بقلم/ صلاح الدكاك في كل شرايين الرياضة اليمنية تجري دماء أهلي تعز، المضخة العريقة للمواهب وصاحب الدورة الدموية الأنشط والرحم الرياضي الولَّاد الذي لا يصيبه العقم، حتى في سنوات عثراته.. كتبت عنه يوماً أنه يشبه العنقاء طائر الفينيق الخرافي الذي كلما سيطر اليقين بأنه قد أصبح رفاتاً، يولد مجدداً من حضيض الفناء قوياً وبهياً، نافضاً بجناحيه المهيبين رماد الموت ومحلقاً بمحاذاة الشموس والأفلاك.. وعلى غرار عبارة لأحد الفلاسفة عن سوريا، أقول إن لكل يمني فريقين رياضيين يشجعهما : فريقه الخاص وأهلي تعز.. في أسوأ الأحوال تصدق هذه المقولة على أكثرية مشجعي كرة القدم الذين تعنيهم متابعة أداء الأهلي تحسُّباً لمفاجآته أو رهاناً عليه لاسيما عندما يفقدون الأمل في صعود نجم فريقهم المفضل.. أتحدث هنا عن متابعيه من غير جمهوره، فيما الحديث عن جمهور أهلي تعز هو –دون مبالغة- حديث عن ظاهرة يتقاطع فيها العشق، بالهوس، بالجنون، بالزهو المفرط بالألم المميت، بالتعصب العفوي بالغضب الصادق وبالبذل بلا انتظار مقابل سوى أن يستمر شياطين القلعة الحمراء – كما أطلق عليهم الكاتب الرياضي المفقود شكري عبدالحميد ذات يوم بعيد – في معراجهم الصاعد إلى حيث يستحقونه من تتويج ومنزلة رفيعة.. وإذا كان هناك ما يستدعي الخشية على أهلي تعز؛ فهي الخشية من فرط حب جمهوره له لا من كيد منافسيه وخصومه.. لدي تجربة سيئة كنت خلالها ضحية بالخطأ لتهكمات هذا الجمهور الظاهرة.. بين 1989م – 1990م أقيمت أول بطولة على كأس الصناعة في لعبة التايكواندو بمشاركة أندية عديدة شمالية وجنوبية حينها.. وبما أن هذه اللعبة كانت حصرية في أهلي تعز وتفتقر أندية المحافظة إلى لاعبين فيها، فقد قام المدرب المبدع محمد إسحاق بتوزيعنا لنلعب ضمن أكثر من نادٍ.. كنا نتبارى على الأرضية الإسمنتية لملعب كرة السلة في ميدان الشهداء بلا بساط أو واقيات.. لعبت ثلاث مباريات بفاصل زمني قصير بين المباراة والأخرى ما يعني ضآلة قسطي من الراحة وإجهادي الشديد.. فزت في اثنتين وتلقيت خلالهما لكمات وركلات لسانية من الجمهور لا من الخصم، وفي الثالثة كنت منهكاً للغاية- نفسياً وجسدياً- فأغمي عليَّ وسقطت على الأرضية الصلبة للملعب بضربة قاضية من مشجعي الأهلي.. لم يكن بوسع هؤلاء المشجعين أن يفطنوا إلى أن خلف لون النادي الذي لعبت مرغماً لصالحه، عاطفة حمراء ولاعباً أهلاوياً جنى عليه الشعار، فكانت الحصيلة ميدالية فضية وبضعة ضروس وأسنان تحطمت بفعل ارتطامي على الأرضية الإسمنتية بمؤخرة الرأس.. ولا تزال محطَّمة حتى اللحظة كشاهد حي على تجربة كادت أن تكون بلا أضرار لولا قذائف منجنيقات الجمهور المأخوذ بلهب اللون الأحمر... فاز إذاً شياطين القلعة الحمراء بكأس رئيس الجمهورية، وفي غمرة فرحتي بالخبر تذكرت صديقي الكابتن عصام إبراهيم، قطب أقطاب عاشقي الأهلي ومحبيه وأخلص أبنائه.. اللاعب الجميل والإنسان المنسي الذي يعيش منذ أكثر من عام خلف قضبان زنزانة كئيبة في سجن من سجون المملكة السعودية.. أتخيله الآن يلوِّن جدران حبسه بالأحمر.. لقد بلغه الخبر وحائطه على "فيسبوك" يختلج أمواجاً حمراء ومنشورات تهانٍ تنبض دافئة وصادقة ونشوانة.. لم تفلح قضبان الزنزانة في الحيلولة بينه وبين أن يشاطر جماهير الأهلي نبيذ الفرح وزهو اللحظة.. ينبغي أن يخرج عصام إبراهيم من السجن بأي ثمن.. ليس من العسير أن يحدث ذلك.. إطلاق سراحه سيكون بمثابة كأس أخرى يضيفه النادي الأهلي إلى كأس الرئيس، وتهديه إدارة النادي إلى جماهيره ومحبيه... إنها المهمة القادمة المطروحة على طاولة الإدارة والتي لا تقل أهمية عن جملة مهامها.. وابل التهاني للأحمر ولاعبيه وجماهيره..