نكبة فلسطين ما زالت جراحها تلهم المبدعين ، يقتطعون من أرواحهم أجزاء يبعثونها أحلاماً للغد الموعود ، أحلاماً صارت أحاديث الأدب والأدباء ، يترددون بينها وبين الألم الموروث من كل عام يمضي دون عودة ، وعندما يكون الحلم والأمل لسان حال الشباب فإن هذا يعطي مؤشراً على طاقة فينيقية تنبعث وتتجدد في دماء الأجيال الفتية ، تؤكد أن الوطن هو الوطن ، وأن العهد هو البقاء ، حتى الرمق الأخير في نفس المقاوم ، والقطرة الأخيرة من حبر الشاعر ، تبقى بعد ذلك القصة والحكاية عند النقطة الأولى إحياءً لوفد جديد من الإقدام والتميز على طريق الوطن القادم رغم تأجيلات الظروف المتجمدة بين محتوى سنتي 1948 و 1967م . انطلق تجمع (أقْلَامْ) الشبابي للأدب بصفحة على الفيسبوك ، هدفها ضم مجموعة من الشعراء والأدباء الوطنيين الملتزمين إليه ، وقد نجح في استقطاب عدد مميز منهم ، حيث كانت الصفحة منطلقاً لإبراز أولئك الشباب المبدعين للقارئ المعني بهذا الأدب الراقي ، وطريقاً تفتح أبواباً لهؤلاء تسمح لهم بالارتقاء بمواهبهم ، والتقدم في فنهم وإبداعهم . وكذلك وفرت لهم الصفحة مجالاً رحباً للاعتناء بالقضية والوطن باستحضار المعاني من شفاه الأقلام إلى عيون الأوراق ، مشكلين أنموذجاً للشباب الفلسطيني المتميز ، معبرين عن جيل جديد من الفلسطينيين يقرر بكل ما لديه من حزم انتماءه لأرضه ومقدساته دون تفريط أو تنازل . لم يكتف أولئك الشباب الطموحون بحدود صفحة (أقْلَامْ) فضاءً لفيض خواطرهم ، بل توجهوا إلى الميدان والعمل المثمر ، وقطفوا أول موسمهم أمسية (رواق الوطن) الشعرية ، والتي أقيمت في مركز بيت المقدس للأدب في رام الله ، وقبل مضي شهر على تلك الأمسية الاستكشافية ، بحثوا عن بصمة أخرى فكانت لهم ، ووقعت باسمها في سجل الإبداع: الأمسية الشعرية ((وطن مؤجل)) ، حيث عقدت في مدينة الخليل ، في قاعة مركز إسعاد الطفولة التابع لبلدية مدينة الخليل ، وقد شهدت تطوراً ملحوظاً في الأداء التحضيري على المستويين الشخصي والعام للشعراء الشباب القائمين على الفعالية ، وعدوا بعدها أن يستمر هذا التقدم والتطور ، وأن يضعوا كل إمكانياتهم لتحسين الوضع وتطويره أكثر كل مرة يتقدمون فيها . الأمسية الشعرية (وطن مؤجل) حملت ذكريات النكبة في وجه الأحلام المتشبثة في العودة ، وقد صرخ شعراؤها واحداً تلو الآخر بنبرة جادة تثبت الحق للمشردين ، وتقدم بطاقة حمراء من دم القصائد للمحتلين . بدأت الأمسية بتلاوة الفاتحة انطلاقاً في سبيل الوطن وإحياء للراحلين فيه ، ثم كانت وقفة مع السلام الوطني الفلسطيني ، بعدها فتح المجال واسعاً للشعراء ليغردوا ضمن أسراب العائدين على صهوات آمالهم ، تقدمهم الشاعر السلفيتي المميز: مالك سمارة ، ثم تلاه ابن مدينة الخليل الشاعر الواعد محمد عمرو ، وثالثاً كان الشاعر المبدع عبد الشافي الدحلة ولرام الله الفخر ، بعده أطلت نجمة من الخليل بصفة مبدعة صاعدة واسم إيناس عيدة ، والختام المسكي كان من نصيب الشاعر الجميل كرمل البرغوثي من رام الله أيضاً . هؤلاء الشعراء الشباب حطموا قيود المأساة فغادروها ، وأغلقوا أبواب النكبة ثم حاصروها ، مشرعين المصاريع لأحلام العودة ، راسمين بكلماتهم بقية خريطة الوطن العتيقة ، مكملين بذلك عناوينهم على امتداد جذور الإبداع في مدن الضفة الغربية لمحتلة ، الشهداء الراحلون حضروا ، والأسرى المعذبون ما غابوا ، واللاجئون المشردون عادوا وظهروا ، القدس ويافا وحيفا والجليل وبيسان وأم الرشراش وغيرها هبطت في الذاكرة من جديد ، وتسلسلت حلقات الوطن في عقد بهي ، يستحق أن يتوج بمثله هؤلاء المبدعون الشباب ، وقد امتدت الأحلام إلى أبعد من حدود فلسطين ، وظللت تونس بثورتها الشعبية ، والقاهرة بقوتها المعزية ، وسوريا بجراحها ونكبتها التي ما تزال تنزف ، ومروا على اليمن ، وعلى كل الوطن العربي الكبير ، آملين أن يكون بخير . وختاماً لهذا الاحتفال الموشى بالجمال ، فتح الشباب المجال لجمهورهم المميز ، فتقدم الأستاذ الدكتور علم الدين الخطيب ، مستحضراً شبابه في وجوه أولئك الشعراء الشباب ، مثنياً على شاعريتهم وخطابهم وفنهم الجميل ، معبراً عن شكره لهم باحتضانهم ومصافحتهم بعد أن أمتع الحضور بأبيات من شعره ملأت ذاكرته بعد هذا العنفوان الشبابي . وتقدم بعده المهندس محمد حسين عمرو ، وهنأ الوطن بهؤلاء الشباب ، قائلاً: أنتم مناضلون على طريق الوطن ، كما أكد مفاجأته بهذا الزخم الذي حمله شعرهم وأدبهم ، معلناً للمستقبل عن أسماء شعراء فلسطين المقبلين كما تأمل وتنبأ ، منهياً كلمته بمصافحة الشباب ومعانقتهم . ويكتمل هذا المشهد بين جيل الشباب والشيوخ ، بمشهد لجيل الأطفال وبراعم فلسطين ، حيث شاركت طفلتان من مدينة الخليل بفقرتين قصيرتين ، تناولتا الوطن والصمود والتمسك والثبات ، في أدب بريء كأصواتهم الرقيقة وأعوادهم الناعمة ، وكانت هذه الحلقة الأخيرة التي سطرت امتداد فلسطين عبر الزمان والمكان ، وتجذر أصولها التي ما أوقفتها النكبة ، فتنفسها حريةً الأطفالُ في يوم السبت 25- 5 – 2013م ضمن الأمسية الشعرية (وطن مؤجل) . متصفحك لا يدعم الجافاسكربت أو أنها غير مفعلة ، لذا لن تتمكن من استخدام التعليقات وبعض الخيارات الأخرى ما لم تقم بتفعيله. ما هذا ؟ Bookmarks هي طريقة لتخزين وتنظيم وادارة مفضلتك الشخصية من مواقع الانترنت .. هذه بعض اشهر المواقع التي تقدم لك هذه الخدمة ، والتي تمكنك من حفظ مفضلتك الشخصية والوصول اليها في اي وقت ومن اي مكان يتصل بالانترنت للمزيد من المعلومات مفضلة اجتماعية