11-01-2013 01:43 الجنوب الحر - خاص : بقلم : احمد عبداللاه وَرْدات تستحضر الذاكرة ألوانها، تتوسطها زهرة القرنفل الشهيرة، زهرة الرفاق الحمراء رمزية اليسار في أوروبا .. لا اعلم كيف حافظ على روحها البهيجة فالورود عادة لا تتعمر في الطائرات، والورود حين تخرج من أوطانها تموت . هناك في مطار عدن الدولي استقبلنا حامل الورد زارع ألوان البهجة في الحدقات، حين لا تكون الحدائق جاهزة لذلك . في احدى صباحات الخالق العظيم، في العقد الثمانيني من القرن الماضي، والجنوب يستكمل هوامش الخريف، فضَّل الراحل الكبير ؛ د/ عبدالرزاق مسعد أن يحمل الورد طوال رحلته من صوفيا الى عدن ليقول حين وصوله: " وطن النجوم انا هنا"، ومن هنا تفتح الأبدية ابوابها ويبدأ كل شيء ؛ الشوارع والبيوت والجبال والرطوبة والبحر والحب والضجر وكذلك الخطاب والمنعطفات والشهداء . ذو الاسم اليومي المألوف، وكعادة الفقراء الذين يغادرون مدارسهم لمواجهة العيش، بدأ الحياة العملية مبكراً في عمق الريف ليصاب ب( الوطن البسيط وباحتمال الياسمين) وبالقرب من ساحات مدارس النَّشء الاول فتح نوافذه لتورق الأشجار . هناك جبل من الطموح يلامس السحب العابرة وهناك أولويات ملحة في الحياة، بينهما بدايات صغيرة ومقتضيات التدريب على مفردات الخيال .. هكذا وجد نفسه امام المفترقات الحادة التي ربما زودته بالإصرار على اختيار كل شيء في آن واحد، كل شيء لا وقت للمراجعة فليس في الحياة أبواب مغلقة. وهكذا أنجز ما وعد به نفسه وتحقق للشاب الفقير الرائع ان يعمل ويتعلم ويصل الى مستواه الأكاديمي العالي ويجمع بين رائحة الرغيف المتواضع كزاد لأهله وزرقة الفجر كزاد للطريق في مشواره الجميل الصعب. عاد الى الوطن في حين كان الوطن على موعد مع الهزات العنيفة، عايشها الراحل كاعلامي وسياسي مثقف بكل تفاصيلها ومع كل الايام الصعبة والجارحة كان يحسس من حوله بانه راسخ كالحلم، خفيف( كجملة بيضاء موسيقية)، لا يملك غير فكره وقلمه وخفَّة ظلاله وهذا أعلى وأغلى ما يستطيع المرء ان يملكه. عبد الرزاق الراحل الى دار الخلود نموذج شاهق بتاريخه الزاخر بالتحدي والنجاحات بثقافته وفكره وتراثه وحبه للناس أجمعين .. كثيف( كبيت شعر لا يدوَّن بالحروف) .. ومن سيصفه يلزمه معرفة كبيرة بالمفردات الجميلة وقرب حميم من حكاية حياة مدهشة ببساطتها وإنجازاتها. عبد الرزاق غادر هذا العالم مبكراً، إغفاءةٌ نهائية ردّت عن أعيننا عينيه ... ولم يزل (بيننا مليون عصفور وصورة ومواعيد كثيرة ) .... أطفأها هذا الرحيل المؤسف. وفي كل وداع نحس بأننا مصابون بالسؤال الجارح : ترى هل كان يعلم بأننا نحبه جداً