سألته عن حاله بعد تقاعده فأجابني على الفور والألم يعتصر قلبه : طفش ! ، حاولت فتح نوافذ الأمل له فالحرم الشريف والجمعيات الخيرية ( الطبية وهو مجال تخصصه) وغيرها كلها موجودة فأين أنت عنها ؟ لكنه قال :لا يكفي فالوقت طويل جداً !! وآخر يصف حاله ما قبل التقاعد فبعد أن أخذ إجازة لثلاثة أسابيع كتجربة وجد نفسه في دوامة من الفراغ والملل ، بل حتى زوجته تضايقت ، فهو لا يدري كيفية استثمار وقت النهار وخاصة في الصيف حيث يتميز بالطول ، ولذلك بدأ يعيد ترتيب أوراقه قبل أن يطلب التقاعد المبكر ، لأنه بدون ذلك فربما عليه الاستعداد لكثير من المشكلات الصحية والعائلية والنفسية !! قبل سنوات وبعد أن أحلت نفسي إلى التقاعد المبكر بعد حوالي ثلاثة عقود من العمل سألني الدكتور محمد موسى عقيل عن برنامجي بعد التقاعد فقلت له التعاون مع الجمعيات الخيرية ، فقال لي على الفور : أنت عاطل !! فقلت في نفسي أن الشيخ يبالغ في وصف حالي ، ومن قبله سألني الدكتور محمد الرشيد وزير المعارف الأسبق عما أقوم به فقلت له : لا شيء !! فسألني ثانية : ولا مدرسة خاصة ، قلت : لا ، قال : إذن ما الذي تفعله ؟ قلت له : أشم الأكسجين أتنفس الهواء وأستريح !! ولكن عندما أكرمني الله بفرصة عمل في مدرسة خاصة ومتميزة وجدت طعماً خاصاً للحياة ومذاقاً أجمل لهذه المرحلة ، وقد أتيحت لي من الفرص ما لم أجده في سابق عهدي بالعمل رغم المتعة وبيئة العمل الجميلة التي كنت أعيشها ، لكن تجديد الدماء وممارسة أنشطة جديدة واكتساب خبرات ومهارات لم تتوفر لي من قبل ، والتعرف على رفاق عمل متميزين ، ناهيك عن الاحساس بنقلة نوعية في حجم وكمية ومستوى العمل والمسئولية ، كل ذلك أتاح لي العيش في مسيرة حياة ممتعة أكثر مما كنت أعيشه من قبل ، وأحسست بأهمية الأسئلة التي طرحت علي من قبل الدكتور محمد عقيل موسى والدكتور محمد الرشيد ، وأنها لم تكن عبثا ولا مبالغة أو غوصاً في أمور الدنيا والجشع في المكاسب المادية !! حقا إنها مرحلة ليست بالهينة ولايمكن تجاهلها أو التغافل عنها ، فقضاء ما تبقى من حياة المرء بعد بلوغه سن التقاعد النظامي أو تقاعده المبكر قضية تستحق التفكير ألف مرة ، خاصة إن كان متمتعاً بصحة جيدة وطاقة عقلية سليمة وقدرة كافية على الإنتاج والعطاء ، ولذلك فإن من الضروري التخطيط لهذه المرحلة منذ سن مبكرة وليس من المبالغة إن كانت في مر حلة الطفولة ، فهي التي يمكن تجهيز الفرد لكل ما يليها من مراحل ، وكما يقول الدكتور طارق السويدان بأنها مرحلة تكوين الشخصية ، فكيف لو وضع المربون والوالدان خططاً علمية دقيقة مستقبلية لأبنائهم بحيث تهيأ لهم حياة سعيدة آمنة وتضعهم على طريق مأمونة بعيدة عن المخاطر النفسية والفكرية والاجتماعية ، وهذا يعني إجراء عمليات استكشاف لشخصية الأبناء وتحليل قدراتهم ومعرفة ميولهم لمساعدتهم في كيفية استثمارها وتوجيههم نحو المجالات التي تتناسب معهم ولهم ، كما تعينهم على تخطي مرحلة ما بعد التقاعد بأمن وسلام وروح إيجابية وعقلية متفتحة وطموحات لا تنتهي بمجرد بلوغ سن التقاعد !! [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (66) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain