رئاسة الحكومة من بحاح إلى بن مبارك    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    صحيفة: أزمة الخدمات تعجّل نهاية التعايش بين حكومة بن مبارك والانتقالي    إذا الشرعية عاجزة فلتعلن فشلها وتسلم الجنوب كاملا للانتقالي    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    مسلحون يحاصرون مستشفى بصنعاء والشرطة تنشر دورياتها في محيط المستشفى ومداخله    الطيران الأمريكي يجدد قصف ميناء نفطي غرب اليمن    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    هزتان ارضيتان تضربان محافظة ذمار    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الرجل اللغز» يوسف ندا يفتح ل«الشروق» خزينة أسرار الإخوان ويحتفظ ب«الأخطر» للقبر «الحلقة الثالثة»
نشر في الجنوب ميديا يوم 26 - 11 - 2012


إعداد أحمد عبدالحليم
«حتى الآن لا يزال هذا الرجل لغزا من ألغاز الشرق الأوسط، مثله كمثل القطعة الأخيرة فى أحجية تركيب الصورة من أجزائها المقطعة، التى لم يضعها أحد فى مكانها بعد، صعب المنال كسحابة دخان تلوح فى الأفق، وهو يحب أن يبقى كذلك؛ فهذا أكثر أمانا» بتلك العبارة وصف دوجلاس تومبسون الكاتب الغربى الشهير، يوسف ندا، وزير خارجية جماعة الإخوان المسلمين السابق، وإمبراطور التجارة، الذى قضى أكثر من نصف حياته فى منفاه الاختيارى.
الرجل، الذى عمل لعقود كوزير خارجية لجماعة الإخوان المسلمين، ويعد لغزا يصر على أن معظم ما كتب أو أذيع عن جماعة الإخوان المسلمين «ليس صحيحا» وهو ما اكتشفه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، عندما وجد نفسه فى دائرة الضوء محصورا، بحسب تومبسون.
ويرى تومبسون أن «هذا الرجل الذى كان يملك إمبراطورية من الأعمال التجارية قيمتها بلايين الدولارات الأمريكية، ووُصِم بأنه ممول إرهابى عالمى، هو المستشار دائما، مرة عن الثورة فى مصر، وأخرى عن نهاية القذافى ويؤخذ رأيه باستمرار فى البحث عن حل للمجازر فى سوريا، والمشكلات فى مناطق أخرى، كالسعودية واليمن وإيران والعراق، هو بمثابة درس مدهش فى الدبلوماسية والسياسات العالمية». وفى هذا الجزء من سيرته يتناول ندا، قرار هجرته من البلاد وبداية تكوين إمبراطوريته المالية، انتهاء بعودته إلى مصر للمرة الأولى خلال السبعينيات.
من أوائل المهام التى أُلقيت على عاتق يوسف ندا باعتباره موفدًا دبلوماسيًّا ومفاوضًا من قِبَل الإخوان المسلمين كانت تلك المتعلقة بواحدة من أهم حوادث القرن العشرين؛ ألا وهى الثورة الإيرانية، وعودة آية الله السيد روح الله موسوى خمينى، وتصاعد الانبهار الواسع من الغرب مصطحبًا بالخوف من الإسلام فى جميع جوانبه؛ سياساته وروحانياته.
كان الإخوان المسلمون يرصدون كل خطوة فى الثورة الإيرانية،، وحين اندلعت المظاهرات ضد الشاه، أصبح وضعه حَرِجًا للغاية، وكان خمينى يستعد للعودة، وتحدثت وسائل الإعلام فى كل مكان عما عساه يحدث. كانت إيران كلها على ما يبدو قد نزلت إلى شوارع طهران، ومع اقتراب موعد عودة خمينى، رتب يوسف ندا زيارة لوفد من الإخوان إلى «نوفشاتيل»، وهناك رحب بهم خمينى وردوا التحية بالثناء عليه، وحين عاد بالطائرة إلى بلاده فى فبراير 1979، شكَّل الإخوان وفدًا آخر لتهنئته، ضم ممثلين عن الحركات الإسلامية فى إندونيسيا وباكستان ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية والعراق وتركيا وماليزيا وسوريا.
يقول يوسف ندا: «اعتقدنا أننا نُرضى الله بتأييدنا للثورة، وكنا نعتبر أى حركة فى العالم ترفع الظلم عن كاهل المسلمين هى حركتنا».
رهائن أمريكا فى طهران
عقب دخول الشاه إلى أمريكا للعلاج فى 1979 تحت اسم مستعار هو «دافيد دى نيوسوم»، نادى آية الله خمينى بخروج المظاهرات المناهضة لأمريكا إلى الشوارع، وتحولت إحدى المظاهرات إلى عملية استيلاء على السفارة الأمريكية فى طهران، حيث تسلق الطلاب أسوار مجمع السفارة وأخذوا 63 أمريكيًّا رهائن كما أصبح ثلاثة مواطنين أمريكيين غيرهم سجناء فى وزارة الخارجية الإيرانية، وخلال ثلاثة أسابيع أطلق سراح مجموعة من النساء ومن الأمريكيين السود، وبقى 52 رهينة ظلوا محتجزين لمدة 444 يومًا بينما العالم يرقب المشهد فى رعب.
زار الأمريكيون المرشد العام للإخوان، الأستاذ عمر التلمسانى فى القاهرة وطلبوا منه رسميًّا المساعدة، ولم يَعِد ممثل الأمريكيين بشىء، وإنما أجابه بأنه سيدرس المشكلة وكيفية التعامل معها، لأن الحوار مع إيران سوف يكون مع الإمام خمينى، والصلة فى واشنطن سوف تكون مع الرئيس «جيمى كارتر»، وطلب من زواره رقمًا مباشرًا للاتصال ب«كارتر» فى البيت الأبيض فأعطوه.
«جاء التلمسانى إلى «كمبيونى» وأصدر تعليماته لى ببدء الحوار.. كنت شابًّا لكننى قلت له: إن علينا تأكيد هذا الطلب مع سلطات أمريكية عليا، وأن نعرف ما هم مستعدون لتقديمه للإيرانيين، علينا أن نحتاط كيلا نصبح جسرًا يَخدعون الإيرانيين عبره، إذا كانت هناك فرصة للسلام، وتجنب تدمير دولة مسلمة، فعلينا أن نحاول، وإلا وجب علينا ألا نتورط».
«كان المرشد بجانبى عندما هاتفت البيت الأبيض على الرقم الذى أعطوه له قائلًا: إننى أتحدث باسم الإخوان المسلمين فى مصر، والمرشد العام هنا، وقد طَلَبَت السفارة منه المساعدة، وهو يريد أن يسمع هذا الطلب من الرئيس شخصيًّا، وعندها سنكون مستعدين للتحرك.. الشخص المجيب أخبرنى بأنهم لن يستطيعوا توصيلى، وإنما سيتصل بى أحدهم مرة أخرى..أعطيتهم أرقامى الهاتفية، وطلبت منهم سرعة الاتصال لأننا يجب أن نتحرك بسرعة أيضًا، لكنهم لم يتصلوا بى أبدًا».
وكانت النتيجة أن شن الرئيس «كارتر» عملية مخلب النسر لاستعراض قوته ولتحرير الرهائن: «والتى فشلت بشكل كارثى، وحانت الذكرى السنوية الأولى لبداية أزمة الرهائن فى 4 من نوفمبر 1980، وكان دورها محوريًّا فى انتخاب الرئيس الجديد، وفى الساعة الخامسة مساء بتوقيت كاليفورنيا حصل «رونالد ريجان» على أغلبية كبيرة، حتى قبل أن يقترع أغلب الغرب الأمريكى، وفقد «كارتر» الأمل، وكان أكثر الرؤساء الأمريكيين خسارة على مدى خمسين عامًا تقريبًا، وأثناء الاحتفالات، وقف أحد مساعدى «ريجان» عند سلالم بهو الفندق قائلًا: سوف نعيد كتابة قصة إيران. أرجعوا «الرهائن» إلى وطنهم. وعندما أصبح «رونالد ريجان» الرئيس رسميًّا فى 20 من يناير 1981، سمحت إيران للرهائن بمغادرتها جوًّا. وفى نفس الوقت تم الإفراج عن ثمانية مليارات دولار أمريكى من الأصول الإيرانية المصادَرة».
تسببت المقاطعة البحرية التى حرضت عليها أمريكا فى إحداث نقص مؤلم فى الغذاء والمواد الضرورية الأخرى فى إيران، فطلب رضا صدر، وزير التجارة الإيرانى، العون من يوسف ندا؛ فهو على كل حال «ملك البحار»؛ إذ أصبح مثل «بوسيدون»؛ إله البحار الأسطورى عند الإغريق، باستطاعته نقل جميع السلع.
وعلى الرغم من كل العقبات، والحصار البحرى نقل إليهم 100 ألف طن من الصلب، و450 ألف طن من القمح، وخسر فى هذه العملية 5 ملايين دولار: «نقلت البضائع بالقطارات، واحتاجت كمية الصلب إلى 3300 عربة من عربات السكك الحديدية قامت من همبورج إلى كوتكا فى فنلندا ثم اتجهت شرقًا بالقطار عبر روسيا إلى بحر القرم، ومن ثَمَّ وصلت إلى «جولفا» فى إيران. ويصف يوسف هذه العملية بأنها «كسرت الحصار.. استخدمتُ فيها كل مهاراتى واتصالاتى وكافة الوسائل لأقوم بها فى إطار القانون، وما من أحد يستطيع أن يجد منفذًا فى العملية يجعله يقول إننى خالفت القانون، كانت قواعد الحظر تستثنى العقود التى وُقِّعت ووُثِّقت قبل تاريخ صدور قرار الحظر».
«لقد فعلت ذلك فى سبيل الله، ومن أجل بلد مسلم؛ فأنا أُفرق بين التجارة والأرباح وبين العلاقات والمساعدة، إنهما شيئان مختلفان، لقد خسرت مبلغًا كبيرًا من المال لأن الإيرانيين جادلوا فى كمية السلع المشحونة إليهم مقارنة بما تسلموه، وذكروا لى أنهم على الرغم من تأكدهم من أننى على صواب، فإن هناك ثورة فى البلاد! وأنهم إذا أعطونى من مال الحكومة فقد يُتهمون بالفساد، وقد أُتّهم به أنا أيضًا، والمفروض فى التجارة الدولية أن استلام البضائع يكون فى موانئ وصول البواخر، ولكنهم نقلوها بالسيارات من الموانئ إلى مخازن متفرقة فى داخل البلاد، ثم أحصوا الواصل منها داخل المخازن، ولا يخفى أن هذا الأسلوب يخالف الاتفاق ويخالف المعقول حيث يُعرض السيارات للسرقة فى طريقها داخل البلاد، والنقل الداخلى هو مسئولية المستلم وليس الشاحن.. وقَبِلْت بالخسارة».
جمهوريات القوقاز
«عند بداية تفكك الاتحاد السوفييتى بدأ الحديث فى الجمهوريات، وبخاصة الجنوبية منها لاختيار اللغة التى سوف تتبناها كل جمهورية حيث بدأ الاعتراض على اللغة الروسية باعتبار أن بعض حروفها مختلفة عن حروف اللغات الأوروبية، ولمشاعر عامة بأن تخلف هذه الدول بالنسبة للغرب، وأن خروجهم من هذا التخلف يستدعى تقليد الغرب والتعامل بلغته، ومن زاوية أخرى فإن كثيرًا من شعوب هذه المنطقة بدأ يعود إلى جذور قومياته ومقدساته التى حاربها النظام الشيوعى وأهمها الإسلام».
«وهنا ظهرت لنا فكرة للدفع والإغراء بإعادة استعمال اللغة العربية التى كانت متداولة فى لغاتهم الأصلية، وهذه خطوة مهمة تجاه سهولة تداول وفهم الدين الذى واجه صحوة ورغبة فى العودة إليه وفهمه، وسواء كانت العودة إلى الدين الإسلامى سُنّيه أو شيعيه، إن هذا الأمر من لُبّ اهتماماتنا العالمية، ولذلك اتجه تفكيرنا لمحاولة إيجاد شبكة من المصالح نربط بها ما نريده فى منظومة معقدة اقتصادية وسياسية تجمع الأطراف المتنافرة ومعها الناشئة الحائرة فى مفترق الطرق تبحث عن طريق، ووقع الاختيار فى البداية على جمهورية تركمانستان، وكان أهم هدف لنا هو التوسع الإسلامى فى هذه الجمهوريات، بصرف النظر عن كونه شيعيًّا أم سُنيًّا؛ فنحن نتعامل مع العالمَيْن المسيحى والبوذى اللذَيْن يَكْفران بكل ما نؤمن به».
« فى طريق البحث عن نقطة البداية اتجه تفكيرنا إلى ضرورة ربط شبكات من المصالح الاقتصادية والسياسية تجمع الأطراف المتنافرة، ومعها الناشئة التى تبحث عن طريق، ووقع اختيارنا على تركمانستان رغم أنها منتجة للبترول إلا أن تصديره صعب؛ فلا يوجد لها موانئ، وأوجدنا دراسة لعمل طريق سريع يصل عاصمتها «أشقباد» ب«يزد» فى إيران، وبذلك تتشابك المصالح وتنمو التجارة والاختلاط والثقافة والمعرفة الدينية، وبدأنا فى تسويق فكرتنا فى إقناع السعودية بتمويل الطريق، وبذلك يبدأ التشابك فى المصالح بين الأطراف الثلاثة؛ السعودية وإيران وتركمانستان، مع إمكانية أن يستهلك بترول تركمانستان فى شمال شرقى إيران، وتسلم إيران بدله من بترولها فى مولنى الخليج لحساب تركمانستان، وتبنى السعودية الطريق فى إطار الاستثمار الأجنبى، وتسترد أموالها المستثمرة فى إنشاء الطريق عن طريق تحصيل رسوم المرور فيه واستعماله، وتساعد السعودية أيضًا تركمانستان فى تعليم ونشر اللغة العربية وتشجيع البعثات لتعليم الدين فى مكة، ووجود الطريق الممول باستثمار سعودى أيضا سوف يشابك المصالح والاتصالات بين الطرفين الآخرين».
«فى البداية لم نجد معارضة من الملك فهد، ولا نقول إننا وجدنا موافقة منه، ولكن ظهر على وجهه مفاجأة الفكرة، وقال: استمروا فى الدراسة ثم نرى ماذا نقرر، أما الطرف الإيرانى فكان فى مرحلة تشجيع الاستثمار الأجنبى، وكان يحلم باستقطاب السعودية لتمويل المشاريع التنموية، وفى مرحلة أخرى متقدمة قد أقنعوا رجل الأعمال السعودى المشهور صالح كامل بتمويل صفقة سيارات، وأتمها، وفجأة بدأ التوتر فى علاقة السعودية بإيران، ولم تَرُد السعودية على أى سؤال بخصوص هذا الموضوع بتاتًا. أما إيران فقد وضعت المشروع فى الخطة ونفذته.. ولكن بأهداف غير أهدافنا».
«قمنا بأدوار كثيرة، ونجحنا فيها على الأغلب، مع الأكراد، وفى العراق، وفى إيران والمملكة العربية السعودية واليمن وماليزيا وتركيا وسوريا ولبنان والجزائر وأفغانستان وباكستان وروسيا والصين (تركستان الشرقية)، وغيرها، وفى الحالات التى لم يحالفنا فيها النجاح بنسبة 100% فإننا خففنا حدة بعض الأوضاع الصعبة وأوقفنا العنف وفقدان الأرواح، ولا يوجد شىء أهم من محاولة الوصول إلى حل فى مثل هذه الظروف».
وظل يوسف ندا على اتصال برئيس إيران الجديد أبوالحسن بنى صدر، واجتمعا فى طهران بعد الثورة، ويقول يوسف: «كانت هناك ثورة فى كردستان التى انقسمت بين الفصائل المتحاربة، وأراد الرئيس منا أن نتدخل لحل النزاع لم يكن ينبغى للحرس الثورى أن يقاتل الذين ساعدوا الثورة، كانت جماعة شيوعية من الشمال مرتبطة بالاتحاد السوفيتى تقاتل جماعة أخرى من الأكراد الإخوان، كانوا سُنّيين، وليسوا من الشيعة، لكن خمينى لم يمنحهم الحرية لتعليم الإسلام السُّنى، ولم يسمح للسُّنة أن يكون لهم مسجد فى طهران، أو استخدام عوائد البترول الكردستانى فى مناطقهم».
«وقُتل بعضهم، واختفى أحد قادتهم المحرضين وهو كردى إيرانى من «كرمانشاه» اسمه أحمد مفتى زاده، كان لدى «أبو الحسن بنى صدر» مستشار كردى هو «مظفر برتوما»؛ وكان عضوًا فى الإخوان ويعيش فى أمريكا، ولكنه رجع إلى إيران بعد الثورة فاتصل بنا، وطلب منا أن نصلح بين الحكومة والشعب الكردى السُّنّى».
«وذهبت أنا وغالب همت إلى منطقة الحرب، وعلى الرغم من أن أحمد مفتى زاده كان هاربًا، فإن مهمتنا فى الوصول إليه كانت بموافقة من «أبوالحسن بنى صدر» الذى كان يدرك أن أى اتصال بين المسلمين أمر طيب، ربما تملك الحكومات إمكانات تفوق ما للإخوان المسلمين، لكننا ننجح أحيانا فى تحقيق ما لا يمكنهم تحقيقه، نحن نعرف حدودنا ونتوقف عندها، بيد أن صلاتنا الشخصية تساعدنا على الدوام، أخذنا حذرنا؛ لأنه كان فى داخل الحكومة الثورية الإسلامية بعض الشيوعيين الذين كانوا يتحركون باسم الإسلام ويوجِدون الانقسامات من الداخل، وقد يتابعوننا كما قد تفعل ذلك الحكومة حتى يعرفوا مكان أحمد مفتى زاده، كانت مشكلة الرجل أنه ساعد الثورة، ولم يعجب ذلك القوميين الأكراد، وكذلك الشيوعيين؛ فكانوا يطاردونه جميعًا ومعهم الثوريون الإيرانيون، وأصبح أول المطلوبين.. واختفى الرجل».
«سافرت أنا وغالب همت بالطائرة إلى «كرمانشاه»، وذهبنا كلانا فى هذه المهمة حتى يغطى أحدنا الآخر، وكان كل منا على استعداد للموت، كان أهالى أحمد مفتى زاده ينتظروننا، والتقينا ابن عمه، ثم رافقتنا سيارتان إلى المنزل الذى كان يحتمى به».
«كان أحمد مفتى زاده غاضبًا أشد الغضب من آية الله خمينى، وكرر عدة مرات قوله إن جماعته أيدت خمينى والثورة الإيرانية: وفى المقابل وُعدوا بمكانة داخل الحكم الجديد، وعلى العكس من ذلك، شكا مفتى زاده من أن طهران قد تخلت عن الفصيل الكردى لصالح السوفييت، الذين كانوا يقتلونهم كل ساعة من ساعات اليوم، وأخبرنا أحمد مفتى زاده أن القتل يجب أن يتوقف، وأن كل من يفرق المسلمين فهو مخطئ، وكل من يفرق الإيرانيين فهو مخطئ، وأننا نريد الاتحاد والتسامح عن كل ما وقع من أخطاء».
«واشتكى مفتى زاده من أن طهران قد خلت من مسجد وحيد للسُّنّة، وكل المساجد فيها للشيعة وحدهم، فالناس فى الغرب ينظرون إلى المساجد على أنها لا فرق بينها، لكنه بيّن أن السُّنّى على سبيل المثال لا يستطيع تدخين سيجارة فى المسجد بينما يفعل الشيعة ذلك، والصلوات أيضًا يختلف عددها فبينما يصلى الشيعة ثلاث مرات يوميًّا فالصلاة عند السُّنّة خمس صلوات كل يوم، ويشكو السُّنّيون من أن المساجد لا تفتح للصلاة إلا ثلاث مرات فى اليوم؛ ولذلك وجب أن تكون لهم مساجدهم الخاصة ليتمكنوا من القيام بالخمس المكتوبات».
وعندما انتهوا من حديثهم، كانوا فى ساعة متأخرة من الليل، واصطحبهم بعضٌ من حرس مفتى زاده إلى فندقهم القريب من المطار، واتفقوا على أن يحضر الحرس إليهم لينقلوهم إلى المطار قبل موعد إقلاع الطائرة بتسعين دقيقة، وما إن دخل يوسف ندا وغالب همت حجرتهما حتى سمعا طرقًا على الباب، وعندما فتح يوسف الباب رأى نحو عشرة رجال يمسكون بمدافعهم الرشاشة، وقال له أحدهم: أخى، يجب أن تذهب معنا الآن، لا يمكنك النوم هنا، ولو فعلت ذلك فسيقتلونك هنا.
يقول يوسف: «لقد تعرفنا على شخص أحد رؤساء هذه المجموعة ووجدناه أهلًا للثقة، فذهبنا معهم، وأخبرنا أن هناك مؤامرة لاغتيالنا؛ ولهذا أرسلهم أحمد مفتى زاده لحمايتنا، وأن الأوامر لديهم بالبقاء معنا حتى نركب طائرتنا، كان هناك من يريد قتلى أنا وهمت، وكانت الاحتمالات مفتوحة – الشيوعيون أم الثوريون أم سائر الفصائل الواقعة بينهما. واستمر الحراس معنا حتى ركبنا الطائرة التى أقلتنا سالمَيْن إلى طهران».
كانت الثورة الإيرانية تدور رحاها فى قوة واندفاع فترفع قدر بعض السياسيين وتطرد البعض الآخر من دائرة المقربين إليها، واقتحم الحرس الثورى القصر الرئاسى وأعدم بعض أصدقاء بنى صدر والعديد من معارف يوسف ندا داخل الحكومة، أما أصدقاء أحمد مفتى زاده فى الحكومة الثورية فقد اختفوا جميعهم، وفى عام 1982 أسروه فى عرينه الجبلى واتهموه بأنه خطر على الأمن القومى، ولم يبين أحدٌ حقيقة جرائمه، لكنه سُجِن عشرة أعوام، وبعد إطلاق سراحه عرف يوسف المشغول بأمر مفتى زاده بأنه أصبح حرًّا وبعد الاتصال مع أحد الإخوان، أُخذَ همت إلى البيت الذى يعيش فيه الرجل، وأصيب همت بصدمة كبيرة عندما دخل عليه أحمد مفتى زاده، حطام إنسان أشبه بالهيكل العظمى، ويروى ندا ما حدث: «لقد وضعوه فى زنزانة ارتفاعها متر ونصف بحيث لا يستطيع الوقوف معتدلًا، وتكسرت عظامه مرة تلو الأخرى، وتحطم جسده».
ندا فى الجزائر
«فى عام 1994 استعَرَت الأمور الشخصية فى الجزائر بين قيادات جبهة الإنقاذ وغيرها من التيارات الإسلامية عندما نجح الإنقاذ فى استقطاب الشارع السياسى ورفضوا التعاون مع غيرهم من التيارات الإسلامية الأخرى وأعلنوا أن الجميع يجب أن ينضووا تحت لوائهم ويَقْبَلوا قيادتهم».
«وقد رأى بعض قيادات التيار الإسلامى الآخرين أن قيادة جبهة الإنقاذ ركبها الغرور وتتصرف بحسابات خاطئة، وسوف يؤدى ذلك إلى صِدام حتمى مع التروكيا العسكرية المتحكمة فى كل شيء (جيش، بوليس، سلاح، بترول، غاز، اقتصاد، بنوك، زراعة، صناعة، استيراد، تصدير، وأيضًا مساندة من القوى الخارجية الأوربية والأمريكية)».
«وحاولت القيادات الإسلامية الأخرى تقديم النصح أو إيجاد البديل فأعلنت جبهة الإنقاذ الحرب عليهم، وكانت الشخصية الإسلامية التى ركز زعماء الجبهة هجومهم عليها هى محفوظ نحناح رحمه الله وجماعته، حتى بلغ الأمر أن ضربه أعضاء الإنقاذ بالأحذية فى أحد المساجد، ولحساسية علاقتنا مع محفوظ هو وجماعته تحركنا بهدوء بدون الظهور على الشاشة، ولكن بالتنسيق معه، وأوجدنا القناعات عند بعض الشخصيات المحايدة المحبوبة من كل الأطراف للتوسط، وظللنا نتابع ونُحرّض على الصلح بطرق تظهر أنها غير مباشرة، وتجعل هذه الشخصيات تشعر أنها تتحرك بوازع شخصى وليس بتحريض منّا».
«ونشهد بأن محفوظ تحمل الكثير مما لا يمكن قبوله وفضل ألا تصيب جماعته شظايا انفجارٍ مُقبلٍ ليس لمُفجّريه القدرة على حسابات نتائجه، وابتعد هو وجماعته وانتظر حتى يهدأ الغبار، أما زعماء جبهة الإنقاذ فقد تابعنا علاقتنا بهم لعلنا نستطيع إيجاد قناعات لديهم يوما ما بالتأنى وتفادى الكوارث، ليس فقط لهم أو للحركة الإسلامية برمتها، بل وللشعب كله، وكان ما كان وقُبض عليهم واستعَرَت حملة الجيش ضدهم وضد كل مناصريهم؛ سواء من رفع السلاح أم أعلى صوته».
«وجاء محفوظ إلى كومو الإيطالية قُرب الحدود، ولم تكن معه تأشيرة دخول سويسرا فذهبت إليه وقابلته، وكان يرافقه أبوبكر قدودة، شرح لى الوضع وخطورة القادم على البلاد، وسأل: هل هناك وسيلة لإقناع عباس مدنى وعلى بلحاج بمحاولة التفاهم مع الرئيس زروال لإنقاذ البلاد؟ فقلت له إن أمكنك أخذ إذن لى لزيارتهم فى السجن فأنا مستعد، فقال لى: رتّب أنت أمورك معهم وأنا سأرتب مع الرئيس ورجال أمنه».
«فى اليوم التالى كان محفوظ فى انتظارى فى المطار، وبعد العناق قال لى: سنلتقى فيما بعد فهذه حدودى. واختفى، وحضر شخص آخر بملابس مدنية وأنهى الجوازات وحمل الشنطة وأخذنى إلى فندق «أوراسي»، وقال لى: خلال نصف ساعة سيتصل بك المسئولون. وفعلًا حضر من اصطحبنى إلى فيلَّا وجدت فيها محفوظ ومعه «الجنرال بتشين» وقدمه لى أنه المكلف من الرئيس زروال. بعد استعراض الوضع الأمنى وخطورة الأوضاع، سألنى «بتشين»: هل الإخوة يعلمون ويوافقون على زيارتك لهم؟».
«وكانت أهم الأهداف عندى:
المحافظة على هيبة الدولة وتفادى تفككها.
أفضل وسيلة لكسب الحرب هو تفاديها.
يجب أن يكون هناك حلٌّ يتفادى أن يكون هناك غالب أو مغلوب.
وإذا شعر كلٌّ من الأطراف أنه رابح فسيمكن التعاون بينهم فى المستقبل.
يجب أن يتغير أسلوب الخطاب الذى يستعمله قادة الإنقاذ مع الدولة، لأنه أسلوب بدائى وقح.
الإفراج عن المعتقلين وعودة المغتربين وعدم الاعتداء عليهم بعد الإفراج عنهم.
الاتفاق على البدء فى آليات انتخابات تعيد الحياة النيابية إلى مجرى دائم.
معالجة الكراهية والحقد الاجتماعى.
إنقاذ اقتصاد البلاد ومنشآتها.
الحذر من تعدد جيوب أدعياء الإفتاء وانتشار خلايا متفرقة ممن سيسمون أنفسهم مجموعات إسلامية باسم الفتاوى والشرع وتصاعد تجاوزاتهم باسم الشرع مما يضر بالشرع نفسه».
«وعرضت الأمر كما تصورته على الحكومة، ثم عندما ذهبت إلى الطرف الآخر، وبعد صلاة الفجر بدأت فى تسجيل طلباتهم وملاحظاتهم:
الإفراج الفورى عن شيوخ الحركة لتمكينهم من استشارة باقى فعالياتهم، وتمكين مراسليهم من السفر.
رفع حالة الطوارئ وإيقاف حملات التمشيط والمتابعات.
إعادة الاعتبار إلى الانتخابات السابقة البلدية والولائية والتشريعية.
منع الجيش من التدخل فى السياسة.
الاتفاق على حكومة انتقالية أو مجلس سيادى مؤقت يضم كل الفعاليات السياسية.
إجراء انتخابات رئاسية».
«وقرأ لى على بلحاج رسالة كان قد أرسلها إلى الرئيس زروال، والحقيقة أننى أصابنى الهلع والتشاؤم من الأسلوب الذى كُتبت به؛ فليس فى الإسلام ما يبرر استعمال مثل هذه الألفاظ مع المسيطرين على مقاليد الدولة مهما كانت الأسباب، ورغم شعورى بأنهم أناس مُتديّنون وفيهم تقوى، وممكن أن يقال إنهم يَصْلُحون فى المظاهرات ولكن لا يمكن بأى حال أن يُطلَق عليهم ساسة».
«وجاء المرافق وعدت مرة أخرى إلى السلطة فوجدتهم يسمعون ولا يُجيبون، وتغيرت الاتجاهات خلال هذه الأربعة والعشرين ساعة.. وتوقف الديالوج، وعلمت فيما بعد أن بعض القوى المُتحكمة فى الجزائر بلغها نبأ وجودى وأسبابه فتحركَتْ بسرعة خلف الكواليس، وجندَتْ كل إمكانياتها، واستمر الاقتتال فى الجزائر بصورة أكثر وحشية والعياذ بالله».
تنشر باتفاق خاص مع «دار الشروق» جميع الحقوق محفوظة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.