التجربة الماليزية في التنمية والحضارة والتقدم دليلٌ على أهمية بناء الإنسان، وإعداد الطرق الكفيلة بنهضة الوطن ورفعته. ومن يطلع ويدرس هذه التجربة لدولة إسلامية، قادها رجل مسلم من أصول حضرمية، هو الدكتور "محضار محمد"، يجد أنها ارتكزت على أمور عدة، أهمها فَهم الواقع والحقيقة لهذه الدولة؛ لأنها بلا إمكانيات وموارد طبيعة مؤثرة كالنفط عند بعض الدول؛ وبالتالي استيعاب ذلك والتركيز على الإنسان كمحور للتنمية. وثاني هذه الأمور التي اهتم بها "محضار" كان التعليم، وإعداد الكوادر البشرية دون مجاملة ومهادنة وتلون، والحرص على إسناد الأمر لأهله من الواعين لأهمية التربية. وكان أول نجاح له هو توليه مسؤولية وزارة التربية، وهنا لمس مواطنو ماليزيا قدرة هذا القيادي، والتطوير في المدارس؛ فازدادوا ثقة به، وقدموه للمسؤولية الكبرى، وهي رئاسة الوزراء. وقد حرص محضار على تطوير القدرات البشرية والاهتمام بالتعليم، وأن تكون المخرجات قوية ومتميزة، تعتمد على الانضباط والدقة والعمل الجاد وإتقان المهارات، والعمل بروح الفريق، والابتعاد عن المحسوبيات والمجاملات، والاستماع للآراء والتشاور، والاستفادة من الطاقات المتمكنة، وإيلائها المسؤولية بعيداً عن الأهواء والشخصنة في الأمر؛ فالمصلحة العليا فوق كل اعتبار. وواصل محضار محمد تطوير صناعة وتجارة وعمران وتربية ماليزيا، وانعكس ذلك على زيادة ملحوظة للدخل القومي للدولة، وتحسن ظروف المعيشة، وزيادة دخل المواطن الماليزي بشكل ملحوظ، رغم أنه انتشل البلد من الصفر؛ إذ لم تكن ماليزيا قبل أعوام شيئاً مذكوراً، وها هي الآن دولة تصنع كل شيء، وبها عمران ومدن ضخمة وناطحات سحاب وسياحة متقدمة، ويزورها الملايين عالمياً، ومنهم أبناء السعودية. ويذكر الزعيم المخلص محضار، الذي لم يبنِ له مجداً مالياً، ولم يخزن الأموال لمصلحته أو لمن حوله، بل تنحى عن الحكم؛ ليفسح المجال لغيره رغم قدرته وصحته وإلحاح الشعب له، لكنه ليس عنده شهوة القيادة والتسلط.. يقول إن محاربة الفساد الصحيحة والجادة هي أول محفزات التطوير للدول النامية، ثم الحرص على اختيار الكفاءات المؤهلة لتولي المسؤوليات؛ فأعطني قائداً أعطيك جنداً.. وسمات القيادة موجودة لدى البعض، ويفتقدها البعض الآخر، ونحى خلافاته الشخصية في اختياره للمؤهلين والقادرين؛ ولهذا نجح محضار، ونجحت ماليزيا، ووصلت إلى ما وصلت إليه. وحالياً انتهيت من قراءة كتب عدة عن تجربة ماليزيا، ألّف بعضها محضار، وألّف بعضها مهتمون بالتنمية والإدارة من خارج ماليزيا، وهم من المحايدين من الغربيين، وشعرت بالإعجاب والفخر والتقدير لهذه الدولة المسلمة، وكيف أن بناء الإنسان وحده وبموارد مالية قليلة جداً يستطيع الوصول بماليزيا إلى ما وصلت إليه. وحالياً تعيش نجران ملتقى حول طموح ضخم للاستثمار والتنمية والصناعة، وتم دعوة الدكتور محضار محمد؛ ليكون المتحدث الرئيسي، وهذا يولد لدينا الكثير من التفاؤل والأمل بقيادة منطقة نجران الشابة؛ كونها تلمس نجاح هذا الرجل، ورغبت في أن يتعرف عليه مئات البارزين من رجال المال والأعمال والمسؤولية الحكومية والصناع وغيرهم من خارج نجران ومن داخلها. أهلاً بك محضار محمد بيننا، والاسم المتعارف عليه هو "مهاتير محمد"، هذا الرجل السبعيني الذي بدأ فقيراً يبيع القهوة في كشك صغير، ويثابر في دراسته؛ ليحصل على منحة لدراسة الطب في ماليزيا، ثم يعود لينشر آراءه عبر كتاب "معضلة المالايو"، ويصادَر الكتاب، ويُمنَع، لكنه أقنع المجتمع الماليزي بصدقه وسلامة توجهاته؛ فغدت ماليزيا بحكمته وجدارته واحدة من أعظم بلدان العالم في التمنية والعمران والاقتصاد. والأجمل أن محمد "المحضار" يخطب في منطقة جنوبية بالقرب من حضرموت التي غادرها أجداده قبل سنوات طويلة إلى ماليزيا.