المسرحيون دائمو الشكوى جراء عدم الاهتمام بالمسرح.. ماذا قدمتم لتفادي ذلك؟. - الجميل في الأمر أن هذه الشكوى المستمرة يقابلها نشاط مسرحي وإنجازات لا بأس بها، فالشكوى تعيق ولكنها لم تمنع العمل أو تؤدي لإيقافه، هناك شكوى من عدم الاهتمام، ومن أمور أخرى عديدة، إلا أن أبرزها على الإطلاق البُنى التحتية البائسة المخجلة أحيانًا، فكثير من مناطق المملكة لا يوجد فيها حتى اللحظة مسرح يليق، وكلنا يعلم أن المسرحي وحياته مرتبطان بالخشبة، فهي عالمه وفضاؤه. يوازي هذه المعضلة، معضلة الدعم المادي وقلته، فهل تعلم أن الفروع التابعة لجمعية الثقافة والفنون ما تزال تنفذ عروضًا فيها من الطواقم ما فيها بعشرين أو ثلاثين ألف ريال فقط، وهل تعلم أن الممثلين ما زالوا يتقاضون على أدوارهم وجهودهم خمسمائة ريال وألف ريال. وأنا حين أركز على الشكوى من المسارح والدعم المادي لأنني أدرك أن العمل المسرحي لا يتأسس بالنيات الطيبة بل له اشتراطات ومتطلبات لا بد من العمل على تحقيقها. أما عن موقفنا كمسرحيين وماذا قدمنا فيكفينا من هذا كله الصمود في وجه المعوقات فبعضنا تجاوز عمره المسرحي الخامسة والثلاثين وما نزال نتنفس المسرح ونحتمل معوقاته ونصمد في بيئة غير مسرحية إطلاقًا. * بصورة أكثر وضوحًا أين تكمن أزمة المسرح السعودي؟. - أزمة المسرح تشترك في تأكيدها عدة جهات، المسرحيون أنفسهم يتحملون جزءًا منها بعدم تفهمهم لمشكلاتهم الحقيقية، ثم ما صنعوه بينهم من خلافات أثرت سلبًا في فهم الآخرين لمشكلاتهم ومطالبهم، أما أطراف الأزمة الآخرين، فهناك عدم الاعتراف الصريح بفن المسرح والتعاطي معه بشيء من التردد، ودليل ذلك عدم توفير متطلباته الأساسية كالدعم السخي أو المسارح الحديثة والصرف على المهرجانات المحلية، وهناك أيضًا الدخلاء على فن المسرح الذين وجدوا فيه فرصة للظهور والبروز وأصبحوا يتصدرون المشهد فيه، ولا أنسى التربية والتعليم التي لم تؤد دورها اللازم في بث ثقافة المسرح في القطاع الأكبر للمجتمع، قطاع الطلاب، وهذا أمر يستدعي الذهنية الاجتماعية وموقفها المرتبك من المسرح. * أي دور لجمعيات الثقافة والفنون وجمعية المسرحيين السعوديين؟. - جمعية الثقافة والفنون لعبت الدور الأهم في تأصيل المسرح السعودي، ومن يقل غير هذا فهو يخالف الحقيقة والواقع، ولكن أرجو التمييز في رأيي بين المعوقات التي تواجهها الجمعية وبين الدور الذي لعبته، فهي بلا شك أسّست وأتاحت الفرصة للمواهب. أما جمعية المسرحيين فقد كُتب لها أن تتعثر في بداياتها الأولى، وصدقني لو حظيت هذه الجمعية والجمعيات الأخرى المثيلة اهتمامًا ودعمًا لفعلت الكثير والكثير.. ولكن!!. * لكن البعض يرى أن الأزمة كامنة في شح وضعف النص المسرحي.. فما قولك؟. - علينا أن نصحّح هذه الإشاعة المغرضة في أن النص المسرحي السعودي شحيح أو غير متوفر، فهو موجود ومتنوع وفيه أجيال متلاحقة وتجارب ناضجة بلغت حد المشروعات، بحسب دراستي الأخيرة التحديث في النص المسرحي السعودي، وبلوغ التجربة مرحلة المشروعات هو مؤشر على أن التجربة طالها التأصيل والديمومة والتنوع، ربما يكون هناك شح في النص المكتوب من قبل المرأة، ولكن أي غرابة سنتحدث عنها في علاقة المرأة السعودية بالمسرح طالما هي غائبة عنه تمامًا!!. * وماذا عن مسرح الطفل؟. - إشكاليته كبيرة لدينا ولدى الوطن العربي عامة، مسرح الطفل من حيث المفهوم مختلط في أذهان الكثيرين، متداخل مع الترفيه واللعب والارتجال، ما يزال في مفهوم أكثرية العاملين في نطاقه فرصة للتنطيط والألعاب الرياضية والضحك الساذج والقصص الباهتة، أقولها مرارًا علينا أن نشدّد القبضة على مسرح الطفل حتى لا يكون ألعوبة لدى من لا يستوعبون خطورته، أو من يتكسّبون من ورائه بلا ضمير. * على أي صورة تقرأ النشاط المسرحي في جامعاتنا.. وماذا عن «المسرح المدرسي»؟. - جامعاتنا تجتهد، إلا أن اجتهادها ما يزال أقل مما ينبغي له أن يكون، وهنا ربما أطرح وجهة نظري الخاصة في علاقة جامعاتنا بفن المسرح، وقد توصلت إليها عبر تجربة حية عشتها في جامعتي والجامعات التي اطلعت على تجاربها، القضية نابعة من اختلاط المفاهيم والمواقف من فن المسرح، فبعض القائمين على فن المسرح في الجامعات يتهيبون منه ويعتقدون أنّه مجال من المجالات التي تفتح باب الفن وغيره، ومن هنا لن يكون للمسرح حضور قوي إلا إذا عدّلنا مفهومنا للمسرح في إطار الجامعة، ولك في مهرجان مسرح الجامعات الخليجية الأخير مثال حي على مفهومنا القاصر للمسرح، فأحداثه صارت دليلاً قاطعًا على ما أذهب إليه.. أما المسرح المدرسي فهو القاعدة التي يجب أن نبني عليها الوعي المجتمعي بفن المسرح، والخلل الذي تعيشه الذهنية المجتمعية السعودية في موقفها من المسرح إنما هو نتاج أسباب متداخلة أحدها قصور الجانب التوعوي التعليمي والتربوي في المسرح. * هل توافق من يرون أن وسائل التقنية سلبت الجمهور من المسرح؟. - التقنيات الحديثة مساعد قوي على أخذ فن المسرح إلى آفاق جديدة، مع أهمية أن نعني بتوظيفها وألا تكون مجرد مصدر ترهل تضر بالمسرح ولا تزيده جمالا. * كيف ترد على من يتهم الوسط المسرحي بالشللية والتكتلات؟. - لا أرد عليه، بل أؤيد ما قاله.. الشللية موجودة في كل مكان، وأنا لا أؤيدها أبدًا، لأنها تؤدي إلى التنافر والمشكلات، إن خطورتها أكثر إذا طالت المؤسسات الرسمية. * أما زلت على موقفك السالب من إدارة عبدالعزيز السماعيل لجمعية الثقافة والفنون؟. - قلت سابقًا ولن يتغير موقفي أبدًا، أكرر أنا لست ضد الصديق العزيز عبدالعزيز السماعيل أو ضد إدارته للجمعية، إلا أنني أتكلم مهنيًا، فأنا ضد الآلية التي يعمل من خلالها في إدارة الجمعية، وأول عيوبها شخصنة المواقف والقرارات الإدارية، فهناك قرارات اتخذت من مواقف شخصية بحته، والمعروف أن الشخصنة في الإدارة تحيل مسارها من المهنية إلى الفكر الأحادي القاصر، وأحسب أن الصديق السماعيل يدرك أن فن الإدارة يفترض أن كرسي المسؤولية لا يتناسب مع شخص يبني قراراته على مواقف شخصية. الجانب الآخر الذي أكدته مرارًا أن إدارة السماعيل تتبلور من التنظير لا من خلال الواقع المعيش، وقد لا نرى التنظير عيبًا مطلقًا، ولكنه يتحول إلى خلل إداري حين تكون الرؤى والتنظيرات أكبر مما يتحقق على أرض الواقع، وتلك حالة نعيشها الآن في جمعية الثقافة والفنون إداريًا، ورأيي أن الزميل عبدالعزيز السماعيل ينفع مستشارا للجمعية أو عضو مجلس إدارة يضع الرؤى العامة والخطوط العريضة، لأن أفق التنظير لديه واسع جدًا، ولكنه غير قادر على بلورة أفكاره إلى واقع ملموس. وأنا أقولها بكل الود والأخوة أن الصديق عبدالعزيز السماعيل هو المبدع المسرحي الذي شوّهه الكرسي ولطخ إبداعه بين حالتين متناقضتين، ما كان يؤمن به وبين ما يمارسه إداريًا. المزيد من الصور :