قراءة لعداء دام 35 عاماً بين الجمهورية الإسلامية والولاياتالمتحدة ؛ واشنطن بذلت جهوداً واسعة للتصدي للثورة الإسلامية ابتداءً من التجسس وصولاً إلى الحظر نظرة عابرة على مواقف المسؤولين الأمريكان تجاه الجمهورية الإسلامية طوال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن نستنتج منها اتفاق التيارين الجمهوري والديمقراطي على أمر مشترك، وهو العداء لإيران. طهران (فارس) غدا (الاثنين) ستحل الذكرى السنوية لإغلاق وكر التجسس في طهران - السفارة الأميركية - لذا حاولت بعض التيارات السياسية التقليل من شأن هذا اليوم تحت ذريعة المحادثات المباشرة مع واشنطن حيث أكد البعض على ضرورة حذف شعار "الموت لأميركا" ووصفوا التيار المعارض للأميركان ب "المتطرف". لكن لو ألقينا نظرة عابرة على واقع السياسة الأميركية تجاه الجمهورية الإسلامية والمواقف المعادية التي اتخذها الأميركان طوال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن لثبت لنا أن ساسة واشنطن من جميع مشاربهم سواء كانوا ديمقراطيين أم جمهوريين متّفقون على أمر واحد ألا وهو "العداء لإيران". بالطبع إن الثقة ببلد ما عند مواجهته على طاولة المفاوضات تتطلب تحقق أمرين، أحدهما اتخاذ إجراءات عملية والآخر مراجعة مواقفه السابقة تجاه خصمه. وبعد الاتصال التأريخي بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والإيراني حسن روحاني عندما كان الأخير في نيويورك تأكّد أن البيت الأبيض ما زال مصراً على مواقفه المعادية للجمهورية الإسلامية إذ بعد هذا الاتصال صرح وزير الخارجية الأميركي بأن الخيار العسكري لم يلغ من الحسابات بعد. فهذا بالنسبة إلى الأمر الأول. أما بالنسبة إلى الأمر الثاني - أي مراجعة المواقف السابقة - فلو أردنا تحديد مستوى العداء الأميركي للشعب الإيراني خلال فترة تقارب 35 عاماً للاحظنا الكثير من التصرفات الأميركية اللامسؤولة تجاه إيران حيث ذكرنا في القسم الأول تأريخ العلاقات الأميركية الإيرانية حتى عام 1988م وفي هذا القسم سنواصل الموضوع ابتداءً من عام 1989م: 1989؛ تم اكتشاف شبكة تجسس أميركية واسعة النطاق في إيران، وبعد شهر من هذا التأريخ أرسل 186 عضواً من أعضاء الكونغرس رسالة إلى وزير الخارجية آنذاك جيمس بيكر طالبوه فيها بمساعدة زمرة "خلق" الارهابية لإسقاط الحكومة الإسلامية في إيران. وفي الحين ذاته، صادق مجلس الأعيان الأميركي على قرار يمنع فيه تصدير التقنية الأميركية لبعض البلدان بما فيها إيران، وفي العام ذاته أيضاً كشفت صحيفة واشنطن بوست أن الأميركان قد باعوا لنظام العراق السابق، معدات تستخدم في تصنيع الأسلحة الكيمياوية بقيمة مليار ونصف المليار دولار فضلاً عن المساعدات الإلكترونية والمعلوماتية التي قدموها لهذا النظام طوال أيام الحرب المفروضة. وفي عام 1991 وبعد انتصار القوات الأميركية وحلفائها على العراق في حرب الكويت اعتبر المسؤولون الأميركان أنه بعد كسر شوكة بغداد فإن طهران هي الخطر الأكبر الذي يهدد أمن المنطقة، وفي العام ذاته شنت القوات الأميركية هجوماً على زورق إيراني لكن المسؤولين الأميركان أعربوا عن عدم علمهم بذلك. كما أنه في نفس تلك السنة دعا بوش الأب الإيرانيين المقيمين في الخارج إلى العودة لإيران لإقامة نظام ديمقراطي بديلاً للنظام الإسلامي الحاكم وكذلك عارضت حكومته بيع طائرات إيرباص لإيران وأكدت على ضرورة منع الجمهورية الإسلامية من امتلاك التقنية النووية المدنية ودعت جميع البلدان النووية إلى عدم التعاون معها في هذا المضمار. في عام 1992 ادعى مساعد رئيس الجمهورية الأميركي أن طهران تنتهك حقوق الإنسان وتعارض الحريات الفردية والاجتماعية وانتقد الجمهورية الإسلامية انتقاداً لاذعاً، وفي العام ذاته حذر الأميركان من أن تبسط طهران نفوذها في الجمهوريات المسلمة التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي آنذاك كما صرح بوش الأب أن المساعدات التي قدمها البيت الأبيض لنظام صدام خلال حربه المفروضة على الجمهورية الإسلامية لم تكن تهدف إلى إقامة نظام ديمقراطي ومشروع في طهران بل كان هدفها فقط إسقاط النظام الحاكم وأكد على أن خطر الأخيرة على الولاياتالمتحدة أشد من خطر القنبلة الذرية. وفي العام ذاته أعلنت قناة "بي.بي.سي" أن بعض القوات العسكرية الأميركية كانت تقدم دعماً سرياً لقوات البعث بشكل مباشر إبان الحرب المفروضة، كما أعلن الأميركان عن قلقهم بشأن بيع روسيا مفاعلاً نووياً لإيران. وفي عام 1993 زعمت المخابرات الأميركية على لسان رئيسها أن الجمهورية الإسلامية تسعى لإنتاج سلاح نووي بعد إنتاجها آلاف الأطنان من الأسلحة الكيمياوية، وفي نفس العام أقرت سياسة السيطرة على إيرانوالعراق في السياسة الخارجية الأميركية وعمل البيت الأبيض على ضرورة عزل إيران عن العالم وإقناع اليابان وألمانيا وبريطانيا بعدم تقديم قروض لطهران وأعلن أحد المسؤولين الأميركان أن واشنطن ستخطط لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية. وفي العام ذاته أرسل 150 عضواً من أعضاء الكونغرس رسالة إلى الرئيس الأميركي طالبوه فيها بعدم الموافقة على بيع طائرات بوينغ لإيران. أما في عام 1994 عارض الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نقل نفط أذربيجان عن طريق الأراضي الإيرانية كما زعمت وكالة المخابرات سي.آي.أيه، أن طهران مستمرة في دعم الإرهاب وأنها قادرة على صناعة سلاح نووي خلال عشر سنوات كما وافق الرئيس بيل كلينتون على قانون يمنع الشركات النفطية الأميركية من عقد صفقات مع الجمهورية الإسلامية. وفي عام 1995 طالب رئيس البرلمان في الولاياتالمتحدة باتخاذ استراتيجية من شأنها تغيير النظام الحاكم في طهران عن طريق القوة حيث تم تخصيص 18 مليون دولار لهذا الغرض كما زعمت الإدارة الأميركية أن الجمهورية الإسلامية قد نشرت أسلحة كيمياوية في الجزر الإيرانية الواقعة في الخليج الفارسي. وفي عام 1996 أرسل بيل كلينتون للرئيس محمد خاتمي رسالة زعم فيها على وجود شواهد تدل على ضلوع إيران في تفجير الخبر الذي حدث في السعودية كما أقر مجلس الأعيان قانوناً شدد فيه العقوبات على الشركات الأجنبية التي تعقد صفقات مع الجمهورية الإسلامية، وفي نفس العام أعرب كلينتون عن أمله في السيطرة على المصادر المالية للبلدان الداعمة للإرهاب وذلك بعد توقيعه على قرار داماتو المعروف آنذاك. وتوالت هذه التصريحات والإجراءات المناهضة للجمهورية الإسلامية طوال السنوات المتتالية، دون توقف وهي معروفة لكل متتبع للسياسة الخارجية الأميركية وكلها تعد مواقف معادية لا مسوغ لها مطلقاً لذلك هل يمكن القول بان واشنطن صادقة حقاً في طي صفحة الماضي وإقامة علاقات مبنية على أساس الثقة مع الجمهورية الإسلامية؟! وبالتأكيد فإن تأريخ السياسة الأميركية يثبت عدم إمكانية ذلك ما دامت واشنطن متشبثة بنفس سياستها السابقة. /2336/