الآن وبعد أن نجحت المملكة بمهارة وجسارة واقتدار في إعادة الملف المصري إلى البيت المصري قبل أن تطاله يد التدويل، هل آن الأوان لأن يجلس كل أفراد البيت متجردين من أي هوى حزبي أو شخصي لحل الأزمة وترطيب توابعها المضنية؟!. سألني التلفزيون السعودي عن الموقف فقلت: إن أحدًا عاقلًا لا يمكن أن يتصور أن قيام المملكة بدورها العربي في إعادة ملف الأزمة إلى الداخل المصري يعني الموافقة على إراقة المزيد من الدماء. والحق عندي أن الهدية السعودية الكبرى للقائمين على حكم مصر في تلك المرحلة الانتقالية ينبغي أن تعامل بالتقدير اللازم وبالحكمة اللازمة وأن توضع في إطارها الصحيح. وإذا كان مصير مصر بحكم التجربة المضنية السابقة لم تحدده المظاهرات والاعتصامات على أهميتها في التعبير الحر عن الرأي الحر، فإن التجربة نفسها أثبتت وتثبت كل يوم أن هذا المصير لا يمكن أن يحكمه أو يحسمه السلاح. في ضوء ذلك، يصبح من الضروري أن يجلس الجميع على طاولة الحوار دون إقصاء بل دون استئصال على النحو الذي يروج له الصغار الآن. ولكي يجلس الجميع أو قبل أن يجلس الجميع لابد من المصارحة قبل المصالحة.. مصارحة كل الأطراف واعترافها بأخطائها. لقد جاءت مبادرة نائب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية الحالية الدكتور زياد بهاء الدين بمثابة نقطة ضوء ليس في نهاية النفق المظلم إنما في أوله.. لقد جاءت المبادرة التي تتضمن 12 بندًا أهمها إلغاء حالة الطوارئ، وعدم الإقصاء، ووضع دستور توافقي جديد لتنعش آمال الكثير والكثير من المحبطين.. ربما كان ذلك هو سبب تدافع أحزاب وقوى وطنية عديدة للترحيب بها فورًا بعد أن بدّدت أو كادت حديثًا آخر للدكتور مصطفى حجازي جاء مفعمًا بالإقصاء.. لقد سارع حزب مصر القوية برئاسة د.عبدالمنعم أبوالفتوح بالترحيب بمبادرة بهاء الدين شأنه في ذلك شأن حزب النور السلفي الذي لم يكتفِ بالدعم فقط وإنما أعلن تبنيه للمبادرة التي خففت ولو شكليا من حديث الإقصاء والذي يجري على الأرض بل أن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي سارع هو الآخر بدعوة القوى الوطنية كلها لتبني هذه المبادرة. لقد سبق مبادرة بهاء الدين مبادرة أخرى للدكتور العوا ولأن الأخير بعيد الآن كل البعد عن السلطة ونظام الحكم فإن مبادرته الواعية لم تحدث أثرها، لكن أن تأتي من نائب رئيس الوزراء ها قد بانت بشائر أول نقطة ضوء تعيد الأمل في مصر آمنة مستقرة. وأعود فأقول إن الدور السعودي الذي تم خارجيًا بنجاح فاق كل الجهود المصرية التي بذلت وما زالت لا يكفي وحده لحل الأزمة من جذورها.. وهذا يدفعني للمناشدة باستكمال هذا الدور في لم الشمل المصري سواء بوساطة مباشرة أو غير مباشرة مع الأخذ في الاعتبار البناء على مبادرة نائب رئيس الوزراء. وما المانع بحكم العلاقات التاريخية وبحكم المصير الواحد والهدف الواحد الذي أشار إليه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية.. ما المانع أن تكون الوساطة سعودية والنصيحة سعودية؟. قريب من ذلك وفي الاتجاه نفسه نقل الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية حرص خادم الحرمين كل الحرص على وحدة واستقرار دول المنطقة وتماسك شعوبها، وتعاونهم لصد كل خطر يتهدد وحدتهم وينال من أمنهم واستقرارهم. إنها الرؤية العربية الثاقبة التي ينبغي التعامل معها مصريًا بهذه الروح.. تماسك الشعوب لا تقسيمها، واستقرارها لا تشتتها، ووحدتها لا تشرذمها!. إننا في بداية الأزمة وليس في نهايتها كما قد يتصور البعض، ومن ثم فإن جهدًا مخلصًا يمكن أن يساعد كثيرًا في إنهاء الأزمة قبل جزأرتها أو صوملتها، أو أفغنتها، أو عرقنتها على النحو الذي نرى ملامحه الآن ومع الاحترام التام لشعوب هذه الدول العربية العريقة. أريد أن أقول أن الفرح باعتقال هذا أو ذاك لا ينبغي أن يخفي مخاطر عمليات في الجبال على نحو جبال الشعانبي في الجزائر، وبيداوا في الصومال وبغداد وبابل والموصل في العراق، وكابول وقندهار وحيرات في أفغانستان. كما أن الفرح أو الغبطة بهدوء في القاهرة لا يكفي بل لا يخفي استمرار الغضب في محافظات أخرى.. والحل عندي لملمة حقيقية وترطيب حقيقي للأجواء.. أجواء المصارحة والمصالحة.. إن تجاهل الحقائق على الأرض لن يحل المشكلة، قد يخفيها مؤقتًا وقد يلغيها مؤقتًا لكنه أبدًا لا يعالجها من جذورها. ولعل في مقدمة هذه الحقائق أن القرية المصرية الصغيرة بل البيت الصغير فيها الموافق والمعترض.. الفرح والغاضب.. المبتهج والمحبط.. ولأن ذلك كذلك فلابد من الترطيب.. وهي مهمة أهل الفكر والقلم والساكنين في القنوات المصرية ليل نهار.. لقد آن الأوان كي يقوم هؤلاء بدورهم الذي تريده وتحتاجه مصر الآن وليس ما يريده ويحتاجه فلان وفلان وفلان!. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain