تبكي مصر فيتردد صوت نحيبها في الكويت شأنه في الرياض وفي بيروت وتونس واسطنبول وكل العواصم العربية والإسلامية.. أكتب الآن من الكويت حيث سخونة الانتخابات البرلمانية التي لا تحلو دون الحديث عن مصر.. وعن الجدل الدستوري وشراء الاصوات والدوائر الانتخابية وغيرها من مظاهر لم تحلُ دون توهج الحديث عن التحرير ورابعة العدوية! قل ما شئت عن التجربة السياسية البرلمانية في الكويت ..عن حل المجلس وانتخابات المجلس وبطلان المجلس..عن إقالة الحكومة وتكليف الحكومة وتشكيل الحكومة..عن شراء الأصوات وعن تراجع المرشحات وعن تحكم العصبيات..لكنك أبداً لن تستطيع أن تحجب شمس الديمقراطية أو تخفيها بيدك أو بنظارة شمسية! في الكويت دستور قديم نتاج عقد اجتماعي ارتضاه الكويتيون منذ نشأة دولتهم.. يسعى أو يمضي في رسم ارادة الحاكم ورضا المحكوم.. وهو قبل هذا وبعده ملزم أو ملجم لأي شطط في العلاقة بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.. ويضم خمسة أبواب فقط و183 مادة. في ضوء ذلك يعلو الصخب السياسي الداخلي حد التراشق اللفظي وتتعدد القضايا القانونية في المجالس والمحاكم وأقسام الشرطة لكن الدستور يظل الحكم.. والمحكمة الدستورية تظل اللسان الذي إذا نطق التزم الجميع بالحكم بدءًا من الأمير..أمير الكويت ونهاية بأصغر مواطن...وقد كان. أمرت المحكمة بحل مجلس الأمة وسط حالة شد وجذب بين النواب والوزراء باتت معتادة، فالتزمت الكويت كلها معلنة البدء في إجراءات الترشح للمجلس الجديد الذي يعد الخامس عشر في مسيرة الديمقراطية الكويتية. شيئا فشيئا وبمرور الدورات والسنوات أدرك الكويتيون كلهم ..الشيوخ والنواب وجموع الشعب الذي يقترب تعداده من الثلاثة ملايين (أكثر من مليون كويتي ومليونين من غير الكويتيين) أصول التعايش بما يضم مواصلة الحفاظ على استقلال الكويت "وما أدراك ما الاستقلال" بل ما أدرى الكويتيين الكبار والشباب بالاستقلال..مقارنة بالاحتلال الذي جاء كالضارة النافعة على اصعدة سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة! كانت المرة الأخيرة التي زرت فيها مدينة الكويت في الأسبوع التالي لتحريرها عام 1991 أشبه بزيارة لمدينة الرعب والأشباح! فلا بشر ولا حياة إلا من جمعية خيرية أو اثنتين وفرقة من فرق المرابطين وقصور وبيوت مهجورة وشوارع أنهكتها الدبابات والمدرعات..وعندما زرتها بالأمس كانت شمس الحرية قد أضاءت البيوت والصحف والوجوه على السواء! في المقابل كان وجهي المصري الحزين محفزاً لمزيد من الأسئلة تارة وللدعاء أخرى وللإجابات الجاهزة تارة ثالثة ورابعة! والحق أن الحدث المصري فرض نفسه على كل بيت كويتي أسوة بكل البيوت العربية، فلا الانتخابات أوقفت الحديث عنه، ولا سخونة الحملات، ولا خصوصية المناسبات.. الهم المصري يشتبك مع كل الهموم الداخلية والخارجية للدول العربية..ولكل رأيه ولكل أمنيته ولكل هاجسه..وأنا أمضي مفتونًا ومعجونًا بالأنين. تتسارع الأحداث في مصر بشكل فاق كل التوقعات والتوجهات..وفي ردهة الفندق الكبير حيث المركز الإعلامي للانتخابات الكويتية يجلس جهاد الخازن بكل خبرته محاولًا الحصول على معلومة لا رأي! ويسأل عبدالوهاب بدرخان بلهفة وقلق، ويسعى الدكتور خالد الدخيل للتحليل السريع، ويجتهد جورج سمعان في التشخيص ويشعل ماضي الخميس الموقف بسؤال رشيق ..وفي كل صباح تتلاشى الأماني والتوقعات، ويبدأ الجميع من جديد في القراءة والتأمل والرصد الدقيق لوجهي الحزين! تنطلق الانتخابات الكويتية اليوم وتنتهي عند الثامنة مساء ليصبح الكويتيون غدًا على مجلس أمة جديد وتشكيلة حكومية جديدة، كنفحة أمل عربية رمضانية في غد أجمل لمصر..وما ذلك على الله بعزيز. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain