هل لاتزال الولاياتالمتحدةالأمريكية ماضية قدماً في عسكرتها للعالم، إن كان سراً أو جهراً؟ وهل تبقى رؤيتها للقرن الأمريكي ولحروبها حول العالم كما هي حتى بعد ذاك الذي جرى لها في أفغانستانوالعراق؟ يبدو أن ذلك كذلك، لكن ربما تختلف الأدوات، بحيث لا تتكبد نفس الخسائر البشرية والمادية التي توجب عليها دفع استحقاقاتها في حروبها الأخيرة، وربما كان هذا منطلق بلورتها لشبكة عسكرية عالمية جديدة أخذت في إنشائها وتطويرها لفرض هيمنتها على العالم بأقل الخسائر وأكبر الأرباح . . عن ماذا نتحدث بشيء من التفصيل؟ في الأيام القليلة الفائتة كانت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تحدثنا عن شبكة عسكرية أمريكية جديدة يجرى الإعداد لها على قدم وساق تكون بديلة عن القوات الأمريكية الاعتيادية، وفي الوقت ذاته تعكس القدرة والنفوذ الأمريكيين، بما لا يؤثر في بسط الهيمنة الأمريكية حتى من المناطق التي تنسحب منها واشنطن، وإن ظاهريا، كما الحال في أفغانستانوالعراق مؤخراً . لماذا مثل هذه القوات وهل لإنشائها دلالات خاصة؟ يبدو أن الولاياتالمتحدة دولة ذات دلالة على الحروب، وقيل إنه لا بد وحتماً وبالضرورة أن يكون لكل رئيس أمريكي حربه الخاصة التي يخلد بها اسمه في تاريخ قياصرة واشنطن . وبحسب رؤية البروفيسور الكندي "ميشيل شوسودوفسكي"، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية، على نحو مباشر أو غير مباشر، قد هاجمت نحو 44 بلداً في العالم منذ العام 1945م، بل إنها هاجمت بعضها على نحو متكرر" . . هل حديث البروفيسور شوسودوفسكي صحيح وممتد حتى الساعة؟ في العام قبل الأخير لحكم الرئيس بوش الثاني، قدر للجنرال ويسلي كلاك أن يطلع في البنتاغون على وثيقة سرية تتحدث عن اجتياح سبعة بلدان خلال خمس سنوات، بدءاً من العراق ثم سوريا، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان، وانتهاءً بإيران" . والشاهد أن دلالة ما تقدم هي أن واشنطن التي أطلقت على شبكتها الجديدة من قواتها الخاصة اسم "رأس الرمح" باتت ترى أن فكرة وجود قوات ضاربة خاصة قد أثبتت وجودها، لاسيما في مطاردة أعداء واشنطن من المتطرفين حول العالم، وبحسب تصريحات قائد قوات العمليات الخاصة الأمريكية الأميرال "وليام ماكرافن"، فإنه "بعد الحروب الطاحنة التي خاضتها أمريكا في العراقوأفغانستان، فإنها لن ترسل القوات العادية مرة أخرى . هل كان لنجاح عملية اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن علاقة ما بتلك الشبكة الجديدة؟ حقا إن نجاح تلك العملية قد عزز حضورها، لاسيما إذا علمنا أن الأميرال "ماكرافن" الذي يقوم بتطوير مهام تلك الشبكة في مقر قيادة تلك القوة الجديدة في قاعدة "ماكديل" بولاية فلوريدا بالولاياتالمتحدة هو من خطط للعملية التي أسفرت عن اغتيال زعيم تنظيم القاعدة مطلع مايو/أيار 2011 . هل نحن إزاء جيش سري للولايات المتحدةالأمريكية؟ وإذا كان ذلك كذلك فأي دور إذاً يتبقى للقوات الأمريكية التقليدية حول العالم؟ القسم الأول من علامة الاستفهام يعود بنا إلى صفحات الكتاب الخطير المعنون "الولاياتالمتحدة السرية" . ظهور الدولة الأمنية الأمريكية الجديدة" لمراسلي واشنطن بوست "دانا بريست" و"وليام م .أركن" وفيه يتحدثان بالكثير جداً عن تفصيلات شبكة رأس الرمح وغيرها مما لم نعلم ولم يعلم العالم بعد عن حروب أمريكا وأوباما السرية . تقول صفحات الكتاب إنه منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2011 في نيويوركوواشنطن، تضاعف عدد المجموعات المسلحة الأمريكية السرية، وهي بالمناسبة لا تقتصر على الرجال فقط بل تضم النساء كذلك، وهي في الوقت ذاته تحافظ على مستوى شديد السرية، حتى إنه يفوق ما تستطيع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA تحقيقه، وقد وصف أحد أعضاء فرق البحر والجو والبر التابعة للقوات البحرية الأمريكية Navy Seal عمل تلك الشبكة بقوله "نعمل في الظل . . . نحن القوة التي تنظم الكون، لكن لا يمكن رؤيتنا" . ما هوية وطبيعة تلك الفرق في واقع الأمر؟ الثابت أن فرق البحر والجو والبر تعتبر جزءاً من قيادة العمليات الخاصة المشتركة في الجيش الأمريكي (ISOC) التي تحولت من فريق لإنقاذ الرهائن قلما يستعان به إلى جيش الولاياتالمتحدة السري، وعندما قتل أعضاء قوة النخبة هذه أسامة بن لادن في باكستان لم يحتفل مسؤولو قيادة العمليات الخاصة المشتركة بنجاح هذه المهمة فحسب، بل سعدوا أيضاً بأن عدداً من الناس صاروا يعرفون بوجود قيادتهم في ولاية كارولينا الشمالية . . هل من لمحة تاريخية عن تلك الشبكة التي أعلن عنها حديثاً والتي هي كائنة منذ نحو ثلاثة عقود في واقع الأمر؟ وماذا عن آليات عملها؟ مرة جديدة وباختصار غير مخلٍ كان إنشاء تلك القوات العام ،1980 وربما كانت عملية احتجاز رهائن إيرانيين الدافع والمنطلق الأول لإنشائها، في ذلك الوقت لم يكن عدد أفرادها يتجاوز 1800 فرد، غير أنه بعد أحداث نيويوركوواشنطن يتردد أن أفرادها الآن يتجاوز 25 ألفاً، يلعبون دور "اللهو الخفي" الأمريكي حول العالم، ولهم استخباراتهم الخاصة، وطياراتهم التي من دون طيار، أو بطيار، وشبكة خاصة متصلة بالأقمار الاصطناعية، فضلاً عن خبراء مقاتلين سيبريين في العالم الافتراضي، يعتقد أنهم كانوا وراء إغلاق مواقع المجاهدين الإلكترونية في 11 سبتمبر/أيلول 2008 . الغموض الشامل الذي يلم بشبكة "رأس الرمح" يثير العجب، ذلك أن أفرادها ينتشرون في وكالات حكومية مدنية، وأحياناً أخرى في سفارات أمريكية في الخارج وهو أمر معتاد ومتعارف عليه، وفي هذا يتخلون عن زيهم الرسمي، بخلاف القادة العسكريين الآخرين، وفي القتال لا يحملون علامات تدل على رتبهم العسكرية أو اسمائهم، ويختبئون غالباً وراء مجموعة من الألقاب، مثل جيش شمال فرجينيا السري، القوة الضاربة الخضراء، القوة الضاربة ،11 القوة الضاربة 121 . يتساءل البروفيسور "تشوسودفسكي": هل مثل تلك الشبكات تعد خطوة مؤكدة في طريق "عولمة الحروب" الحروب التي تشنها نفس الأمم التي تدعي الحفاظ على حقوق الإنسان وتطبيق وفرض القوانين الدولية؟ الثابت أن القيادة العسكرية للجيوش الأمريكية حول العالم تدار من خلال هيكلة قيادية متسلسلة، حيث تتبع القيادة العالمية المتحدة للجيوش الأمريكية إلى البنتاغون، وتنقسم القيادات إلى مناطق جغرافية، أشار إليها القائد العام السابق لجيوش الناتو الجنرال ويسلي كلارك، وأما خريطة طريق حروب العولمة القادمة، فقد وضعها البنتاغون وتتألف من سلسلة من مسارح الحروب التي تتداخل فيها أدوار القوات الأمريكية المسلحة النظامية، وتلك الشبكات العسكرية الخاصة السرية . . هل تحظى تلك الشبكات بدعم ما من الداخل الأمريكي؟ كيف ينظر العالم الخارجي إلى مثل تلك الشبكات السرية الأمريكية التي تنظم حكم الكون على طريقتها، كما قال أحد أفرادها الذي رفض بالطبع الكشف عن اسمه؟ في مذكرة سرية مؤرخة في (5 فبراير/شباط 2010) سألت وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA): ماذا لو أصبحت الشعوب الأخرى تنظر إلى الولاياتالمتحدة كدولة مصدرة للإرهاب؟" . الوثيقة التي نحن بصددها في حاجة إلى حديث مستقل وقائم بذاته، غير أن أهم خلاصتها أنها تحذر من عواقب اعتبار واشنطن عاصمة عالمية راعية للإرهاب الرسمي والمقنن، وإن كان خفياً غير ظاهر، لاسيما على الساحة الأمريكية، ونظرة شعوب العالم للأمريكيين، وما يمكن أن يفرز هذا الأمر من إشكاليات قانونية شائكة للولايات المتحدة وحلفائها وللمؤسسات الدولية، بما من شأنه أن يؤثر سلباً في الجهود العالمية الحقيقية لمكافحة العنف والإرهاب حول العالم . وعودة إلى السؤال المتقدم: ماذا عن الأدوار الجديدة للعسكرية الأمريكية التقليدية البعيدة عن شبكات "رأس الرمح" وأخواتها إن جاز التعبير؟ بلا شك تبقى القوات الأمريكية الرئيسة، كالقيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، والقيادة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادئ، تركز جهودها على العداوات المحتملة والمعارك المستقبلية المتوقعة مع إيران وكوريا الشمالية والصين . هل للاستراتيجية العسكرية الأمريكية الجديدة للعقود الثلاثة المقبلة دور في فهم حقيقة الحاجة إلى مثل تلك الشبكات؟ حكماً، إنها تقوم بملء الفراغ الذي تتركه الأساطيل الكبرى والجيوش، الجرارة الأمريكية، غير أن ما لا يغيب عن واشنطن، أو ربما تقصده بالفعل، هو أنه وفي المقابل تعمل على إنشاء ميليشيات مواجهة ومقابلة لعملها على بقية أطراف العالم، ما ينزع من العالم سلامه، وهذا هو زمن السلام الأمريكي العالمي Pax Americana الذي خطط له المحافظون الجدد منذ نهاية التسعينات . ويبقى قبل الانصراف تساؤل غير بريء: هل سيكون الشرق الأوسط عما قريب، وربما في سوريا تحديداً الموقع والموضع لإعمال أدوار تلك الشبكات؟ هل سيصيب "رأس الرمح" كبد الشرق الأوسط أول من يصيب، أم أنه ربما أصاب من قبل ونحن عنه غافلون؟