مواضيع ذات صلة قدري حفني العدوان الإسرائيلي الجديد علي غزة يتصاعد, و صواريخ حماس تنطلق لتسقط طائرة إسرائيلية و تطال مدنا إسرائيلية, والصور تتري تنقل لنا ذعر الإسرائيليين, وتتنادي الأصوات العربية للتضامن مع غزة والشعب الفلسطيني. و إذا كانت المقاومة بالسلاح بحكم طبيعتها تندرج تحت ما نعرفه في تراثنا الإسلامي بفرض الكفاية يقوم به القادر فيسقط عن غير القادر; فإن كلمة الحق تعد فريضة عين تظل معلقة في رقبة صاحبها إلي يوم الحق. في أجواء ما يجري حاليا في بلادنا من تصاعد وتيرة الغضب الشعبي, و تصاعد نبرة خطابنا الرسمي بعدم جدوي اتفاقيات السلام التي لا تحترمها إسرائيل; لم يعد مقبولا شعبيا حتي لو كان صحيحا علميا و ممكنا عمليا- الحديث عن إمكانية الصراع السلمي مع إسرائيل, و من ثم فقد حانت لحظة مواجهة حقيقية مع الذات أولا قبل العدو. لقد ظللت أعواما طويلة منذ توقيع معاهدة كامب دافيد ثم اتفاقية السلام متبنيا لما أطلقت عليه آنذاك استراتيجية السلام الهجومي, و فصلت في ذلك ما استطعت, و كان أهم ما حذرت منه أن حالة اللاحرب اللاسلم تكفل المناخ الأمثل لازدهار العدوانية الإسرائيلية, و لم تلق تلك الدعوة قبولا حكوميا و لا شعبيا, و كنت موقنا رغم حماسي للفكرة- أنه لا قيمة لها إذا لم تجد مساندة من تيار مؤثر داخل الصف الوطني, و من ثم أخذت الفكرة في الشحوب تدريجيا خاصة أن العسكرية الإسرائيلية ظلت و ما زالت- لا تألو جهدا في سحق أية بادرة تفوح منها رائحة سلام مهما خفتت حتي لو صدرت عن يهود أو إسرائيليين. لقد تبني النظام السابق إستراتيجية اللاسلم اللاحرب التي ترفض التصدي العسكري كما ترفض السلام الهجومي; فتعلن الالتزام باتفاقية السلام التي لا تتعارض مع سحب السفراء مرة تلو أخري احتجاجا علي ممارسات إسرائيل, ولا تجد بأسا في غض الطرف عن الأنفاق في ظل تفهم إسرائيلي. ولا تجد بأسا من مهاجمة إسرائيل بشراسة ثقافيا وإعلاميا وأكاديميا وممارسة التطبيع معها بتروليا وعسكريا و استراتيجيا, مع تعليق إمكانية أي تغيير لاستراتيجية اللاسلم اللاحرب علي توافر وحدة الكلمة العربية و إنهاء الانقسام الفلسطيني. وتصاعد لدينا في المقابل خطاب شعبي لا يري في الاعتراف بدولة إسرائيل جريمة وطنية فحسب, بل وخطيئة دينية كذلك. وتصاعدت الهتافات يا يهود يا يهود جيش محمد سوف يعود. وارتفعت الدعوات من علي منابر مساجدنا تدين نظاما يتواطأ مع أبناء القردة والخنازير, ويتقاعس عن مواجهة جنود جبناء تمتلئ نفوسهم منا رعبا فيقضون حاجتهم داخل الدبابات. وجاءت ثورة يناير وأصبحت السلطة في يد الإخوان المسلمين وهم الفصيل صاحب الصوت المتميز في الإدانة الدينية للتعامل مع إسرائيل, وأصبح المتوقع جماهيريا أن تضع السلطة الجديدة خطابها الشعبي السابق موضع التنفيذ, حيث لم يعد مقبولا شعبيا الاستمرار فيما كنا عليه: أن نتمسك بمعاهدة السلام, ونكتفي بتحاشي النطق علنا باسم إسرائيل, وأن نسعي لتهدئة الأوضاع باعتبار أن لدينا قنوات علي الجانبين. قد تكون كل الإجراءات التي اتخذت ضرورية, والأرجح أن تؤدي إلي تهدئة جديدة, ولكن ماذا بعد؟ إن علينا أن نحدد بوضوح ملامح الاستراتيجية المصرية للتعامل مع إسرائيل, وغني عن البيان أن اختيار استراتيجية محددة لا ينبغي أن تحكمه ردود الفعل السريعة بل ينبغي أن يخضع لدراسة دقيقة متأنية, ولعل أهم الاختيارات تتلخص في: الاستمرار في سياسة اللاحرب اللاسلم, وثمن هذا الخيار يتمثل فيما يسببه من ابتزازنا عربيا وإسرائيليا, بالإضافة إلي أنه يعني استمرار استنزاف قوانا في صحراء سيناء وأيدينا مغلولة عسكريا بحكم اتفاقية السلام, ومغلولة فكريا بحكم انتماء الإرهابيين لفصائل تحمل نفس شعاراتنا الإسلامية المعادية لإسرائيل, مما سيؤدي في النهاية إلي خروج سيناء بشكل رسمي ونهائي من مظلة السيادة المصرية. السلام الهجومي, وهو الأقل تكلفة من حيث المال والدم, إذ يعتمد علي الدرس الأساسي المستخلص من ثورات الربيع العربي متمثلا في الإمكانيات غير المحدودة للحشد الجماهيري السلمي و الذي تتضاعف قوته إذا كان عابرا للحدود, ولكن هذا الخيار يعني بوضوح كسر شعار المقاطعة, ومن ثم فقد يثير رفضا شعبيا مصريا وعربيا فضلا عن الابتزاز الإسرائيلي. خيار إلغاء معاهدة كامب دافيد أي سحب الاعتراف بدولة إسرائيل المغتصبة للتراب الفلسطيني, وحينئذ يتطابق خطاب السلطة وسلوكها مع خطابها الدعوي, ولا يستطيع أمثالي من غير المتخصصين في الشأن العسكري, الإدلاء بقول في تكلفة مثل هذا القرار, فالكلمة الفصل فيه للقوات المسلحة المصرية وأجهزة الدولة المتخصصة في الأمن القومي. خلاصة القول إننا إذا كنا حيال عدو حقا, وكنا قادرين علي قتاله بالسلاح فتقاعسنا فلذلك ثمن, وإذا كنا قادرين علي مواجهته بالسلام الهجومي وتقاعسنا فلذلك ثمن أيضا, فإذا لم نكن قادرين علي شيء من ذلك وأعلنا العداء والحرب فإننا مغامرون والمغامرة لها ثمنها كذلك, أما إذا غلبت علينا ثقافة الهزيمة فاستسلمنا فإنها نهايتنا. وفي كل الأحوال لا مهرب من الاختيار ودفع الثمن, وأظننا قادرين علي ذلك مادام الاختيار اختيارنا.