في أبريل 2012 في لوتون، بالمملكة المتحدة، الذين أقروا بذنبهم في التآمر لمهاجمة قاعدة للجيش البريطاني في الاول من مارس 2013 - من المحتمل ان يكونوا جزءاً من مجموعة راديكالية في المجتمع، ولهم أصدقاء وأقارب شاركوا في مؤامرات سابقة، أو سافروا إلى الخارج في مهام جهادية، وينطبق ذلك على حال محمد مراح، فعلى الرغم من تنفيذه عمليات إطلاق النار وحده، فإن مراح كان يشكل منذ فترة طويلة جزءاً من مجتمع ميليشي كبير، وسافر إلى أماكن مثل باكستان وأفغانستان للتدرب على القتال. ويبدو أن السلطات الفرنسية حققت أيضاً مع شقيقه الأكبر، عبدالقادر، في عام 2007 لمساعدته المسلمين الأوروبيين على السفر إلى العراق للقتال. وصورة بن لادغم التي بدأت في الظهور تشبه إلى حد ما صورة مراح، فقد كان بن لادغم دائم الاتصال بعدد من الأشخاص المرتبطين بالشبكات الجهادية في فرنساوبلجيكا، وكذلك مع الجهاديين في الخارج. ووفقاً لتقارير إخبارية، فإن الحكومة الفرنسية شكت فيه، بعد أن تم حرمانه من الدخول إلى غزة عن طريق مصر أثناء نقله مع آخرين سترات بالستية وأقنعة واقية من الغازات. وتسببت الضغوط التي مارستها عليه الحكومة الفرنسية بعد عودته من مصر في هجرته إلى بلجيكا، ونبهت السلطات الفرنسية نظيرتها البلجيكية بشأن بن لادغم، ولهذا ظل تحت رقابة لصيقة بسبب سجله. ومع ذلك، استطاع بن لادغم المشاركة في بعض الأنشطة المحظورة أثناء وجوده في بلجيكا. فقد شارك في عملية سطو مسلح في 21 مارس على مطعم خارج العاصمة بروكسل، في محاولة لسرقة اسلحة من صاحب ذلك المطعم. وتعرض اثنان من المشاركين معه في السطو للاعتقال، وأقر كلاهما خلال استجواب الشرطة بمشاركة بن لادغم في هذه العملية. ولم يتضح بعد ما إذا كان بن لادغم على علم باعتقال زملائه، لأنه على ما يبدو لم يحاول إخفاء الاسلحة أو التخلص منها، كما أنه لم يلجأ الى الفرار من البلاد، مثلما كان سيفعل إذا خشي الاعتقال. ومثله مثل مراح سلح بن لادغم نفسه، وكان خبيراً جداً بالأسلحة التي امتلكها. واستطاع بطريقة ما أن يحصل على سيارة ذات دفع رباعي غالية الثمن، على الرغم من أنه لم يكن يعمل سنوات عدة. وليس من الواضح ما إذا كان تلقى دعماً من الخارج، أو انه كان يدعم نفسه من خلال السطو المسلح، مثل سطو 21 مارس. إن نشطاء مدربين ومخلصين ومسلحين، مرتبطين دولياً، مثل مراح وبن لادغم، يشكلون تهديداً مختلفاً تماماً عن ذلك التهديد الذي يشكله الجهاديون الطموحون غير الاكفاء، والموجود بعض منهم في الولاياتالمتحدة، وهذا يعني أن السلطات الأوروبية ستخصص برنامجاً خاصاً بهم، وهذا بدوره لا يشكل فقط خبراً سيئاً بالنسبة للأوروبيين، وإنما قد يكون إنذاراً بمزيد من الهجمات المعادية للولايات المتحدة في أوروبا، أو ربما خارجها، في الوقت الذي يستطيع نشطاء يحملون جوازات سفر أوروبية التنقل بسهولة من مكان إلى آخر. سكوت ستيوارت - محلل بمؤسسة ستراتفور الاميركية