رجل مسن يلتصق لحمه بعظمه ويحمل كيساً أثقل من وزنه، وطفلٌ صغيرٌ بيده كيسٌ ويرافق والده الذي يحمل أكياساً أخرى، وفتاةٌ تجر أمامها عربة محملة بالأكياس، ما الذي بداخل هذه الأكياس؟ هذه أسئلة تستوقف كل متأمل يراها، خصوصاً أن هذه الأكياس لا تخرج من مجمع تجاري أو من محال للمواد الغذائية ونحوها، هذه الأسئلة هي مفاتيح لما يحدث هذه الأيام من دعوة صريحة إلى الابتعاد عن قطيعة الرحم التي سأتطرق إليها . تنفق بعض الدول المليارات من أجل حيازة نوع جديد ومتطوّر من الأسلحة لا يملكه غيرها، وتتطلع إلى أن يكون هذا السلاح إما هجومياً ضارباً مؤثراً رادعاً، وإما درعاً دفاعياً واقياً يستطيع صد أي هجوم كاسح، وتعتبره منطقة عازلة تحمي به حدودها من تساقط بعض الصواريخ والقذائف التي تدمر البنية التحتية، أو تؤثر في البيئة الطبيعية، أو تنقص عدد سكانها ومواطنيها أو تزيد من نسبة النائمين على أسرة مستشفياتها، أو توجد جيلاً من الذين يحملون عاهات سببها الإنسان . لكن البعض لا يعي أن للثقافة هذا الدور نفسه، ولا يعرف أنها سلاح مؤثر وفاعل أيضاً، لذلك تجده يمر على معارض الكتب لا من أجل أن يطلع على عنوان يجذبه، ولا كتاب يقرأه، إنما من أجل أن يقضي وقتاً ممتعاً في مشاهدة المتجولين، ويجلس مع هذا من أجل أن يطلب كوباً من الشاي، ويشرب مع آخر فنجان قهوة، ويأخذ قطعة حلوى من عارض آخر، ويكحل ناظريه بما يراه من ألوان زاهية، وملابس باهية، وعطور "راهية" غالية الثمن، ثم يخرج وقد كسر رتابة الحياة "وغيّر جواً" . هنا كان الوعي كبيراً بأهمية أن يتم تغيير هذا المزاج، وعلى الرغم من بعض هذه الظواهر السلبية التي تحدث في بعض معارض الكتب، فإننا بدأنا نلحظ عودة الصلة وانتهاء القطيعة، وما المبادرات والتنويع في الفعاليات الجاذبة من قبل معارض الكتب مثل معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي أوجد مساحات كبيرة للاستماع والنقاش والتفاعل من مقاه ثقافية وأمسيات فكرية وشعرية وغيرها، مما كان له بالغ الأثر في استقطاب عدد كبير من رواد المعرض إلا دليل على أهمية نشر هذا الوعي . كذلك مهرجان الشارقة القرائي الذي يهتم بالنشء لأنه يعي أن "العلم في الصغر كالنقش على الحجر" ويعد أكبر المهرجانات الثقافية المتخصصة في أدب وثقافة الطفل في الدولة والمنطقة، ويضم فعاليات من شأنها أن تدعم توجهات الطفل العلمية والمعرفية والتوعوية من خلال استضافة متخصصين يباشرون تقديم ورش وندوات المهرجان . اليوم أيضاً "أبوظبي تقرأ" وهي إحدى المبادرات التي تبدأ بالتوعية كسلاح مؤثر وفعال من أجل أن تعود أمة اقرأ للقراءة، كما سخرت كل الطاقات في معرض أبوظبي الدولي للكتاب من أجل أن ترتبط الأجيال بالكتاب مقروءاً ومسموعاً ومرئياً، ورقياً وإلكترونياً، بهدف نشر ثقافة القراءة وصناعة جيل مرتبط بعالم الكتاب والمعرفة . يقول الكاتب العربي عباس محمود العقاد في هذا السياق: ليس هناك كتاب أقرأه ولا أستفيد منه شيئاً جديداً، فحتى الكتاب التافه أستفيد من قراءته أني تعلمت شيئاً جديداً هو ما هي التفاهة ؟ وكيف يكتب الكتاب التافهون؟ وفيم يفكرون؟ لو سألت أحد الثلاثة الذين يحملون الأكياس في المشهد الذي بدأت به الحديث سيجيبك بالعنوان أعلاه، ولذلك أعلم أني إذا أخذت كتاباً أو معرفة فإني حملت سلاحاً جديداً أعتبره خط دفاعٍ في مواجهة من يقف أمامي بمعرفة مماثلة أو مختلفة .