رغم أن التواصل البشري بين الناس مسألة فطرية وطبيعية وسلوك تلقائي لا يتوقف، إلا أن مهارات التواصل الاجتماعي المباشر تعد من أعقد المهارات السلوكية المكتسبة، وقد تحتاج إلى وقت طويل لتعلم خبراتها بأكثر من طريقة، عندما تتاح للفرد عناصر وخصائص فيزيولوجية وعصبية ونفسية مناسبة، وظروف وأوضاع وعلاقات اجتماعية ومادية مناسبة أيضاً. فالأفراد الحساسون جداً أو الانفعاليون أو والانطوائيون يصعب عليهم اكتساب تلك المهارات بسهولة، ولعل أغلب المشكلات التي تحدث بين الناس يكون سببها الأول عدم الفهم المتبادل بشكل جيد، أو فهم طرف لآخر بصورة خاطئة، ما يؤدي إلى التباعد والنفور والمشكلات. فعندما يعاني شخص ما فقدان الثقة بالنفس، فإنه عادة لا يدرك ذلك، وقد يعتقد أن كل من حوله هم أناس مملؤون بالعيوب، أو أنه الوحيد المملوء بالعيوب، وبالتالي تتعرض عملية التواصل لخلل كبير. لذلك فإن خبراء الصحة النفسية، يشيرون إلى أن سلامة الشخص النفسية تستند إلى "مثلث" الرؤية المتساوي الأضلاع، ولا غنى لضلع عن الآخر. الضلع الأول منه يتمثل في "كيف يرى الإنسان نفسه؟"، أي فكرة الإنسان عن ذاته، وإدراكه مواطن الضعف والقوة فيها، وما هي الجوانب السلبية والإيجابية في شخصيته. ومن ثم فإن الشعور بالثقة بالنفس يتوقف على فكرته عن نفسه. أما الضلع الثاني، فهو كيفية ومدى فهم الشخص للآخرين، وكلما كان هذا الفهم موضوعياً وشاملاً، كلما انعكس ذلك على مجمل العلاقة التفاعلية بين الفرد وغيره من الناس. وأظن أن أهم الأسباب الرئيسية التي قد تمنعنا عن فهم الناس بشكل صحيح هو أن نحكم عليهم من خلال نظرتنا نحن، فإذا كانت تنقصك الثقة بالنفس، وتقابلت مع شخص للمرة الأولى، ولم يكن ودوداً، فقد تظن أنه لا يستلطفك، بينما هو شخص خجول ولا يستطيع أن يظهر وده من أول مرة، وأن السبب الرئيسي لحكمك الخاطئ هو الاستناد إلى معتقداتك وفكرتك أنت عن هذا الشخص. أما الضلع الثالث، فيتمثل في "فهم الشخص لكيفية فهم الآخرين له"، أي فكرته الحقيقية عن رأي الناس عنه، أو كيف يفهم نفسه، والآخرين فهماً صحيحاً؟ وهذا الجانب يحتاج إلى أن تكون صورتنا عن أنفسنا واضحة، وأن تكون فكرتنا عن ماهيتها عند الآخرين واضحة أيضاً حتى نستطيع أن نصلح من عيوبنا نحن. فإذا أردنا أن نفهم الناس بطريقه صحيحة، علينا أن نُجنب معتقداتنا الذاتية جانباً، ونتخلص من أفكارنا المسبقة عن هذه الشخصية أو تلك قدر الإمكان، وأن نحاول أن نُلم بكل الجوانب المهمة في الشخصية التي نتعامل معها، حتى يسهل قراءتها عن قرب، وأن نتعامل مع كل شخص "كما هو"، وليس"كما ينبغي أن يكون"!. أي إذا أردنا أن نتواصل مع الآخرين بشكل جيد، علينا أن نتقبلهم بعيوبهم وسلبياتهم، دون أن نترك لأنفسنا العنان أن تتأثر سلباً أو إيجاباً، ومن ثم نستطيع بناء جسور الثقة والود والتفاهم . أعلم تماماً أنها مسألة شائكة، ومهارة ذاتية معقدة، لكن يمكننا ذلك، أو على الأقل، علينا أن نحاول! المحرر | [email protected]