د.احمد علي عبد اللاه هذه اليمن في عام آخر مغسولة بالعرق والسهر ، وحائرة بين دفاتر التلاميذ والرصاص وصرخة الشمع التليد وهو يسيل متعجلاً ، من فرط الصمت والاحتراق . لغز الكهرباء تجاوز شفرة دافنشي ، بينما الصحافة تبحث يوم بعد يوم في تفسير تاريخي لهذه الاحداث ، في جهد تجاوز البحث في لوحة العشاء الأخير ، وعدد الحوارية ومكان ماريا المجدلية بينهم . يقال ان شيخاً قبلياً بالطبع متربص بوضع الأبراج ، ما ان ينتصب البرج حتى ( يتنصعه) ويخرُّ البرج شهيداً مرة تلو الأخرى . لا يحتاج المرء الى مثل تلك الرحلة الغامضة بين الكنائس ، محفوفة بالمخاطر خوفاً من أخوية صهيون ، ليبحث عن اسرار الأنبياء القادمين من قبائل في سراة عسير او صحراء ابتلعت حضارة ملكة الملوك ، فكل شيء بائن في وضح القبيلة والنهار ، تصبح عنده الحكومة المتخشبة كالابرص المرافق لاحد الباحثين عن صندوق صغير يحوي خارطة ربما تشير إلى مكان التراث اليسوعي بعد قرون طويلة . لغزُ دافنشي حيَّر البشرية في العالم هناك ، ولغزٌ صُنِع هنا افحم البشرية في اليمن . وبما ان اليمن الطبيعية جغرافيا غموض تاريخي احتفت باقوام العرب البائدة التي ربما كانت منبت للأديان الأولى وهاجرت بعد زمان تبحث عن ارض الميعاد ، بما أنها كذلك فانه من الطبيعي ان تظل مهبط الحيرة وعرين الخوف ، مزودة باحفاد الرهبة يتناسلون وبهم سجايا القتل والثأر وضرب الأبراج ومواكب الأعراس الدامية ، مدمنة على الظلام حولها ، تجمعُ أكياس الذهب في النهار وتحصي ضحاياها ليلاً . وقد يكون الضحايا أطفال يأكلهم الظلام ومسنّين تتوقف أنفاسهم عن العمل وينهارون زاهدين بحياة في قبضته . نحن اذاً أمام لوحة دافينشية ليست عن مادونا الصخور ولكن عن كلفوت الكهرباء والأبراج الساهمة إلى الفضاء الخارجي ، برومانسية ذائبة ، بانتظار معجزة إلهية تغيثها من هذا العبث الهمجي قبل ان تسّاقط كقوائم ديناصور حل بها شواظ من السموات البعيدة. يا أيها البلد عليك ان تستقيل من كونك بلد ، فانت ان ظللت في خضم ظلامك لن تكون هناك شمس مرتقبة ، ولن تحتاج إلى حوار باهت يظهر لونه في اسفل لوحة متآكلة أنني اجزم بان العالم يزيد غباءاً كلما حاول ان يقترب من معرفة ماذا يدور في بلد التواريخ ، واجزم ان لا شيء يسير في اليمن غير الطائرات بلا طيار ، وقصف الكهرباء وتفجير انبوب النفط السقيم ، وحوار الموفمبيك الاعرج ، ومواكب العرس المفجعة ، وقبل كل هذا الرصاص الغامضة ، ايضاً ، التي تنتزع أرواحاً مُعَدَّة سلفاً للموت . إذاً بين سرِّ السلالة اليسوعية التي أوعز اليه دافنشي بخبث شيطاني من خلال ترميز فني غارق في الالتباس ، لتظل شفرته الخالدة خلود الأديان ، وبين سرِّ السلالة المخلوقة من اجل قصف الكهرباء اليمنية في وضح النهار يظهر الفارق بين البحث من خلال الفنون العظيمة .... وبين الضياع اللانهائي وسط الجهل العظيم .