في مصر ورغم كل ما جرى ويجري نهر يجري بالخير، وناس تجري على أكل عيشها والتقاط رزقها بالحلال. وفي مصر، مزارع تنتج، ومصانع تعمل ليل نهار.. فلاحون مخلصون وعمّال مهرة.. وشعراء وقصّاصون ونحّاتون وحرفيّون يُواصلون إبداعهم في كل مكان. وفي مصر أسر تُقيم أعراسها بعد "ضم الغلّة"، وأخرى بعد "تقليع البطاطس"، وثالثة بعد "جني القطن".. في ضوء ذلك يصبح التبشير بالأمل ضرورة قصوى في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر. لقد أصبح المصريون في الداخل وفي الخارج أيضًا ينتظرون أي خبر سار يشيع الأمل في نفوس المنتجين حقًا، والعاملين حقًا، بدلًا من تلك "اللمّة" الإعلامية الفارغة التي باتت بلا معنى. المصريون جميعًا لا يودّون سماع أو مشاهدة أخبار من نوعية البورصة تخسر كذا مليار، والسياحة تشكو من هجر السياح، والصناعة تعاني من إغلاق المصانع، والسكك الحديدية تعاني عجزًا كبيرًا، والتلفزيون المصري تضربه البطالة! مثل هذه النوعية من الأخبار حتى وإن كانت حقيقة لا ينبغي تهويلها وترويجها وكأنها نصرٌ مبين! الملايين تحتاج إلى أخبار أخرى من نوعية: توزيع شقق سكنية جديدة على الشباب، وفتح فرص عمل للخريجين، وتطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور! راقبت الأخبار الرئيسية في الصحف والقنوات المصرية في الأسبوع المنصرم، واكتشفت أنها تكفي لاعتمال الألم والحسرة في النفوس بدلًا من إشاعة البهجة والأمل. من ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- أن يقول وزير السياحة: إن عدد سيّاح الأقصر في الأسبوع الماضي بلغ عدد واحد سائح!! أو أن يقول وزير الصناعة: إن عدد المصانع الكبيرة التي عادت للعمل مصنع واحد!! مثل هذه الأخبار تزيد من إحباط الناس في فترة تحتاج إلى همّة وعزيمة وإصرار على النهوض بمصر لتأخذ مكانها التي تستحقه بعد أجمل ثورة شهد بها ولها زعماء العالم الحديث. الشعب في مصر لا ينسى ولا يمكن غشه أو خداعه أو حتى دغدغة مشاعره بالوعود.. لقد سئم الجميع الوعود منذ قيام ثورة يناير وحتى الآن. أتذكرون ماذا جرى في فبراير ومارس بعد ثورة يناير؟! لقد راح المصريون يحسبون بالورقة والقلم والآلة الحاسبة كم نصيب كل منهم من الثروة التي سيتم جمعها أو مصادرتها أو تحصيلها من سارقي أموال الشعب.. لقد كثرت المليارات في الصحف والقنوات، 200 مليار من هذا، ومائة من ذاك، وخمسون من هنا، وأخرى من هناك! بل إن سقف الحسابات -ولا أقول التوقعات- ارتفع لحد أن يُصبِح المصري؛ فيمسك من جديد بالورقة والقلم، ليحسب نصيبه من دخل قناة السويس الذي كان يُصرف على رئاسة الجمهورية كما قالت له الصحف، ومن السياحة التي كانت تنفق على السادة، ومن الحديد الذي احتكره الابن... وغير ذلك من أحلام تبخّرت بل وتحوّلت إلى كوابيس بعد براءة كل المتهمين بسرقة الأموال! الآن، ها هي سيرة الأموال تعود من جديد لتفرض نفسها على المصريين، الذين يرقبون ويترقبون كل دولار يدخل في خزينة الدولة.. ويزداد الأمر اهتمامًا مع التوسع في نشر التدفقات بلا حساب.. مليارات جديدة من هنا وأخرى من هناك.. ناهيك عن حديث الودائع والسندات والمنح التي لا تُرَد والمنح التي تُرَد.. فإذا مضت الأيام وخف الحديث عن الدولارات، عاد الحديث عن الأزمات وعن استحالة وضع حد أدنى للأجور في هذه المرحلة، وعن صعوبة التنازل عن ديون المزارعين وقروض الصانعين، ويكتمل الإحباط حيث تتكرر أحاديث وتصاريح سئمها الناس كل في مجاله؛ من قبيل أن عدد العاملين في التلفزيون 42 ألفًا ولا نحتاج منهم سوى 15%، وأن السكك الحديدية مضطرة للتوقف بسبب نقص الميزانية، وأن خسارة خطوط المترو في تصاعد مستمر! رشّدوا في الحديث عن الفلوس وكثرة الفلوس، ورمّموا النفوس، فهي الأولى وهي الأهم وهي الأغلى... اتركوا الفلوس للمالية واهتموا أنتم بالنفوس العطشى والظامئة والحالمة بشعب واحد يُحب بعضه بعضًا لينجو من العاصفة، كفانا دمًا ودمعًا يسيل على الأرصفة! [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain