التلفزيون المصري يذكرني بأيام الثورة!من أراد أن يقف على حالة الانقسام السياسي في مصر، ودوافع ورغبات كل فريق، فانه يمكنه ذلك، بدون أن يرهق ذهنه بمشاهدة مشاحنات ضيوف برامج 'التوك شو' من الفريقين، فما عليه إلا أن يشاهد 'الجزيرة مباشر مصر'، و'اون. تي. في' لصاحبها خالد الذكر نجيب ساويرس، وهو مختف هذه الأيام، ويدفع بقناته لتصدر المشهد، فان سقط محمد مرسي ظهر، وان استمر في موقعه فهو باعتباره ديمقراطياً، لا يتدخل في شؤون فضائيته! قبل يوم الثلاثاء الماضي، لم تكن الأمور واضحة في المحروسة، فقد كانت الدعوة الى مليونية لمواجهة الإعلان الدستوري الجديد في هذا اليوم ومطالبة بإسقاط الرئيس الذي تحول بمقتضى هذا الإعلان الى 'الرئيس المعصوم'، الذي حصن قراراته من الطعن عليها أمام القضاء، وقد شاركت في هذه المليونية الحاشدة، ليس بهدف حمل الرئيس على سحب إعلانه، فقد كنت أعلم أنه لو فعل هذا لفقد هيبته، ولارتفع سقف المطالب ليكون السماء، ولما توقفت المظاهرات، لأن الأزمة في الواقع سابقة على الإعلان الدستوري، فنحن نعاني من حالة انقسام سياسي عمقها نظام الحكم بممارساته. هذا فضلاً عن أنني مؤمن بأنه إعلان مؤقت، الى حين الاستفتاء على الدستور. ولم أكن بطبيعة الحال ميالاً لفكرة إسقاط الرئيس، لأني من المؤمنين بأن من جاء بصندوق الانتخابات لا يسقط إلا به، مع ان هذا الصندوق 'الملعون دنيا وآخرة' له ذكريات سيئة معي، على المستوى الشخصي. خطابي لم يكن مقبولاً من عموم الثوريين، الذين يرون ان مرسي استنفد رصيده ولابد من إسقاطه بقوة الفعل الثوري، وبدون انتظار لموعد الانتخابات الرئاسية، وقبل ساعات من كتابة هذه السطور، شاهدت احد المحرضين على الثورة وهو حمدين صباحي على قناة 'النيل للأخبار' يقول ان الهدف من المظاهرات ليس إسقاط الرئيس محمد مرسي، ولكن من اجل دفعه لسحب الإعلان الدستوري. وقد اعتبرت هذا تراجعاً منه، لكن هناك من وافقوا معه وقالوا ان إسقاط الرئيس المنتخب لم يكن مستهدفا بالفعل، مع أن شعارات إسقاط النظام رفعت، كما رفعت الدعوة لعودة العسكر، وهناك من كانوا اقل تطرفاً فقالوا بمجلس حكم مدني مكون من محمد البرادعي وحمدين صباحي. لقد شاركت لتكون رسالة لأولي الأمر منا، بأن الشعب المصري لن يعود كما كان، فهذا الشعب الذي أسقط مبارك بكل جبروته، لا يمكن أن يسكت على عملية تخليق فرعون جديد، لاسيما وان الإعلان الدستوري بدت الدوافع لإصداره غير مفهومة في جانب مهم وهو تحصين مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان) من الحل بأحكام القضاء، وهو مجلس مطعون في شرعيته، إلا إذا تم قبول ذلك في إطار قاعدة 'المودة في القربى'، فرئيس المجلس هو صهر الرئيس محمد مرسي، الذي ألقاه على الحياة السياسية بدون سابق إنذار، وقيل والله تعالى أعلى وأعلم، انه لم يتنازل عن مليم واحد من المخصصات المالية التي كان يحصل عليها خالد الذكر الرائد متقاعد صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى السابق. تواجد الفلول يوم الثلاثاء كان يوماً تاريخياً إذا خرجت المظاهرات من كل مكان، ولم أجد لي مكاناً في 'ميدان التحرير' فوقفت على أطرافه، وطالب البعض بضرورة التحرك الى 'قصر الاتحادية' ولا يزال طلبهم قيد الدراسة، وكان كل ما في هذا اليوم يذكرني بيوم 'جمعة الغضب'، إلا أمراً واحداً هو الخاص بتواجد عدد من الفلول وأنصار النظام البائد فيه، وقد تعامل البعض معهم على طريقته بما دفعهم للهروب، والبعض الآخر لم يجد عيباً في حضورهم، فقد كان الكره لحكم الإخوان غالباً على ما سواه، واستغل إعلام الحكم ذلك للإساءة للمتظاهرين، وفي حوار مع التلفزيون المصري قال الرئيس محمد مرسي انه يعز عليه أن يكون هؤلاء في 'ميدان التحرير'، مع أن الفلول هنا، وهناك في القصر الجمهوري، وفي الحكومة، ومن قيادة المؤسسات الصحافية القومية بالاختيار الحر المباشر لجماعة الإخوان المسلمين، والمذيع الذي كان يجلس أمامه من الفلول بشهادة زميلنا الاخواني حسام العطيفي. ذكرتني رسالة التلفزيون المصري بالذي مضي وبرسالته في زمن الثورة، عندما كان لا مكان لقدم في 'ميدان التحرير' بينما الصورة المعروضة توحي بأن أعداد المتواجدين لا تتجاوز المئات، وكأنها التقطت من موقف الأتوبيس المجاور بميدان 'عبد المنعم رياض'، لمن هم في انتظار أتوبيس 315 المتجه الى 'المرج'! وكما كانت الفضائيات الخاصة، بما فيها فضائية نجيب ساويرس جزءاً من أداء التلفزيون المصري في التغطية في أيام الثورة، فان 'الجزيرة مباشر مصر' انحازت الى هذا التلفزيون، ولا اعرف ما إذا كان انحيازاً استراتيجياً، وباعتبارها منحازة للحكم الاخواني، أم جاء بدوافع الكيد، بعد أن قام متظاهرون بإضرام النيران في الأستوديو الخاص بها في 'ميدان التحرير'، والى الآن لم تتم معرفة هويتهم، لكن المتظاهرين يرون أن 'الجزيرة مباشر مصر' هي جزء من إعلام الجماعة، ومؤخراً وفي يوم 'جمعة الحساب'، وعندما كشفت كاميرا القناة محاولة شباب الإخوان دخول الميدان والاعتداء على المتظاهرين فيه، قرأت لزميل من الإخوان يتهم القناة بأنها تدار من قبل جهاز مباحث امن الدولة 'المنحل' وبما يستهدف الإساءة الى جماعته. منذ ليلة الثلاثاء، وكلا من 'الجزيرة مباشر مصر' و'اون تي في' يبشر بطريقته وخدمة لأهدافه، فالقضائية الأولى تعرض لقطات لإعلان رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية، نجاح مرسي في الانتخابات، وحالة الفرح التي تملكت الناس في التحرير، وهو يؤدي اليمين، وهو يخطب ويقول متودداً 'ان عليه واجبات وليس عليه حقوق'. وفي المقابل فان 'اون. تي .في' كانت تعرض لقطات لعمر سليمان وهو يلقي بيان تنحي مبارك، والأفراح التي عمت العالم كله من أقصاه الى أقصاه، وخطاب اوباما الذي أشاد فيه بالشباب المصري الذي صنع ثورة سلمية مذهلة. وكأنها تقول أن الأمر قابل للتكرار، ومؤكد أنها ستدفع الثمن، لاسيما بعد ان قام حكم الإخوان بالسطو على كل تراث الاستبداد، الذي خلفه النظام البائد، فالقوم ليست لديهم القدرة على الخلق والابتكار، فهم 'متبعون وليسوا مبتدعين'. قبيل يوم الثلاثاء تلقت إدارة 'اون. تي. في' إنذاراً من وزارة الإعلام يلفت انتباهها الى أنها خرجت على شروط الترخيص، واللوائح تحظر على الفضائيات الخاصة ان تذيع نشرة للأخبار، أو حتى تعرض شريطاً إخبارياً، فهذا من 'أعمال السيادة'، فلم يكن أولو الأمر منا قبل الثورة يتصورون نشرة مصرية للأخبار، لا تبدأ بخبر عن السيد الرئيس ولو كان لا يزيد عن انه اجرى اتصالا مع نظيره في بلاد ما وراء الشمس 'لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين'، ثم يكون الخبر الثاني لحرم سيادته، ولو كان عن قيامها بافتتاح 'كشك سجائر'، أما الخبر الثالث فهو للمحروس، الذي ادخل 'الفكر الجديد' في الحزب الحاكم. لا أظن أن الحكم الجديد في مصر مشغول بأن تبرز الفضائيات الخاصة جولات الرئيس وتنقل خطبه، كما ان زوجته بعيدة عن الأضواء إلا قليلاً، أما أبناؤه فيتعاملون على أنهم من عامة الشعب، وأحدهم مرابط على مواقع التواصل الاجتماعي يسب من يسب أبيه. بيد أن أهل الحكم يصفون حسابات مع الفضائيات، وقد فعلوها مع 'دريم' والدور على 'اون. تي. في'. ومن عجب انها كانت قد تلقت انذارا بنفس المعنى من وزير إعلام مبارك فقامت الثورة ولم يتمكن من التنكيل بها. والله نسأل أن يستر على حرية الإعلام من حكم الإخوان، وعلى 'ولايانا'، جمع 'ولية'. جملة مني المفيدة الى الآن لم أتمكن من تثبيت 'ام بي سي.. مصر' على تلفزيون منزلي، على الرغم من أنني قمت بمحاولات عدة، وآخر مرة كانت قبل ساعات من كتابة هذه السطور، إذ شاهدت 'غلوشة'، فقد كانت الصورة مهزوزة، وان كنت قد تمكنت من ان أرى بالعين المجردة وقائع فيلم تاريخي.. ظهر فيه الكفار في زمن ثكلتك أمك يا ابن العانس. حرصي على مشاهدة 'ام بي سي.. مصر' مرده الى رغبتي في أن أشاهد 'منى الشاذلي' بملابس العيد، وعلى أيامنا كان العيد مناسبة للبس الجديد، ولهذا كان الخطباء يقولون: 'ليس العيد لمن لبس الجديد، ولكن العيد من خاف الله يوم الوعيد'. منذ أسابيع طالعتنا جريدة 'الأخبار' بخبر دعائي هو عبارة عن تصريحات لمنى الشاذلي بأنها اتصلت ببيوت الأزياء في باريس لتعد لها ملابس على 'الموضة'، ولأن الملابس الفرنسية لا تتفق مع زمن السمن البلدي، وصاحبتنا رزقها بسطة في الجسم، فقد زفت للأمة، والأمم المجاورة، بشرى عبر جريدة 'الأخبار'، بأنها نوت، والنية لله، أن تنقص وزنها. ولأني من المشغولين بالموضة والأوزان، فقد قررت أن أشاهد 'ام بي سي.. مصر' لأرى أثر نعمة الله تعالى على آمته: 'منى الشاذلي'، وأقف بعيني، التي سيأكلها الدود، بعد عمر طويل، على قدرة الإنسان على التحدي، والانتقال من مرحلة الجمال العربي الى الجمال الأوربي، حيث العود الفرنساوي، ومن ملابس السيدة ناظرة المدرسة، الى خطوط الموضة العالمية، لتنافس لميس الحديدي، التي قالت ذات مرة أن سوزان مبارك كانت تغار من شياكتها. نظرة الى ملابس مذيعات 'الجزيرة' ستظن للوهلة الاخرى أنها مشتراة ب'البالة' من محلات العتبة، وإذا استبعدنا إيمان عياد، شفاها الله، فلا توجد مذيعة بالجزيرة مهتمة بالموضة وخيوطها، وخديجة بن قنة لا تزال الى الآن فاشلة في ضبط غطاء رأسها، ومع هذا فان مذيعات 'الجزيرة' كان لهن دوراً عظيماً في صنع هذا الحدث الإعلامي المثير والتاريخي المسمي قناة 'الجزيرة'، فكما ورد في الأثر: 'الرك على الحشو'. قيل أيام من بث 'ام بي سي.. مصر' لإرسالها، كنت على كوبري السادس من أكتوبر معلقاً بين السماء والأرض، والكباري هي مشروع مبارك القومي، وذات مرة قال له قائل ان المصريين بحاجة الى مشروع قومي يلتفون حوله.. فقال: 'عندهم مترو الأنفاق'. مع أن الكباري هي المشروع الأروع، وآخر مشروع افتتحه مبارك كان امتداد كوبري صفط اللبن، ثم قامت الثورة. الكوبري كان مزدحما كالعادة، والأعصاب مشدودة ومرهقة، وفجأة ضبطت نفسي متلبساً بالضحك، عندما اطلعت على لافتة عملاقة بصورة 'منى الشاذلي' بالحجم الطبيعي، وقد تخلت عن 'الزي المدرسي' وترتدي ملابس مختلفة خشيت ان أقول انها الملابس الفرنسية فأكشف عن جهل فاضح يذكرني بسيرتي الأولى عندما جئت لأول مرة الى القاهرة، وكان التلفزيون يعرض الجزء الأول من مسلسل محمد صبحي 'رحلة المليون'، وفيه استنكر وهو البخيل على زوجته ان تشتري كبابا، وظل يؤرق وجدانها ويؤنب ضميرها بتساؤله المرير: 'كباب يا دلال'؟!. لقد اشترى لي مرافقي وابن عمي رغيفين من طعام لم اعرفه من قبل، وعندما سألته عن هويته قال لي بشموخ الكرماء والخبراء الاستراتيجيين في شئون القاهرة هذا هو الكباب؟.. بعد سنوات علمت أن هذا الاختراع هو 'الحواوشي'! لم يكن ما يضحكني هو اللافتة بالطبع، كما لم يكن هو ملابس 'منى الشاذلي' فما أضحكني هو اسم البرنامج: 'جملة مفيدة'، وصاحبتنا تغيب عن الوعي، وتحلق في السماوات العلى من اجل أن تمسك بتلابيب مفردة، أو أن تسحب كلمة من قفاها، ناهيك عن 'الجملة'.. و'الجملة المفيدة' وليس أي 'جملة'، وفي كثير من الأحيان فان ضيوفها يعجزون عن فهم ما تقوله فيجيبون على ما كانت تستهدف قوله فضاقت في وجهها العبارة؟ 'جملة' و'مفيدة'؟!.. قادر على كل شيء.. لكن من حقنا ان نسأل من 'مفيدة' هذه؟! صحافي من مصر [email protected]