بدا المشهد ذا دلالات قوية لزائر ميدان «تقسيم» في اسطنبول، في أول أيام رمضان. المفارقة كانت واضحة، مع موعد الإفطار، إذ أعدّ رئيس البلدية المؤيد لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم إفطاراً ضخماً للزوار، ازدانت خلاله طاولات الطعام بشراشف بيضاء فاخرة، فيما وزّع سعاة أنيقون إفطاراً شهياً، في مشهد بدا بعيداً جداً من الزهد. أنقرة (وكالات) واعتبر رئيس البلدية مصباح دميرجان أوغلو أن هذا أفضل ما يمكن تقديمه، لتغيير الصورة النمطية عن تظاهرات «تقسيم» والسعي إلى «تآلف القلوب وتهدئة النفوس». وتفادى التطرّق إلى أسئلة حول كلفة الإفطار التي أتت من جيوب دافعي الضرائب، إذ سُخِّرت في دعاية انتخابية واضحة للحزب الحاكم. وعلى مسافة مئتي متر تقريباً، افترش متظاهرون شارع «الاستقلال»، واقتسموا ما أحضروه معهم من إفطار بسيط وما أجاد به أصحاب محال شاركوهم في «المأدبة». وفي موازاة سكة ترام يشقّ شارع «الاستقلال»، جلس مئات من المحتجين، يساريين وإسلاميين وليبراليين، أفطروا على زيتون وتمر ومعجنات خفيفة. وبين المشهدين وقفت سيارات للشرطة حاجزاً بين الفريقين في «تقسيم»، منعاً لاشتباكات أو تظاهرات جديدة. لكن حديث رئيس بلدية اسطنبول عن محاولات لتهدئة النفوس في رمضان، تبخّر بعد ساعات، إذ فاجأ الحزب الحاكم البرلمان، في جلسة بعد الإفطار، بتمرير تعديل قانوني يحرم النقابات المهنية والحرفية التي تضمّ 400 ألف شخص، من حق الاعتراض على مشاريع عامة، ما اعتبره المتظاهرون والمعارضة البرلمانية محاولة من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان للانتقام من غرف الهندسة التي عارضته في مشروع «التطوير» في حديقة «غازي»، ونظمت احتجاجات، مقدمة شكوى لوقف البناء في الحديقة. ولن يكون ذلك ممكناً مستقبلاً، بعد فقدان الغرفة حق الاعتراض على مشاريع عامة، ما يتيح للبلديات والحكومة تنفيذ ما يحلو لها من مشاريع، وفق رؤيتها الخاصة، ومن دون استشارة أي جهة مستقلة. واعتبر علي أوزونيرماك من حزب «الحركة القومية»، التعديل القانوني «قرصنة» تشريعية، إذ تجنّب الحزب الحاكم مناقشته في اللجان النيابية، فيما اتهم النائب عاكف حمزة شيبي من «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، الحكومة ب «صيد ساحرات». ورأى أن هدف التعديل القانوني «تكبيد النقابات المهنية والحرفية ثمن أحداث غازي». لكن وزارة البيئة التي آل إليها دور النقابات المهنية، نفت ارتباط الأمر باحتجاجات «تقسيم»، فيما اعتبرت الحكومة أن التعديل سيفيد المهندسين غير الأعضاء في النقابة. وتتواتر أنباء وتصريحات لفنانين عن حرمانهم من عقود عمل لدى شركات خاصة ورسمية، بسبب ضغط حكومي، انتقاماً من مشاركتهم في تظاهرات «تقسيم»، ما يفاقم مخاوف من أن يكون جهاز الاستخبارات سجّل أسماء أضخم عدد من المتظاهرين والناشطين، لمعاقبتهم لاحقاً، كما أوردت صحيفة «طرف» اليسارية، استناداً إلى وثائق استخباراتية سرية. وفي مقابل «نزعة الانتقام» لدى أردوغان، اتفق متظاهرو «تقسيم» على الإفطار بالطريقة ذاتها في حدائق ومتنزهات في اسطنبول، لحمايتها من «أطماع حكومة أردوغان الرأسمالية». إلى ذلك، أعلنت منظمة حقوق الإنسان التركية وفاة شاب جامعي في مستشفى في أنقرة، بعد أسابيع على دخوله غيبوبة إثر تعرّضه لضرب مبرح على ايدي رجال شرطة أثناء احتجاجات «تقسيم»، ليرتفع إلى خمسة عدد قتلى التظاهرات، وبينهم شرطي. على صعيد آخر، فاجأ «حزب العمال الكردستاني» مراقبين، بإعلانه تغييرات في قيادات جناحه العسكري، أطاحت مراد قره يلان الذي كان الرجل الثاني في الحزب، بعد الزعيم المعتقل عبدالله أوجلان، وخلفه جميل بايك، وبسه هوزات التي قادت جناح النساء. أتى ذلك بعد اجتماع دام خمسة أيام للمجلس التنفيذي للحزب في شمال العراق. وتضاربت التحليلات لنتائج الخطوة، إذ أشار بعضهم إلى أن هذا التغيير كان بطلب مباشر من أوجلان، لدعم مسيرة التسوية السلمية المبرمة مع الحكومة التركية. وأعلن المجلس بعد انتخاب القيادة الجديدة، مساندته التسوية «على رغم الموقف السلبي للحكومة» التركية. /2819/