جاء صوت ابنتي عبر الهاتف منزعجا وهي تسأل: ما معنى «بكباك»؟ وما عكس «فاجأة»؟ وما جمع «وحي»؟ ظننت للوهلة الأولى أنها ألعاب من الخدع اللفظية التي يتداولها الشباب فيما بينهم، إلا أن توتر صوتها أشعرني أنها في محنة، حتى علمت أنها أسئلة جاءتها ضمن ما يعرف ب»اختبار قياس». تركت الأمر وأنا أفكر في تلك الكلمات التي أرادوا الإجابة عليها، والتي لم أعرف حتى الآن إجابتها، رغم ادعائي بمعرفة معقولة باللغة العربية، إلا أن تلك المعرفة اقتصرت على اللغة الحية، وليست الميتة والمهجورة. تركت التفكير في الكلمات وعدت لأكمل عملي، حيث تأكدت أن معرفتي بتلك الكلمات التي وردت في اختبار «قياس» تساوي بنفس القدر عدم معرفتي بها، حيث لم يعد يستخدمها أحد، بعد أن هجرها الناس والكتّاب والأدباء والصحافيون، وكل من يستخدم اللغة العربية، إلا أن واضعي تلك الاختبارات يصرّون على تحويلها إلى «امتحانات»، ولا يعنيهم مدى استفادة الطلاب منها، أو نفعهم بها، بقدر ما يعنيهم توصيل رسالة أن من يضع الأسئلة أكثر علما من طالب الإجابة، وهي من الأمور المعلومة بالضرورة. وصلت الرسالة إذًا، إلا أن هؤلاء نسوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعاذ بالله من علم لا ينفع.