انتقل السوق العقاري المحلي من مرحلة تلبية احتياجات السكن والعمل إلى فضاءات تتناغم مع النمو المتسارع الذي يرافق أداء مسيرة التنمية الشاملة في إطار رؤية القيادة الحكيمة، فضلاً عن نمو الأعمال والأنشطة التجارية النوعية وتلبية متطلباتها كتنظيم المعارض والمؤتمرات واللقاءات الدولية الضخمة أو تلبية استحقاقات السياحة العائلية ورديفا تجارة التجزئة والترفيه. وبذلك يكون النضج الذي يخيم على أداء السوق العقاري صورة لانسحابه من قيادة قاطرة النمو إلى مركز متقدم يخدم متطلبات قطاعات السكن والتجارة والسياحة والنقل والخدمات، وهو ما يراد أن تكون عليه صناعة العقارات خلال الأعوام المقبلة لضمان التنمية الشاملة المستدامة. شاهد الجرافيك وتتزامن تلك النقلة مع العد العكسي للتصويت على البلد المضيف لمعرض أكسبو 2020 والذي تقدمت الإمارات العربية المتحدة بملف مميز لاستضافته في دبي. تقول المدير العام لإدارة العقارات وإدارة التسويق والاتصال المؤسسي في "وصل" زينب محمد: إن الطفرة العقارية حققت إلى حد كبير أهدافها سواء بكونها شيدت بنية تحتية عالية التطور أو من خلال حصد العوائد الاستثمارية للمستثمرين الأوائل من الأفراد والشركات وولادة أنشطة اقتصادية ما كانت لتظهر على المشهد لولا الطفرة العقارية التي قادتها دبي من 2004 /2009 واحتذت بها دول المنطقة والعالم لفرادتها وتنوعها، ليواكب تنوع الحاضنة الإماراتية الثقافية والحضارية. وأضافت زينب: إن القيادة الرشيدة تحرص على الدوام عبر مبادراتها وسياساتها على تأكيد التزامها في تحقيق تنمية مستدامة وتحقيق الرخاء والرفاهية والأمن والعيش الكريم لأبناء الوطن ضمن خطة شاملة ومتكاملة، وذلك يعني بلا شك مواصلة تنفيذ المشاريع، وتحديداً مشاريع البنية التحتية الضخمة، إلى جانب تركيزها على العنصر البشري والاهتمام به في مجالات التعليم والصحة. وتشير زينب إلى أن أن «السوق العقاري يمر راهناً بمرحلة نضج واستقرار واعتدال في أدائه بعيداً عن القفزات. ما يعني بأن القطاع العقاري يلعب اليوم دور المركز المتقدم في دعم استحقاقات اقتصادية في مقدمتها مواصلة مسيرة التنمية وتلبية استحقاقات الأنشطة الاقتصادية النوعية كتنظيم الفعاليات والمؤتمرات والمعارض الدولية الضخمة والتي خبرت دبي جانباً منها وتفوقت على مثيلاتها على صعيد التنظيم والنتائج". متطلبات السوق اليوم بدأت توجهات السوق العقاري، الإيجارات تحديداً، تتحرك وفقاً لمتطلبات السوق ومحركاته بعدما رزحت طويلاً تحت وطأة رغبات بعض الملاك، ما يقود إلى الاعتقاد بأن السوق يخطو خطوات أكثر جدية في اتجاه تحقيق أمرين مهمين لديمومته واستمرار نموه، وهما (النضوج والاستقرار). يقول الخبير والمستشار والباحث القانوني فادي حمادة إن السلطات المختصة تبذل جهوداً جبارة للحيلولة دون تعريض القطاع العقاري والقطاعات الاقتصادية المكملة له إلى تحديات محتملة. وقد نجحت في انتشال القطاع من تداعيات الأزمة المالية العالمية بسلسلة إجراءات حكيمة، واليوم وضعته على مساره الصحيح لخدمة الأنشطة الاقتصادية المتنوعة انطلاقاً من حقيقة مهام السوق العقاري في خدمة نمو الأعمال والأنشطة التجارية النوعية وتلبية متطلباتها كتنظيم المعارض والمؤتمرات واللقاءات الدولية الضخمة أو تلبية استحقاقات السياحة العائلية ورديفا تجارة التجزئة والترفيه. ودعا حمادة إلى مزيد من تضافر الجهود بين القطاعين الحكومي والخاص وأطراف المعادلة العقارية من أجل ترسيخ تحول السوق للمزيد من الرصانة والنضج والاستقرار. وتراجعت حدة التحديات في القطاع العقاري، ما سمح بإطلاق عمليات استئناف إنجاز المشروعات العقارية في دبي على وجه التحديد، فضلاً عن إطلاق حزمة ضخمة من المشروعات الجديدة سواء ما يحمل تواقيع المطورين الكبار أو تلك التي يبنيها المطورون الفرعيون. بعبارة أخرى تلك المحصلة قيلت لي بعبارة أخرى على لسان برونو مارتورانو، مدير عام شركة ليو سترلينغ عندما سألته «كيف ترى السوق العقاري منذ انطلاقته»؟، فأجاب: «الآن فقط أصبح لدينا سوق عقاري، أما قبل 5 أو 6 سنوات فقد كان سوقاً لا يمت بصلة للعقارات». ويبرر وجهة نظره بأن الأمور لم تكن طبيعية في السوق العقاري «قبل 3 أو 4 أعوام، ففي حينها كانت الشركات العقارية تتزاحم على إطلاق مشاريع تراعي الكم والأرباح ولا تراعي النمو المستدام، وأغرت حتى المشتري النهائي بالتحول إلى مضارب لا يستقر على عقار قبل أن يبيعه طمعاً بالأرباح هو الآخر، والأسعار كانت في صعود لا يمكن التكهن معها بالموعد الذي قد تتوقف فيه.. أما الآن فالوضع أصبح طبيعياً. ولم يعد للمضاربين فرصة للتلاعب بمقدرات النهضة الجديدة، وقد تعافى السوق مع جرعات متتالية يتعاطاها من الجهد والإشراف الرسميين، والعرض والطلب أدخلا السوق في حركة تصحيح تلعب دوراً في التسويق ثانية للإمارات عموماً، ودبي تحديداً». التنمية المستدامة أهم محركات النقلة النوعية في السوق العقاري الرئيس التنفيذي لشركة كولدويل بانكر الإمارات هشام الفار، لا يجد صعوبة في رسم مشهد للسوق في وقته الراهن وتوقعات عن مستقبله القريب، رغم أنه يمثل علامة تجارية تشتهر بلعب دور الوسيط في الصفقات العقارية الضخمة، فهو يرى: بأن العقارات والإنشاءات لم تعودا العلامة الفارقة للاقتصاد، وقد تراجعتا لممارسة دورهما الأصلي وهو خدمة قطاعات السياحة والتجارة. لكن هشام يرى أيضاً أن دور العقارات في الاقتصاد قد يتغير إيجابياً في غضون العامين المقبلين عندما يبدأ الطلب والعرض بالتعادل، شريطة مواصلة الجهود لتوفير فرص عمل جديدة تقود الطلب إلى استيعاب المعروض من الوحدات أو الوحدات التي ستدخل مجدداً. هشام الفار يرى أيضاً أن الوقت حان كي نوجه الاهتمام بشكل أكبر إلى الصناعة لأنها جواز سفر لارتقاء الدول في الصفوف الأولى للركب الحضاري الإنساني، مؤكداً أن الاقتصاد الأخضر الذي تسعى القيادة لبلوغه يتطلب وجود صناعات تمثله، وقد بدأت بوادر تلك الصناعات بالظهور سواء عبر القطاع الحكومي أو الخاص، أو كليهما، وربما نحتاج تسريع الوتيرة لأن العزيمة والحماسة والإرادة والأدوات كلها متوافرة. توفيق أوضاع بما أن تداعيات الأزمة العالمية طالت الشركات العقارية الكبرى على مستوى الدولة، فقد كان قيام تلك الشركات بتوفيق أوضاعها ضرورة لا بد منها، وقد تمكن أغلبها من تحاشي شبح الانهيار بسبب ثمار السياسات الرشيدة التي اتخذتها الدولة، والدعم الحكومي الذي ناله البعض منها، فيما راحت البقية تلتمس طرقاً أخرى لضمان الديمومة، ولكن بحذر أكبر، وتحفظ واضح يقيها شر عاديات الأزمات العالمية. توجهات أما جسي داونز مديرة الأبحاث والخدمات الاستشارية، فتقول إن تسارع الوتيرة في زيادة معدلات الإيجار قد بات يسهم كثيراً في تحسين أداء السوق، ولكن نضج السوق سيمنع من بلوغه مستويات خارج متناول اليد. ولفتت إلى أن «الانخفاض في الإيجارات السكنية والتجارية لعب خلال العامين الماضيين دوراً في استعادة المدينة جاذبية للعيش والعمل. ولفتت إلى أن سلوك المستأجرين والمؤجرين والمشترين والملاك قد شهد تحولات كبيرة لصالح فئة المستأجر والمشتري. واليوم نرى تزايداً في عدد الملاك، كما نرى بأن المشاريع العقارية الجديدة تغادر عناوين الأبراج إلى نطاق أوسع وهي المدن، وهذه بدورها تلعب دوراً مهماً في النمو المستدام وتلبية متطلبات باقي الأنشطة الاقتصادية غير مسألة السكن والعمل. يؤكد نيك ماكلين، العضو المنتدب، سي بي ار اي ريتشارد إليس الشرق الأوسط: لا يزال الطلب قوياً على المكاتب التجارية. كما أن دبي تشهد أيضاً مستوى جديداً من النضج في السوق مع وجود شركات عالمية تبحث عن مكاتب كبيرة وواسعة متوافقة مع المعايير الدولية العالية. وكان مركز دبي للسلع المتعددة في الوقت نفسه عنصراً مهماً في نمو الشركات الجديدة واقتصاد دبي، وستواجه مخططاته لبناء مكاتب من الفئة الممتازة إقبالاً واسعاً. إن المشهد الجديد في السوق العقاري يعطي دلالات أكثر نضجاً من ذي قبل. واليوم نرى سوقاً عقارياً يخدم أنشطة اقتصادية متعددة، فالعقار في النهاية موقع يمكن أن يكون منطلقاً لمعرض ضخم أو مؤتمر أو احتفالية نوعية أو مقراً لمصنع أو لفندق. ما يعني أن العقار اليوم يخدم كل الأنشطة التي تحتاج إلى موقع تنطلق منه على خلفية التوسع الذي يرافق النمو الاقتصادي الذي نشهده راهناً وبات في حكم المؤكد استمراره على مدى السنين المقبلة. الأخضر من جهته، قال الدكتور أحمد خياط الرئيس التنفيذي لشركة أكسيد للصناعات إن «الطفرة العقارية أوجدت مناخات هائلة لنمو المقاولات وللصناعات المرتبطة بها، حتى ان المقاولين كانوا يشرعون في البناء قبل توقيع العقود مع المطورين» وأضاف: «الحال تغير الآن، وقد أصحبت دراسة الجدوى أولوية، وهذا أمر طبيعي من وجهة نظرنا». وأشار خياط إلى أن «عمر الطفرة سمح للسوق العقاري بأن يلتقط أنفاسه في مراجعة شاملة، وكان من فضائل تلك المراجعة ضرورة التوجه إلى خدمة باقي القطاعات والأنشطة الاقتصادية التي لا تقتصر على السكن والعمل». وكان خياط حريصاً على أن يدعو إلى المزيد من الآليات والنظم واللوائح التي تفتح الأبواب واسعة أمام ممارسة الأعمال والأنشطة الإنشائية المستدامة، وأثنى على توجه الدولة عبر مبادرة الاستدامة والاقتصاد الأخضر ودعم البناء الأخضر.