بعيداً عن الساسة والسياسة، بعيداً عن العناء والتعب وضنك العيش الذي نعيشه نحن الشعب العظيم، بعيداً عن الفساد المتغلغل في مرافق وحواري و « زواوي » – اللفظ الأخير مأخوذ من زاوية بس بتصرف -مثلاً – بعيداً عن كل شيء وقريباً من شيء واحد فقط، من المواطن اليمني الذي تبدو علاقته بالنظافة الشخصية متوترة للغاية، بل أنها أشد وأكثر توتراً من علاقة إيران بأمريكا.. حقيقة لا أعرف من الذي ربط الفقر بالقذارة؟ ومن الذي جعلهما متلازمين كتوأم سيماي، لا يفترقان، لطالما أطلت النظر في وجوه وملابس وأظافر وأحذية الناس في الشوارع والذين يعتقدون أن الطريقة الوحيدة للإعلان عن فقرهم وسوء وضعهم الاقتصادي بقذارة ملابسهم وكثافة شواربهم ولحاهم المبعثرة بطريقة توحي بأن العلاقة بينه وبين هؤلاء قد وصلت إلى مرحلة خطيرة من القطيعة وعدم التفاهم وسوء المعاملة، في الوقت نفسه الذي توطدت علاقتهم بالقات والسيجارة والشمة والشعير وديو وصهيل أيضاً.. كان الوقت يشير إلى الواحدة ظهراً حين صعد إلى الباص رجل شااااحب يخيل إليك من شحوبه أنه قد قُبر خطأً ومكث في قبره خمسة أشهر، قبل أن يفرج الله عليه ويأتي إليه من أنقذ حياته، تسسللت بعيني إلى أسنانه وهو يضحك فهيء لي أن الرجل لم يستخدم فرشاة ولا مسواكاً منذ أن قلع أسنان الحليب وظهرت أسنانه الحالية مكانها، انتقلتُ بنظري إلى لحيته وشاربه لأرى ماذكّرني بالحشيش المتناثر في جبال القرية بعد موسم الزراعة، أما أظافر يده فأعتقد والله أعلم أن البلدية قد أعلنته مقلباً للقمامة، ولن أطيل الحديث عن " الصندل الربل" الذي تبقى ربعه أو قل ربعان منه لكثر الكيلو مترات التي مشاها، أضف إلى هذا كله ملابسه المتسخة والموزعة بين بقع زيت مليئة بالغبار وربما اضطرا يوماً بعد عطسة عالية أن يتمخط بذيل ثوبه، أما تلك البقعة التي تبدو حديثة فهي بسبب لقمة سلته سقطت عليه وهو يتغدى في مطعم ما فنسي أن يمسحها و يبقى " جل من لا يسهو"، ويحمل في يده كيساً...قبل الكيس، تجد أخانا بكامل أناقته ونظافته لا يتورّع للحظة في معاكسة فتاة تحمل في يدها بالطو أبيض، بمعنى أن الفتاة تدرس في كلية الطب، ويعقب على معاكسته " يفدوا بكم على التركيات"، على أساس أن أخانا لا يفرق كثير عن كريم أو غيره من الممثلين الأتراك... ليس هذا محور حديثي.. نعود إلى الكيس الذي يمتلئ بأوارق القات، ومستلزماته، علبة سجائر ودبة شعير ثم يخرج قليلاً من الشمة ويحشوها بين لثته وشفته السفلى.. بالنسبة لي كان يجب علي أن أحسب مصروفاته الخاصة بالقات هذه أخرجت جوالي وفتحت الحاسبة« 300 قالت + 250سيجاة+200 شعير +100شمة = 850" بينما قيمة قالب صابونة جيف مثلاً لا يزيد عن 50 ريالاً ودبتي ماء كوثر 20ريال لغسل جسمه وملابسه، 30 ريالاً مكينة، حلاقة لحلق لحيته 200 صندل ربل، 50 قصاصة أظافر 50 مسواك المجموع580 ريال لينعم بنظافة وأناقة.. هذا كل مافي الأمر عزيزي المواطن اليمني أرجوووك، أبوس يدك لازم تستوعب أن الفقر ليس له أية علاقة لا من قريب ولا من بعيد بموضوع النظافة، وستكون أفضل بمجرد أن تنظر لوجهك في المرأة وتجده نظيفاً وستتفتح لك أبواب الرزق، ليس مستحيلاً الملائكة تقدر ترى وجهك وأنت بتلك الهيئة.. شكراً لك.