مظاهر اجتماعية كثيرة أصلها العرف والعادة ومع ترسخها وبقائها ظن البعض انها اصل من اصول الدين لا فكاك منه ولا مفر ، ومن هذه المظاهر ....تظاهرات التعازي ، وأقول تظاهرة لأنها وبشكلها الحالي خرجت عن إطارها الخاص ووضعها الإجتماعي الصحيح الذي عرفت به سابقا ، فبدلا من ان يكون هذا السرادق او هذا المجلس للعزاء والمواساة يصبح مجلس تفاخر وأكل وشرب ، مجلس لقاءات وإجتماعات على هامش الموت لتقر فيه كثير من شؤون القبيلة وشجونها ، ناهيك عن صور الإسراف والتبذير التى تتجلى فيه. فما ان يوارى ذلك الميت الثرى حتى يحاصر أهله وذووه بكتائب المشيعين وكلهم يحاولون ضرب موعد لوجبة غداء او عشاء تبقي صاحبها فى ذاكرة الحدث والمتحدثين ، وهؤلاء المكلومون فى عزيزهم ينسون ميتهم وينسون الدعاء له بالصبر والثبات ، وهم فى غمرة الرد وترتيب المواعيد لاولئك الذين يرون فى الموت فرصة إكرام وإطعام وحب ظهور، وما ان ينصرف الجميع من المقبرة تبدأ اسرة المتوفى باستقبال جحافل من البشر، لا أقول المعزين ولكن افواجاً من المقيمين من الأقارب والمتعاطفين والمتطفلين ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم ليحلوا في منزل العزاء ثلاثة أيام بلياليهن . ثلاثة ايام واهل الفقيد يعيشون وقع مصيبتين ، الأولى مصيبة فقد عزيزهم ، والثانية التعايش مع هؤلاء المستعمرين. ان بيت العزاء يصبح تحت إمرة ونهي هؤلاء المستعمرين الذين يبدأون فى فرض نظامهم على الأسرة المنكوبة والمكلومة فى عزيزها ، فلا وقت لأهل الدار لنوم او سكينة او قرار ، وما ان يبزغ الفجر حتى يتحول البيت ثكنة جند وحواجز تفتيش ، وتبدأ جحافل المعزين بالقدوم مع خيوط اشعة الشمس الأولى الى بيت العزاء ، ويبدأ فصل جديد من فصول علوم الكلام المهيأة لمثل هذه التظاهرة الحزينة، والسعيد من هؤلاء المتحدثين من جاء دوره والمجلس مكتظ بالحضور ليصل صدى خطبته الأفاق ولتكون حديث الركبان . بعض تلك الكلمات معلبة منذ زمن بعيد ولكنها ما زالت صالحة للاستهلاك الإجتماعي ، والبعض الآخر من اولئك المتحدثين انصاف المتعلمين يكون له فى كل موت كلمة وكل عزاء نموذج خطابي جديد ترسخ العادة والعرف حتى حين. اما المتطفلون والطفيليون فإن مناسبات الموت تعد من أسعد الأوقات وأبهجها ، ففيها واليها تجبى الثمرات واجود الطعام ، فالفطور يكون سمنا وعسلا وهو خير ما يبدأ المعزي به يومه، ولحوم الأغنام تكون السائدة فى وجبتي الغداء والعشاء ، فأي فضل أعظم عند هولاء واي رزق ايسر وأطيب من ذلك . تلك مشاهد نألفها جميعا فى سرادقات التعازي نعيشها واقعا يصل الى درجة الإيمان بها ، ولنكون أسارى لحكمها وما تفرضه من مغالطات وما تجلبه لنا من اخطاء اجتماعية واقتصادية وربما دينية. ان مثل تلك المشاهد حري بوعاظنا وعلمائنا ومفكرينا التصدي لها ووضع حد لصورها الممجوجة ، وانتشال المجتمع واعضائه من كل صور العادات والأعراف الخاطئة التى أصلها الفهم العقيم وسكوت من يرجى منهم الكلام شجبا وانكارا تصحيحا وتقويما. علي المطوع- أبها