تحدثت في مقال الأمس عن أن أحد أهم مكامن الخلل في بنية النموذج الغربي ، هو فشل عملية الإصلاح الديني ، حيث لم تنجح هذه العملية في الارتقاء بنظرة الإنسان إلى الدين وبتحرير الفرد من السلطة المتعسفة للمؤسسة الكنسية ولم تخرج بقراءات توائم بين قيم الدين وبين حاجة الإنسان إلى الحرية والانعتاق من ربقة الاستغلال ، بقدر ما نجحت - دون قصد طبعا - في عزوف الناس عن الدين ، وتحللهم من التدين ، حتى أصبح وجود الدين في الحياة الخاصة والعامة ، أمراً لا يكاد يلاحظه المراقب في المجتمعات الأوروبية . الخلل البنيوي الذي لا يقل أهمية عن سابقه حسب وجهة نظري ، هو انسحاق الفردية ، أو ما اصطلح على تسميتها (( بالفردانية )) التي تعد الثورة الكبرى في الفكر الأوروبي أو الغربي ، حسب وجهة نظري . الفردانية ثورة تستهدف تعميق إحساس الفرد بخصوصيته واستقلاله داخل الإطار المجتمعي . هي بهذا المعنى ثورة تهدف إلى تعميق إحساس الفرد بالحرية كقيمة وجودية وليست كمكتسب سياسي أو مجتمعي . والحرية بهذا المعنى تتجاوز الجانب الإجرائي الذي يسهل إقراره في القوانين والدساتير ، إلى عمق المسألة الوجودية التي ترتبط بالشعور بجدوى الحياة نفسها . لقد حول نظام السوق عن سابق إصرار وترصد ، قيمة الفردانية بعد أن أفرغها من أبعادها العميقة ، إلى عرض مرضي من أعراض تضخم الأنا ، حيث يُنظر إلى تحقيق الرفاهية وإشباع الاحتياجات الاستهلاكية - المفتعلة في الغالب - كغايات وجودية . وبالتأكيد فإن ذلك قد تم في إطار ربط الفردية بعد تشويهها ، بالتحلل من أي التزام بما تقتضيه مبادئ العدالة الاجتماعية . الفردانية شيء مختلف تماما . إنها قيمة ملحقة بقيمة الحرية ، وهي في ذلك تناقض إن لم تكن تحاول أن تنسف ، محاولات قولبة أفراد المجتمع ، أو بمعنى آخر : تحويله إلى قطيع بشري لا هم له سوى الاستهلاك . في نظام السوق الكل يشبهون بعضهم البعض ، تحركهم نفس النوازع والرغبات وأساليب التفكير والخيارات الأساس في الحياة . مما يسهل وبشكل يبدو غير مسبوق وعلى الرغم من الديكور الجذاب لديمقراطية رأس المال ، التعامل مع المجتمع بوصفه قطيعا يمكن التحكم فيه والسيطرة عليه بأبسط مجهود ممكن . وهذا يعني وبمنتهى البساطة ، أنه لم يعد هناك وجود حقيقي لقيمة الفردانية في الواقع أو النموذج الغربي . بالمقابل خاضت قيمة الفردانية معركة كسر عظام مع الأيديولوجيات التي خلطت بين الاشتراكية والفاشية ، فكانت حركة الاشتراكيين الوطنيين أو العنصريين ، النازيين والفاشست ، وتزامنت معها حركة الاشتراكية العلمية التي سمحت لنفسها بتقديم إجابات عن كل علامات الاستفهام ، بما فيها تلك المتعلقة بالغيب . إستعادة الفردانية كقيمة قبل أن تكون ثورة فكرية ، هو السبيل الأول لإصلاح الخلل البنيوي في النموذج الغربي . لكن كيف يحدث ذلك بعد النجاحات الساحقة التي حققتها وسائل التضليل (الإعلام ) في السيطرة على المجتمعات ؟! [email protected] [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (7) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain