مصادر: إخلاء معسكر التحالف بعدن ونقل قوات من لحج وأبين    صنعاء.. هيئة الآثار والمتاحف تصدر قائمة بأكثر من 20 قطعة أثرية منهوبة    صنعاء.. هيئة الآثار والمتاحف تصدر قائمة بأكثر من 20 قطعة أثرية منهوبة    السلاح لا يمنح الشرعية    تعز.. بئر المشروع في عزلة الربيعي :جهود مجتمعية تنجح في استعادة شريان الحياة المائي    البيض: المرحلة تحتاج إلى احتواء وإدارة لا مغامرة وفرض وقائع    تعز.. بئر المشروع في عزلة الربيعي :جهود مجتمعية تنجح في استعادة شريان الحياة المائي    برشلونة يحقق فوزا هاما امام اوساسونا في الليغا    وقفة قبلية مسلحة في مديرية الحصن بصنعاء إعلانًا للجهوزية    الصين تختبر طائرة مسيّرة جديدة تزن 800 كغ    شاهد بالصور .. انتقالي لحج ينجح في حشد الآلاف في ردفان للمطالبة بإعلان دولة الجنوب العربي    السفينة جالاكسي .. اولى صفحات البطولة اليمنية .. الحلقة (1)    وقفة مسلحة لقبائل ذويب بصعدة تعلن الجاهزية لمواجهة الأعداء    حضرموت أم الثورة الجنوبية.. بايعشوت وبن داؤود والنشيد الجنوبي الحالي    هولندي يتوج بجائرة أفضل كاريكاتير عن رسم يفضح الإبادة الإسرائيلية    قوات الحزام الامني بالعاصمة عدن تضبط عصابة متورطة في ترويج مادة البريجبالين المخدرة    تدشين حملة رقابة على الأسواق والمخابز في بيت الفقيه    مدير ميناء المخا: تطوير الميناء يهدف إلى استقبال سفن الحاويات    صنعاء.. توقيع عقود زراعة تعاقدية لتعزيز الإنتاج المحلي    أمانة العاصمة تطلق حملة "12/12" للنظافة والتوعية المجتمعية    الرئيس الزُبيدي يُعزّي في وفاة العميد مهندس طيران عبدالله سعيد حسين    غوتيريش: ما يجري في حضرموت «مشكلة إقليمية معقّدة»    وفد من جماهير الأزارق يصل إلى مخيم اعتصام الضالع    انضمام تحالف عماد والاتحادات المهنية إلى مخيم الاعتصام بالمكلا    أمن العاصمة عدن يطيح بعصابة متخصصة في سرقة منازل وممتلكات المواطنين بالممدارة.    رونالدو شريكا رئيسيا في خصخصة النصر السعودي    القيادة التنفيذية العليا تشيد بجهود تطبيع الأوضاع بوادي حضرموت والمهرة    رئيس مجلس الشورى يعزي في وفاة عبد الفتاح الماوري    الأرصاد: أجواء باردة إلى باردة نسبيًا على المرتفعات وبحر مضطرب جنوب الساحل الغربي    عن محادثات المعاشيق ومشاركة الإمارات إلى جانب السعودية في التفاوض مع الانتقالي    بوقرة يستقيل من تدريب الجزائر    واشنطن تسعى لنشر قوات دولية في غزة مطلع العام    صلاح يعود إلى قائمة ليفربول أمام برايتون    وفاة المناضل سيف صائل    موعد مباريات نصف نهائي كأس العرب 2025    مدرسة أمي الليلية: قصص وحكم صاغت الروح في زمن البساطة..(من قصة حياتي الأولى)    الأجهزة الأمنية في سيئون تضبط عصابة تنتحل صفة القوات الجنوبية لنهب منازل المواطنين    القوات الجنوبية تطلق عملية الحسم في أبين    كم من الناس هذه الايام يحفظ الجميل..!    الصحفي والقيادي الإعلامي الراحل راجح الجبوبي    الله جل وعلآ.. في خدمة حزب الإصلاح ضد خصومهم..!!    هيئة الآثار تنشر القائمة ال30 بالآثار اليمنية المنهوبة    الصحفي والقيادي الإعلامي الكبير ياسين المسعودي    الأمين العام للأمم المتحدة: "ما حدث في محافظتي حضرموت والمهرة تصعيد خطير"    ثلاث عادات يومية تعزز صحة الرئتين.. طبيب يوضح    الجنوب راح علينا شانموت جوع    السيتي يحسم لقاء القمة امام ريال مدريد    لا مفر إلى السعودية.. صلاح يواجه خيبة أمل جديدة    فعالية حاشدة للهيئة النسائية في صعدة بذكرى ميلاد فاطمة الزهراء    المنتخب الوطني تحت 23 عاما يغادر بطولة كأس الخليج بعد تعادله مع عمان    ندوة بصنعاء تناقش تكريم المرأة في الإسلام وتنتقد النموذج الغربي    بيان مرتقب لقائد الثورة في اليوم العالمي للمرأة المسلمة    "اليونسكو" تدرج الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي غير المادي    60 مليون طن ركام في غزة بينها 4 ملايين طن نفايات خطرة جراء حرب الإبادة    إتلاف 8 أطنان أدوية مخالفة ومنتهية الصلاحية في رداع    ضرب الخرافة بتوصيف علمي دقيق    إب.. تحذيرات من انتشار الأوبئة جراء طفح مياه الصرف الصحي وسط الأحياء السكنية    رسائل إلى المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب من طقوس القهوة المرة بقلم:مادونا عسكر
نشر في الجنوب ميديا يوم 25 - 04 - 2013


أصداء من طقوس القهوة المرّة
قراءة في كتاب "من طقوس القهوة المرّة" للكاتب الفلسطيني " فراس حج محمد ".
مادونا عسكر/ لبنان
بين عتبة شعريّة، وعتبة سرديّة، وفي كسر مستجاد للحدود بين أجناس الكتابة، يهيّئ لنا الكاتب "فراس حج محمد" طقوساً خاصّة من قهوته المرّة، تتأرجح بين نصوص وجدانيّة ينقل فيها الكاتب مشاعره المترافقة وطقوس قهوته الخاصّة، مستخدماً القهوة رمزاً يعبّر من خلاله عن مشاعر تتردّد بين الحزن والفرح، وبين الأمل واليأس والطّمأنينة والقلق، ويحاكي من خلالها امرأة خياله، ويقيم بينه وبينها حوارات تتناغم وأذواق القهوة المتعدّدة، وبين مشاهد قصصيّة يستدعي الكاتب أحداثها من الواقع مازجاً إيّاها بنفحات خياليّة، يستقي منها القارئ معانيَ شتّى وحكماً مختلفة، ويجد فيها متاعاً وغناء لروحه وعقله.
ولا تخلو المشاهد القصصيّة من عواطف جيّاشة ومضطربة، إلّا أنّنا نلحظ فيها تطوّر العاطفة من الإحساس القلبيّ إلى البحث العقلي أو المراجعة العقليّة لهذه العاطفة إن جاز التّعبير. ثمّ يحاول الكاتب إشراك القارئ في شذرات تأمّليّة ذاتيّة تشبه إلى حدّ بعيد حكماً أراد من خلالها إيصال رسائل معيّنة بكلمات قليلة وأبعاد دلاليّة عميقة، كتلك الّتي نقرأ فيها تعريفاً للبؤس والسّقوط من خلال جملة بسيطة، ولكنّها تقوم على عدّة عناصر: "تعريف ممكن للبؤس: عاصفة ميتة لم تحدث التّدمير المطلوب، وتوصيف آخر للسّقوط: شراع قلق آيل للسّقوط. "فيجمع القوّة والضّعف، على تناقضهما، فالعاصفة ورغم قوّتها وقدرتها على التّدمير، لا حياة فيها، والشّراع ورغم أهمّيّته في توجيه المركب فإنّه مضطرب ويُشكّ في قدرته على الاستمرار. ولعلّ هذه الشّذرة تعبّر عن قوّة البؤس الّذي ينزع من الإنسان حياته الحقيقيّة ويجعله يحيا اضطراباً وقلقاً نتيجة الشّكّ في القدرة على الاستمرار، وانمحاء سبيل للخلاص والخروج من العاصفة. أو كتلك الّتي تعرّف إنسانيّة الإنسان في قلب الطّفولة البعيدة عن تشكيكات العقل وسيطرته على العاطفة الإنسانيّة: "حكمة أخرى جرت على أفواه الصّغار، ونسيها الكبار العقلاء، كأنّ الإنسان يفقد براءته كلّما شعر بنضوج العقل. لا شيء يعدل قلب طفل غير ملوّث بالانتقام.
أذواق القهوة مختلفة ومتنوّعة، كما هي النّصوص في كتاب (من طقوس القهوة المرّة)، ولا بدّ أن يجد كلّ قارئ طقساً خاصّاً به وإن كان الحديث عن قهوة مرّة، مرتبط رمزها بحزن الكاتب المتدرّج والمسيطر على النّصوص، أو المرتبط بمرارة حياته العاطفيّة، إلّا أنّ لكلّ نصّ مذاقه وطقسه المتفرّد والمتميّز.
تتمحور النّصوص حول مشاعر الكاتب، بل تحتلّ هذه المشاعر غالبيّة النّصوص، وتتجلّى فيها قدرته الفنّيّة على تحويل الحدث العاطفي البسيط حدثاً فنّيّا عظيماً قادراً على بناء عوالم متألقة جمالاً، رغم الأسى الطّاغي. ولعلّ أهمّ ما يميّز هذا الكتاب الذي يعسر تصنيفه تصنيفا أدبيّا، هو نقل الأحوال الوجدانية والعاطقيّة إلى أنساق حكائيّة في سياق بناء سرديّ مخصوص ومحكم. ففي "مشاهد قصصيّة" يتنقّل الكاتب من الفكاهة والمرح إلى الاعتراف بالفشل، ثمّ الإشارة إلى خطورة العالم الافتراضي باستباحة حياة الإنسان وتخطّيه لكلّ حدود، إلى مواجهة مع والد حبيبته الرّافض بتعجرف لعلاقتهما.
لا تسمح هذه المشاهد القصصيّة للقارئ بأن يغرق في حزن الكاتب، بل تدفعه تارّة لأن يخوض معه تجربته الحياتيّة والعاطفيّة وطوراً لأن يستمع إلى صوت العقل أكثر منه لصوت العاطفة. فيتبيّن لنا في بداية المشاهد، محاورة ذاتية للكاتب بينه وبين نفسه يضعها ضمن إطار سرديّ، إلّا أنّها تبرز بشكل جليّ في نصّ قويّ ومكثّف، بعنوان: "ألا يكفيك جنوناً يا أبي؟!"، وكأنّ الكاتب يراجع فيه ذاته في حبّ اجتاح حياته وأضفى عليها وعلى حياة عائلته الكثير من الأسى والحزن، حتّى استحكم فيه المرض والسقم. ويظهر لنا هذا الحبّ في حالته السّلبية، أي غير تلك الّتي تسمو بالإنسان وترتقي به، إذ إنّ السّطور تترجم لنا ذلك الشّغف المرضي ( Passion ) الّذي يحوّل الإنسان إلى عبد غير قادر على التّحكّم بكرامته وإنسانيّته فيصبح أسير مشاعره غير قادر على تحكيم العقل وإنصاف الحكمة.
في نصّ آخر تتجلّى المحاورة العقليّة الذّاتيّة في سطور تخبّئ في طيّاتها ذلك الخيط الرّفيع الّذي يفصل بين الحبّ الحقيقيّ والخيال العاطفيّ الّذي يستمدّ منه الكاتب إلهاماته. فالحبّ الحقيقيّ ليس ملهماً بقدر ما هو انفتاح على الحقيقة الّتي ستتجلّى لاحقاً ليس في الكتابة وحسب وإنّما في كلّ تفاصيل الحياة. وأمّا الخيال العاطفي فليس سوى وسيلة تساعد الكاتب على تعويض حاجته العاطفية وما إن ينتفي الخيال حتّى تذبل الكلمات وتموت روحها.
ثمّ ينتقل إلى "حادث مؤسف"، فيسرد لنا الكاتب فيه حالة رجل اكتشفت زوجته رسالة خاصّة به في أحد مواقع التّواصل الاجتماعيّ، ولك أن تتخيّل أيّها القارئ حجم الأضرار الجسديّة الّتي لحقت به والّتي يضعها الكاتب في إطار فكاهيّ كوميدي لطيف، ويدعّمها بعنصر التّشويق. ثمّ ينتقل إلى نصّ آخر يبيّن فيه استباحة العالم الافتراضي لخصوصيات الإنسان ويعبّر عن انزعاجه بأنّ هناك من يراقبه ويراقب تصرّفاته بهدف معيّن أو بغير هدف. ولعلّ هذا النّص ينقل لنا القلق الّذي يعيشه مدمنو هذا العالم، وذلك عن غير وعي، لكثرة ما يشعرون أنّ خصوصيّتهم مسلوبة ولكثرة ما يريدون تحويله إلى عالم واقعيّ، إمّا ليعوّضوا ما نقص من حياتهم في عالمهم الحقيقيّ وإمّا للبحث عن علاقات تلبّي حاجاتهم الإنسانيّة.
ثمّ ينطلق الكاتب في حيرة بين الكرامة الشّخصيّة والحبّ، في نصّين يغلّب فيهما عاطفته في سبيل لقاء مع والد الحبيبة الّذي يرفض هذه العلاقة، محضّراً عدّة سيناريوهات محتملة تمكنّه من إجراء هذه المقابلة رغم الارتباك والشّعور بالنّقص والخوف من الخسارة. إلّا أنّ الكاتب ومقابل الرّفض، يسمّي المحاولات الّتي ستأتي لاحقاً بالنّضال حتّى يبلغ هدفه المرجو. ولعلّه يقنع ذاته بهذا النّضال وهو الّذي غالباً ما يشعر بعدم المسؤوليّة والطّيش إلى أن كبر فجأة عشرين عاماً يوم شعر بتلك العاصفة من التلاشي المفضي للعدم، العاصفة الّتي اجتاحت حياته بل كيانه كلّه.
إنّها أصداء لطقوس قهوة مرّة خاصّة بالكاتب " فراس حج محمد"، هي طقوس في الحب والحزن، وطقوس في الفنّ والأدب. وللقارئ أن يكون شريكاً في هذه الطقوس، وله أن ينشئ طقوسه الخاصّة منفعلاً متأثراً بما حكاه وحاكاه الكاتب من أغوار الذات الإنسانيّة في شتّى انفعالاتها وتقلّباتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.