د/علي صالح الخلاقي اليافعي في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به شعبنا الجنوبي المطالب باستقلاله وحريته من براثن القوى القبلية المتخلفة التي أجهزت على الوحدة السلمية وحولتها إلى احتلال ونهب للجنوب منذ اجتياحه في صيف 94م..كم نحن بحاجة لاستلهام مآثر وبطولات أولئك الشجعان من الفرسان الميامين الذين واجهوا الاستعمار بعزيمة وثبات ووقفوا بإمكانياتهم البسيطة ولكن بإيمانهم القوي بقضيتهم أمام الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.. وفي مقدمة هؤلاء ياتي اسم الشهيد السلطان الثائر محمد بن عيدروس. . وأقتطف هنا ما ورد عنه في كتابي:"الشيخ أحمد ابوبكر النقيب..حياته واستشهاده في وثائق واشعار", فتحت عنوان (ثورة محمد بن عيدروس): كتبت: "لم تكن علاقة سلطان يافع بني قاصد عيدروس بن محسن العفيفي بأحسن حال مع بريطانيا،فقد تصدت له السلطات البريطانية عام 1945م, عندما أبلغها بانتهاء مدة الاتفاقية المبرمة بينهما, والتي نصَّت على استغلال أراضيه لمشروع القطن, والتي تم التوقيع عليها عام 1941م. ولتعارض ذلك مع مصالحها في بقاء هذا المشروع, سعت إلى تأليب أبناء عمومته – بقتل أحدهم – لإثارتهم عليه, لتحصل بذلك على حجة ضده بهدف تجميد نفوذه, ومنعه من مزاولة نشاطه السياسي. ولم تكتف بذلك, بل هاجمته بقواتها, واضطرته إلى مغادرة المنطقة الساحلية واللجوء إلى الجبال. وفي 10 أبريل 1949م تم تسوية الخلاف بين السلطان عيدروس والبريطانيين بواسطة سلطان العواذل صالح بن حسين في لقاء تم في "زارة" عاصمة السلطنة العوذلية. وفي يوليو 1952م تولى السلطان محمد بن عيدروس بن محسن بن علي العفيفي نيابة السلطنة وتزامن ذلك مع قيام الثورة المصرية التي كان لها أثرها الكبير في نشر وتوسيع الوعي العربي التحرري, وكان محمد عيدروس من أشد المعجبين بها وبزعيمها جمال عبدالناصر. ومنذ مطلع عام 1954م اصطدم مع البريطانيين بسبب تدخلهم في شئون لجنة أبين وأصر على أن ليس من شأنهم التدخل في شئون سلطنة يافع السفلى, فضلاً عن رفضه الواضح لمشروعهم المتمثل بقيام الاتحاد الفيدرالي. تفاقم ذلك الصراع بينه وبين الإنجليز, فترك السلطان الثائر محمد بن عيدروس كرسي الحكم والإغراءات التي يحصل عليها أمثاله من الإدارة الاستعمارية, واختار طريق الكفاح ضد المستعمر البريطاني. وعلى إثر ذلك، كما اعترف انجرامز: "نُصِّبَ ممثلُ ألعوبة في أبين" ويقصد بذلك تعيين حيدرة منصورة نائباً للسلطان.ويضيف انجرامز: "وكانت دولة يافع السفلى منذ تلك الأيام لا تعني إلاَّ بعض السكان معظمهم من القسم الذي يعيش في أبين. ولكن سلطنة يافع التقليدية التي ترجع اصولها إلى عهود ما قبل الإسلام تبقى هي يافع الجبلية التي يسيطر عليها الآن روبن هود يافع السلطان محمد عيدروس"( ). بدأت انتفاضة الأمير الثائر محمد بن عيدروس ضد القوات البريطانية في 17 ديسمبر 1957م حينما غادر الحصن في يافع الساحل إلى يافع الجبل وانضم إليه ثلاثمائة من الحرس القبلي، ثم انضوى تحت لوائه تسعمائة قبيلي مسلح, وذهب الجميع بقيادة الأمير الثائر إلى حطاط، وفي حطاط توافدت أفواج القبائل الثائرة تقدم ولائها للقائد, ومن هؤلاء الرجال, المراقشة من أهل فضل ومن الحواشب, وانضمت إليه قبائل مسلحة من يافع العليا لنصرته. وكان الثائر محمد بن عيدروس قد حمل معه الذخائر اللازمة والأطعمة الضرورية لتموين رجاله الذين يجدون فيه الزعيم والقائد( ). تمركز السلطان الثائر وأنصاره في موقع اسمه "مَكَرْ" في حطاط, وقاموا بعدة عمليات تم خلالها مهاجمة المراكز العسكرية في الحصن وحلمه وباتيس،قتل في إحداها الشهيد عبدربه محمد الحاصل, وقد تعرضت مواقع الثوار للقصف بالطائرات البريطانية, ففي 13 يناير 1958م قصفت الطائرات البريطانية بقنابلها قافلة من الجمال في الطريق بين مدينة الحصن وجبال يافع وقتلت عائلة بأكملها مكونة من ثمانية أشخاص بين نساء وأطفال ورجال وقتلت معهم 16جملاً. وكانت القافلة لتاجر اسمه الناخبي وقد قتلت أخته, وبعد أن قام الثوار بدفنها، رددوا زوامل كثيرة منها الزامل التالي للشاعر أحمد فضل البنكعي: والله يا لذناب ما فاته لكم ضرب الجمال الكوميه واحمالها الناخبي ماله ودمه عندكم وأخته معه يشهد عليكم قبرها وزامل آخر في نفس المناسبة للشاعر العلوي يقول فيه: يا ذي تبيعونا ورحنا أخوانكم با تدفعوا قيمة خيانتكم لنا بعتوا ضمائركم لترضوا اسيادكم والأنجليزي نخرجه من أرضنا كان السلطان الثائر محمد بن عيدروس مناضلاً شجاعاَ ً وقف بصلابة في وجه بريطانيا ومشاريعها الاستعمارية بإمكانياته البسيطة وبدعم شعبي واسع, وتجاوب معه المناضلان الشيخ أحمد أبوبكر النقيب والمناضل محمد صالح المصلي وآخرون في مناطق يافع بني مالك الذين تمركزوا في موقع "محطة الحد" القريب من مقر السلطان بن هرهرة في جبل "حِلْيَنْ". وحين فشلت القوات الاستعمارية في إضعاف عزيمة السلطان الثائر وأنصاره, لجأت إلى سلاح الطيران البريطاني الذي شن غارات وحشية على عشرات القرى في يافع الجبلية وكان من نتائجها تدمير منازل وبيوت كثيرة, وترافق مع ذلك حرب المنشورات والإنذارات التي كانت توزعها الطائرات الحربية لإرهاب المواطنين وإضعاف روحهم المعنوية وتأليبهم ضد السلطان الثائر وأنصاره, وهو ما لم يحقق أية نتائج, بل على العكس زاد من روح العداء للإنجليز واحتضان ودعم الثوار. في أواخر أكتوبر 1960م بلغ السلطان، من مصادره الخاصة, خبر زيارة وفد كبير بقيادة (ميلن) إلى منطقة "سُلُبْ" شمال شرق القارة, بهدف اختراق يافع الجبلية من أطرافها بالترابط مع مخطط للوصول إلى "حِلْيَنْ" لعزل يافع عن محيطه المجاور الداعم للمقاومة ضد الانجليز. كتب السلطان إلى القبائل وأوضح لهم أن باطن الزيارة غير ظاهرها وعليهم إرجاع الوفد من حيث أتى. وجاءت القبائل زرافات ووحداناً من مختلف مناطق يافع وجرت معارك بين الجانبين اعتباراً من 27و حتى يوم 30 أكتوبر وتدخل سلاح الجو البريطاني بقصف مواقع المقاتلين,وقصفت القارة وقرية (السَّوْرَقْ) في ذي ناخب. ما حدث في (سلب) أثار حفيظة الإدارة البريطانية كما يبدو من تكثيف وتنظيم عملياتها الاستخبارية عن خصمهم وأنصاره ومن خططهم التي وضعوها للوصول إلى القارة واحتلالها. وعندما وجد السلطان محمد انه عاجز عن مقاومة وردع سلاح الجو البريطاني الذي يسرح ويمرح ويفعل ما يحلو لخصومه ووجد أن بقاءه على هذه الحالة يزيد من تدمير المساكن وحرق المزارع وترويع المواطنين في يافع ويزيد من مآسي أبنائها دون أن يكون قادراً على الرد لذلك قرر المغادرة إلى البيضاء وكان ذلك في 5 شهر يونيو 1961م( ). ثم اتجه إلى العمل السياسي المناهض للإنجليز". ومن كتابي قيد التجهيز عن (الزوامل لسان الشعب) , الذي يضم زوامل ورواجز من مختلف مناطق الجنوب, أورد أبيات مختارة من قصيدة على شكل زوامل للشاعر بن ظفر الحميقاني وجهها إلى السلطان الثائر محمد بن عيدروس العفيفي في 14 ربيع الثاني سنة 1380ه/الموافق 6/10/1960م, يستهلها بقوله: قال امظفر ذي سكن باشعابها ما يطرح الاّ ساس بيته من حجر حيا الله الليله رجاجيل السلب أهلا بيافع ذي بها كمّن نمر مني سلام ألفين لك يا ضيفنا يملأ بلاد أرض اليمن بحراً وبر أهلا وسهلا فيك لا بيناتنا سلطان يافع هو ومن عندي حضر من قبل ما نقرأ عليك أخبارنا هو شي معك لي من قدا يافع خبر بر امزيود يبّس عثضاة امشافعي مدري متى يرجع ورقها ذي هبر ثم يتعرض لواجب تحرير الأرض من الاستعمار البريطاني مشيدا بالدور البطولي للسطان محمد بن عيدروس أثناء تمركزه وأنصاره في "مَكَرْ" في حطاط عام 1958م, يقول امظفَّري: واجب علينا با لِحَرِّر أرضنا من كل ظالم طال حكمه واستمر الأنجريزي من عدن با لطرده والبدر قالوا قد نذق ثوبه وفر امجيد لا بندم عليها صحبته وامفسل ماهل با يوديك امحفر كذاب ذي ينساك يا بن عيدروس وانته نمر لنمار تتحدى القدر با ذكّرك بالوقت لوّل ذي مضى ليلة تعسكرتوا بشعبه في مَكَر (مِلْيَن) تحرك من عدن في قوته فرقه من (امليوي) وفرقه من (شَبَر) عشرين دبابه تساند حملته وامطايرات أفواج من فوقه تمر واموعل ذي بمحيد زادت همته ما هاب شي كثرت عتاده وامبشر تاريخكم سيته بقلبي تذكره والله ما بنساه لا يوم امحشر سيتو مآثر بامسنين اموَّله قدكم لنا قاده وفيكم لفتخر وفي الختام أورد زاملاً للسطان الثائر محمد بن عيدروس , رواه لي د.سالم أحمد علي الوالي حيث قال أنه التقى ذات مرة من عام 1958م في القاهرة السلطان محمد بن عيدروس وبمعيته المناضل ممحمد صالح المصلي في فندق رمسيس, وكان السلطان وسيم ويُدعى في الفندق ب (البرنس) وكانت البنات تغازلنه, فقال له المصلي:أيش رأيك بالبنات. فأجاب: شاة البلد تعشق التيس الغريب. وأثناء الحديث عن الوضع في يافع وقصف بريطانيا للقارة, سمع منه زاملاً ارتجله السلطان في الحال يقول فيه: إن قنبلونا والنبي ما همَّنا وان دمروا فينا المصانع والبلد وان هدموا القاره فبا تُبنى ثِنَا ما عيب إلاَّ مَنْ ترك واقفي وشد رحم الله السلطان الثائر محمد بن عيدروس الذي لقي جزاء سنمار , حيث أغتيل مع كوكبة من مشائخ واعيان يافع غدرا حيث تم تصفيتهم في (سلب حمة) وعددهم ثمانية عشر شخصا، وكان السلطان محمد واخوته محمود وفيصل من ضمنهم.