11-01-2013 01:56 الجنوب الحر - بقلم : خيري منصور في الأعوام الأخيرة حلّت نخب جديدة من الناشطين السياسيين والطبقة التي يعبرون عنها مكان ما كان يسمى الإنتلجنسيا العربية، وهي شريحة المثقفين في مختلف المجالات ومنهم بالطبع أكاديميون، وقد ساعد الإعلام الفضائي على مثل هذا الاستبدال للنخب، لسببين على الأقل، أولهما أن هناك ناشطين لديهم استعداد على مدار الساعة للحديث في كل شيء، والإعلام الفضائي بإيقاعه السريع وإطلالاته الخاطفة لا يحتمل العمق والتحليل قدر حاجته إلى سد الفراغ، والسبب الآخر هو عزوف الكثير من المثقفين عن التعليقات السريعة والعابرة حول أحداث يرون أنها بالغة التعقيد، سواء في مرجعياتها التاريخية أو ظلالها وأصدائها، وقد أدى ذلك إلى إفراز نخبة بديلة من المحترفين الذين نشاهدهم يومياً على مختلف الشاشات فهم على الأرجح في متناول اليد، كما أن لديهم الاستعداد لتحويل الفسيخ إلى شربات كما يقول مثل شعبي مصري . والملاحظة الأخرى، هي أن لكل فضائية الآن زبائنها، لأن الفضائيات أصبحت أطرافاً سياسية، ومنها من تخلى تماماً عن الموضوعية والحياد، حتى في بعده التقريبي أو النسبي، وثمة استوديوهات أشبه بغرف عمليات ميدانية، سواء من خلال معجم المصطلحات والمفردات أو من حيث التدخل اللوجستي في بعض المشاهد، وقد لا يكون هذا غريباً من الناحية التاريخية، فالحراك الشعبي سواء حمل اسم انتفاضة أو ثورة لا يفرز في المدى المنظور شهوده، خصوصاً إذا كان عفوياً ومعبراً عن فائض المكبوت الذي انفجر دفعة واحدة . لهذا قيل عن موجات الحراك العربي المتعاقبة وأحياناً المتزامنة إنها كانت بلا قيادات، والقائد فيها مبثوث في مجمل نسيجها، لكنه بلا اسم وبلا عنوان، رغم أن تلك الموجات لم تكن طارئة أو ابنة اللحظة، فقد سبقها تراكم من الكتابات والأنشطة وأسهم فيها موتى لم يغادروا قُبورهم، بل أفكارهم ومنجزاتهم لم تكن قد دُفنت معهم لأنها قابلة للحياة والقيامة إذا توفرت لها الحاضنة الاجتماعية . لكن ما نخشاه هو أن يستمر الاستبدال للنخب بحيث يصبح الإجرائي والتكتيكي بديلاً للاستراتيجي، ويبتلع التوصيف مساحة التحليل، وهناك فضائيات يمكن اعتبارها استثنائية إلى حد ما جازفت في البحث عن مقاربات مختلفة وليست سياحية أو أفقية، فأعطت فرصة لعالم النفس وعالم الاجتماع والمؤرخ، لأن هؤلاء يتعاملون مع الوقائع من مداخل أخرى . نذكر للمثال فقط أن واحدة من أعظم ثورات التاريخ هي الثورة الفرنسية لم تنجب سوى عدد ضئيل من المفكرين، ربما كان المركيز دوساد أبرزهم، لكنها كانت وليدة سلالة من التنويريين الذين مهدوا لها . إن متطلبات استبدال النخب في لحظات تاريخية حَرجة عدة، شرط ألا يتحول هذا إلى قانون أو ناموس .