يقول مارسيل بروست « السعادة تفيد الجسد ، والحزن يطور العقل « ولذا فانا أجزم أن هذه القصيدة كُتبت في لحظة حزن عميقة جدا ! وذلك لأنها منحت عقل شاعرها أفقا أرحب ليكون الشاعر والحكيم والقاريء للموقف وصاحب الموقف أيضا في وقت واحد. أختار الشاعر أن يقف أمام نفسه ليخاطبها كما يخاطب الآخر وكأنه يقول أن تخلي الآخرين وعدم وجود من يتأثر لحزنك ليس سببا لليأس فربما لا يكون للإنسان ناصح أصدق من نفسه : صاحبي.. قلي.. وبعد الحزن..من غيرك بكالك هنا تكون البداية فضفاضة بالنسبة للقاريء فيقرأها وكأن الشاعر يخاطب آخر بقوله «صاحبي « «قلي» أو كما سنقرأ النص هنا بوصف الشاعر يخاطب نفسه : إنتصفك الدمع.. وعيونك تبالغ في هطوله هنا يتحدث عن حزن معلن ، حزن تفضحه دموع «مبالغ فيها « كما يصفها الشاعر نفسه ، وكأنها دموع إستجداء لعطف أكثر من كونها دموع حزن ، لكنه يسارع بمواجهة الحقيقة المرة : لاشغلت الناس في همك ولاريحت بالك ثم يستمر وكأنه يستفز نفسه بالبدء في التعبير عن مشاعره بالكلام ، لان الدموع وحدها لا تجدي : لاسكت..ولارفعت الصوت وش قاعد تقوله وهنا يأخذ دور الحكيم العارف بالحالة ولكنه في نفس الوقت يخاطب نفسه بالواقع الذي يعرف تفاصيله، ليقول لها أنه ليس من الحلول أبدا أن يهرب الانسان من نفسه ليعيش بشخصية أخرى ، وأن الرحيل من عالمك الى عالم آخر لن يتيح لك الحياة السهلة ، وأن تلك الدروب التي ستمشيها ماهي الا مكان بين نقطتي بداية حياتك ونهايتها : انت...ماصرت انت.. لادورت في نفسك بدالك وارتحالك صعب.. ومن الصعب عيشتك بسهوله والدروب اللي تلم خطاك وتمرك لحالك تجمع اخر يوم من عمرك بساعات الطفوله ثم يأتي للتذكير أن كل ما تحملته وهو «قاس « الا أن في الحياة ماهو فوق احتمالك ، وهذا تخفيف حكيم اذ أن مجرد أن تواسي انسانا وتمنح همومه حجمها الذي يعتقده سبب كاف لتقبل المشاركة ! ويؤكد له – أو لنفسه إن صح التعبير – أن الأحلام حينما تأتي الأقدار فانها « تجفل « فكل ما يحدث مقدر خارج عن قدرة الإنسان : احتملت اقسى زمن...واقسى زمن فوق احتمالك تامن احلامك وهي من دقة الساعه جفوله ثم يعود الى التأكيد عليه بأن يتكلم وتحديدا بالشعر ! وفي الشطر الذي يقول « ومن شوية صمت وشوية كلام أصنع بطولة « يصف الشاعر النص الشعري بأجمل ما قرأت في حياتي فالنص الشعري عبارة عن شطر يأتي بعده صمت فشطر آخر عبارة عن كلام يأتي بعده صمت فبداية شطر آخر وهكذا يصنع الشاعر بقليل من صمت وقليل من كلام بطولة ! ولو لم يقل ( تركي العلاوة ) من الشعر الا هذا الشطر لكفاه ، ثم يستمر ليؤكد أن هذا سيزيح عن صدره ثم يؤكد أن كل ما يطال ليس بحلو وأن الأجمل يبقى مالم تصل أليه ولذا هو يستحق العناء: دونك ارياف السكوت ارتاااح في عز انشغالك ومن شوية صمت..وشوية كلام اصنع بطوله زيح عن صدرك..وجوع براحتك..شف مابدالك اي حاجه..والعنب ماهو بحلو اللي تطوله في آخر أبيات القصيدة يصل بنا الشاعر الى سر ذلك الحزن الذي صنع هذا النص الشعري من أجله ، والى خطاب مختلف يخاطب فيه آخر ، لم يعد في مملكة الشاعر ولغيابه قصة الحزن تروى : وان بنى غيرك على الشاطي قصوره من رمالك مستحيل البحر يجمع فيك مرجانه ولوله انت وينك..من زمان وسيرتك تفقد ضلالك استراح بك المكان ايامك الحلوه عجوله للقا بعدك.. حكاية عمر... باقيها بقالك غربتك..ياغربتك مشوار يعني لك وصوله