الشحر مع شحرة و هي مسيل الماء الجاف , و تطلق الكلمة في القديم على المنطقة الساحلية الواقعة ما بين عمان و أبين كما يقال لها( السوق) لكونها منفذا تجاريا لصادرات اللبان التي كانت تأتى به القوافل من ظفار إلى شبام ثم إلى (السوق) حيث يصدر منها إلى الخارج , وهي أحد أسواق العرب القديمة في الجزيرة العربية يعرف يسوق الشحر , كما كانت واسطة للتبادل التجاري ما بين الهند و الخليج العربي و مصر شرق أفريقيا من جهة وبين حضرموت من جهة أخرى . وقد تعاقبا على الشحر في تاريخها الإسلامي حكومات متعددة تستقل بالأمر تارة و تخضع لملوك اليمن تارة أخرى , وتكون عاصمة للإمارة و أحيانا أخرى تابعة للإمارة تتخذ من أحد , مدن حضرموت عاصمة لها . وعندما أستقل بنو زياد بحكم اليمن قي عهد الخليفة المأمون العباسي أمتد نفوذهم إلى حضرموت و شمل معها الشحر . ثم عندما قامت الدولة الصليحية في اليمن عام 429 ه بسطت هي الأخرى نفوذها على الشحر و أقامت بني معن حكاما عليها , وبعد أن ضعف حال الصليحيين في اليمن قامت في حضرموت ثلاث سلطنات الأولى سلطنة آل قحطان و عاصمتها تريم و الثانية سلطنة آل الدغار و عاصمتها شبام و الثالثة آل فارس و عاصمتها الشحر , و أدى هذا التقسيم إلى إثارة الفتن و القلاقل بين الحكام فساءت أحوال حضرموت و ساد الظلم و البطش بها ولم ينقذ الحضارم من ذلك الويل سوى عثمان الزنجبيلي قائد صلاح الدين الأيوبي في اليمن الذي غزا حضرموت سنة 575 ه و أطاح بالسلطنات الثلاث , ثم نهضت حضرموت فقضت على الأيوبيين , فعاد الأيوبيين لإخضاعهم لا إنهم اضطروا في الأخير إلى إبقائهم كنواب عنهم يقدمون لهم الولاء و الإتاوات ثم ظهرت قبيلة نهد و استولت على حضرموت بأسرها . لكنهم انقسموا على أنفسهم و استولى آل يماني على تريم سنة 624 ه كما استولى آل فارس على الشحر , وبعد قيام دولة الرسوليين في اليمن خضعت الشحر لهم بين سنة 677 – 836 ه إلا أن حكمهم لحضرموت تأرجح بين القوة و الضعف فقام أبو دجانة المهري بالاستيلاء على الشحر سنة 836 ه لكن الطاهريين الذين تم لهم الاستيلاء على عدن سنة 858 ه تمكنوا من انتزاع الشحر من آل أبو دجانة استخلفوا السلطان بدر بن محمد الكثيري , و هذه هي المرة الأولى التي يحكم فيها آل كثير الشحر , إلا إن فارس أبو دجانة استردها من آل كثير وظلت تحت حكمهم حتى مستهل القرن العاشر الهجري عندما طردهم آل كثير منها . وفي عهد بدر بن عبد الله بن جعفر الكثيري الملقب ( بأبي طويرق ) هجم البرتغاليون على مدينة الشحر سنة 929ه حيث تصدى لهم المواطنون و دار قتال شديد في الشوارع , و منذ منتصف القرن الثاني عشر الهجري أصبحت حضرموت في يد عشائر يافع الذين كونوا لهم سلطنات متعددة في مدن و قرى حضرموت , وكانت الشحر من نصيب أل بريك الذين عقدوا تحالفات مع قبيلة الحموم و غيرها من القبائل التي تعيش في المنطقة المحبطة بالشحر . و قد أحبهم الناس و قد اكتسبوا سمعة طيبة , إلا أن أل كثير استعادوا السيطرة على مدن الداخل من أيدي اليافعيين و هاجموا الشحر سنة 1282 ه و احتلوها و طردوا منها أل بريك . ثم قام السلطان عوض بن عمر القعيطي الذي قدم لتوه من الهند في العام نفسه بطرد أل كثير من الشحر و استولى عليها وجعلها نقطة انطلاق لاحتلال أراضي أخرى . و أهم المعالم التاريخية لمدينة الشحر , الحصون التي أقامها الحكام بها . و أول هذه الحصون و أهمها ح! صن بن عياش الذي قام بهدمة السلطان عوض بن عمر القعيطي و بنى على انقاضه حصن قويا على غرار القلاع الهندية و يعرف ألان بحصن بن عياش . و هناك أيضا الحصن المعروف ( بدار بوبك ) و الحصن الأخر المعروف ( بدار ناصر ) و هما من قصور أل بريك . ويعتبر سور الشحر أحد المعالم الهامة بالمدينة و هو قديم و لا يعرف تاريخ بنائه , و قد تهدم و قد قام السلطان عوض بن عمر القعيطي ببنائه من جديد و استغرق بناؤه ستة عشر عاما . و بلغت تكاليف بنائه مائة ألف ريال . و لهذا السور بوابتان كبيرتان يقال لأحدهما ( سدة العيدروس ) و يقال للأخرى ( سدة الخور ( و قد أوشكت الأخيرة على التداعي و السقوط . و تشتهر الشحر بصناعة الحلي و الملابس ووفرة الأسماك . و تقام بها زيارة سنوية للولي ( سالم عمر العطاس ) يأتي إليها الناس من كل مكان وتقام بها الألعاب الشعبية , و كانت البضائع و السلع التجارية تنقل من الشحر إلى حضرموت الداخل بواسطة الجمال ( القوافل ) و كانت السفن ترسوا بها باعتبارها الميناء الوحيد و الهام لحضرموت .