لم يكن عبدالإله المؤيد مجرد إنسان تربطني به صلة القرابة العائلية، ولم يكن أيضاً مجرد صديق أو أخ، لقد كان عبدالإله كل ذلك بالنسبة لي وأكثر، لقد كان توأم الروح.. فمنذ نعومة أظفاري وأنا أتطلع إلى عبدالإله الذي يكبرني ببضع سنوات نظرة انبهار، فهو الشاب الممتلئ حيوية ونشاطاً، وهو الطالب المبتعث لدراسة الهندسة في سويسراوفرنسا، وهو الذي يجيد الحديث باللغة الفرنسية وأشعل في نفسي توقاً لإتقانها لم أشف غليله حتى اليوم، وهو الذي رافقته ذات مرة في رحلة إلى مقر دراسته في ليون في فرنسا عشت فيها لعدة أيام حياة الطلبة المبتعثين بما تحمله من فرح ومرح وشظف في العيش ومغامرات في الحافلات والقطارات التي لا نجد فيها مقعداً لأننا لا نملك ما يكفي لأكثر من الدرجة العاشرة. ومنذ ذلك الزمن وعبد الإله يبهرني بذكائه وواسع اطلاعه ومنطقه، ومنذ ذلك الوقت وجدالاتنا وحواراتنا حول مواضيع الأدب والفكر والسياسة والاجتماع لا تنتهي ولا تنقطع.. كنت أسأله عن الوجودية والماركسية والتعادلية والقومية والرأسمالية، وكان يحدثني وأنا أستمع بنهم وأحاور برغبة عميقة في فهم أبعاد العالم الفكري الذي كان يحيط بنا، وفي زمن لاحق استمر حوارنا لا ينقطع عن الإسلام والحكم والجهاد والدولة الديمقراطية الحديثة ودور الدين فيها، وبين هذا وذاك كنا نتبادل المساجلات الشعرية ونختبر قدراتنا في الصمود أمام تكرار قافية بعينها، وكثيراً ما تسابقنا في التوصية بكتاب أو تلخيص فكرة استمع إليها أو قرأها أحدنا، وفي بعض الأوقات جمعتنا دائرة الأعمال فتعاقبنا على عضوية الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، ومع أن عبدالإله قد أسس مجموعة أعمال ناجحة إلا أن قلبه كان متعلقاً بالأدب والفكر والخدمة العامة أكثر من تعلقه بقطاع الأعمال. يكفي لتعرفوا شيئاً عن عبقرية عبدالإله أن تعلموا أنه حاز درجة البكالوريوس في الهندسة من فرنسا والماجستير في الإدارة من أمريكا والدكتوراه في الشريعة من جامعة الإمام محمد بن سعود، وكثيرا ما كنت أمازحه قائلا: تخيل لو أنك حصلت على بكالوريوس الهندسة من جامعة الإمام وماجستير الإدارة من فرنسا والدكتوراه في الشريعة من أمريكا.. لعلك كنت تصبح شيئاً خارقاً!! ويكفي لتعرفوا شيئا عن شخصية عبدالإله أنه أمضى جزءاً كبيراً من حياته في العمل التطوعي، بدءا بدعم الجهاد ضد الروس في أفغانستان، ثم في رئاسة فرع رابطة العالم الإسلامي في الرياض، وفي رئاسة فريق العمل المعني بمكافحة الفقر، وفي إنشاء مؤسسة مكة الخيرية لرعاية الأيتام في كثير من البلاد الإسلامية، وأخيراً في رئاسة الجمعية الأهلية لمكافحة المخدرات، وقد دخل على يديه المئات من الناس إلى الإسلام، فلقد كان دائماً هاشاً باشاً قوي الحجة طلق اللسان ودوداً كريماً معتدلاً يتحلى بأجمل أخلاق الإسلام في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. يوم الجمعة الثالث من رمضان، امتدت يد المنون لتختطف عبدالإله بعد معاناة طويلة مع المرض العضال، فانتزعت مني جزءاً من فؤادي، فلقد كان عبدالإله ركناً من أركان أسرتي وحياتي، ألجأ إليه للمشورة وللتفاكر وللتدبر وفي أفراح أسرتنا وأتراحها، وهاهو الموت ينشب أظفاره في أحبابنا لا نمتلك له دفعاً، ولا نملك إزاءه إلا أن نشعر بالألم يعتصر قلوبنا وبالدعاء يتحشرج في صدورنا وعلى ألسنتنا، ثم بأحدنا يحتضن أخاه ليواسيه وهو الأولى بأن يواسى. هنيئا لكم يا أبناء أخي عبدالإله سيرة أبيكم، والحمد لله على نعمه وعلى ابتلائه، و"إنا لله وإنا إليه راجعون." للتواصل: [email protected] فاكس : 02/6901502 [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (19) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain