10-06-2013 12:06 الجنوب الحر - بقلم :إبراهيم اليوسف "من يجهل نفسه لن يعرف الآخرين" . عبارة، كهذه، من الممكن أن تكون بداية نص روائي، يجمع خلاله مؤلفه بين أمرين لابد منهما هما: الشرط الإبداعي والرؤية، حيث إن النص الروائي يبنى على دعامات عديدة، تربط أوصاله ببعضها وشائج دقيقة، لا يمكن الاهتداء إليها، واكتشافها، وتوظيفها غير لذلك المبدع الذي خبر فنون الكتابة، وأدرك أن أية فكرة مهمة قابلة أن تكون نواة نتاج فني عظيم، في ما إذا توافرت تلك الأصابع التي تضع بذرة روح الإبداع في مكانها المناسب . وعند التدقيق في مثل العبارة، وهي في حد ذاتها مفتاح إلى فضاء معرفي خاص، نضع أصبعنا على مدخل الأسئلة الكبرى، لاسيما أنه يتناول محورين، هما: الجهل والمعرفة، فالمعرفة وحدها تطال فلسفة وجود الإنسان منذ الخليقة وحتى الآن، كما أن الجهل هو بؤرة الشرور طوال ذلك الشريط الزمني . وفي انطلاق هذه العبارة من النفس، سلباً وإيجاباً، باعتبارها فضاء أول جديراً بالاستقراء، ومعرفة ما يموج في عوالمه، ما يدعو إلى التعامل مع مفردات مكثفة، عصية على الاستنفاد، حيث ما لانهاية لها من المتضادات التي يقرر المرء من خلال تربيته وثقافته وقيمه كيفية التعامل معها، مادامت قادرة على تنشئته الروحية السامية، كما أنها قادرة في الوقت نفسه على إسقاطه إلى درجة الحضيض، في حضور السلالم الأطول من مجاهل الخيال، ومرامي الواقع، وهي توصل به إلى أعلى عليين، أو أسفل سافلين . وكلا الاحتمالين ممكن، نظراً لغرائبية طبيعة هذه النفس الأمارة بالعجائب والمتناقضات . ومن يتقص مسيرة الإنسان، تلك، وفق الخطّ البياني لها، يستطيع أن يعيد كل إنجاز عظيم من قبله إلى منابع في نفسه، كما يمكن فعل مثل ذلك - تماماً- أمام كل دمار جزئي أو كبير، بحق الكون والكائنات، إذ إن هذه النفس هي الداء، والدواء، هي بيت الحكمة، كما هي بيت الشرور، هي بيت الحب، كما هي بيت الكراهية، مثل غيرها من الثنائيات المتنافرة، التي يمكن الاستشهاد بها . ولعل الالتباس في الرؤية، يكمن في مدى ذلك التقارب بين منطلق كل تلك المتضادات، إذ إن في مقدور صناع ثقافة التضليل، وبالاستعانة بمجرد استبدال نظرة الإعجاب، بنظرة اللؤم، أو استبدال الابتسامة بالعبوس المتأجج ضغينة، وهو ما يمكن أن يترجم في النسق الكلامي . وللجهل والمعرفة أرومة تعود إلى أعماق خلجات النفس البشرية، حيث بين هذين الخطين مسافة:الموت والحياة، الهلاك أو البناء، وكل ما نشهده من تطور في مسار المعرفة، يقابل بسرطنات لا تتوقف في خلايا الجهل، ما يدفعنا إلى الخوف المستمر،لاسيما أن الجهل لم يعد أسير حدود الأمية، وفك الكلمة، بل إن ثقافة الجهل - وهي حاضنة معجم الشرور كاملة - باتت تطور ذاتها، أمام أية فتوحات معرفية كبرى، كي يكون المنجز نفسه - كما طبيعة النفس- أداة المتناقضات، فالطائرة يمكن أن تختصر جغرافيا العالم، ويمكن أن تسهم في تدميرها، شأن غيرها من الإنجازات الهائلة، وكأن سلمي النفس هذين يسيران في اتجاهين متناقضين، أحدهما للمجد والآخر للجحيم . [email protected]